كنت سفيرا ناجحا وخذلني الصبر
كريم فرمان
ان مهمة السفير جد صعبة وليس كما يتصور البعض انها مجرد وظيفة علاقات عامة وتلبية دعوات وزيارات او حضور...
هناك مَن يلذ له الحديث بتشف عن ورطة روسية في أوكرانيا. هنا يكون بوتين وروسيا هما الشيء نفسه.
تلك فكرة غير عادلة. فبوتين زائل أما روسيا فباقية. ولكن ماذا عن أوكرانيا؟ هل هي مجرد لقمة مسمومة؟
روسيا دولة عظمى وهي جارة أزلية لأوكرانيا. وللجارتين مصالح مشتركة بغض النظر عما يقوله زيلنسكي.
زيلنسكي هو الآخر كائن زائل فيما ستظل أوكرانيا تحتضن ملايين البشر الروس وليست اللغة الروسية ضيفا عابرا فيها.
الروس باقون في أوكرانيا. ليست مشكلة. اللغة الروسية باقية وهي ليست لغة طارئة على أوكرانيا.
ما فعلته الحرب لن يزول. تلك هي المشكلة. ستكون لحظة سوداء في تاريخ البلدين الجارين لن تُنسى.
ذلك ما يسلط الضوء على حجم الجريمة ويُذكر بالأطراف التي ساهمت في ارتكابها إلى جانب روسيا وأوكرانيا.
ما حدث على أرض الواقع أن الغرب كله شجع على وقوع الجريمة ووقف متحمسا وراء أسباب وقوعها واستمرارها من غير النظر إلى الواقع التاريخي.
كان مهما بالنسبة للغرب أن يتم استضعاف روسيا بأي شكل من الأشكال حتى لو كان شعب أوكرانيا هو الثمن.
أوكرانيا بقيادة زيلنسكي مثلت فرصة لا تُعوض. فالرجل لم يفوت فرصة استعراض أفكاره العنصرية التي أحرجت روسيا.
ليس بسبب ما صارت الأقلية الروسية تعاني منه من تمييز حسب، بل وأيضا لأن روسيا ترفض أن تتحول أوكرانيا إلى منصة صواريخ موجهة إليها. كان الموقف الروسي معروفا بالنسبة للغرب ولأوكرانيا معا.
بدلا من أن تقع أزمة بين روسيا وحلف والناتو قرر زيلنسكي أن يضع بلاده على طاولة التشريح. ومثلما ضحى الغرب بأوكرانيا فإن زيلنسكي يتحمل الجزء الأعظم من مسؤولية تحول أوكرانيا إلى ضحية.
وفيما تبدو الآفاق مسدودة لإنهاء الحرب في ظل موقف أوروبي معاد لروسيا فإن نظام الحكم في أوكرانيا صار يسعى لترسيخ العداء الروسي الأوكراني من خلال إعلانه الحرب على اللغة الروسية وهي اللغة الثانية في البلاد ولغة ملايين روسية تعيش في أوكرانيا. فهل هي دعوة إلى انفصال الأقاليم التي يقيم فيها الروس والتي باتت بحكم الحرب تحت الاحتلال الروسي؟
يبدو أن الغباء السياسي هو سيد الموقف هناك.
وهو ما دعمته الإشارات التي صدرت من بروكسل والتي تؤكد قرب قبول أوكرانيا عضوا في الاتحاد الأوروبي وهو موقف ينطوي على الكثير من الاستفزاز لروسيا سيزيد الأمور سوءا.
تلك الإشارات لا تعني بالضرورة أن أوكرانيا في طريقها لتكون عضوا في الاتحاد الاوروبي ذلك لأنها دولة في حالة حرب ولديها من المشكلات الداخلية ما يقف حائلا بينها وبين تلك العضوية. ولكن أوروبا ماضية في تأكيد موقفها السلبي سعيا من زعمائها لخلق فجوة بينها وبين روسيا وهو ما تريده الولايات المتحدة.
تلك الفجوة التي لا يمكن تجسيرها اليوم إلا من خلال أوكرانيا مؤهلة للإتساع ليتخذ العداء الأوروبي لروسيا أشكالا متعددة، بدأت بالاقتصاد لتنتهي بالثقافة ليعود العالم بعدها موزعا بين قطبين وتبدأ حكاية حرب جديدة تسقط أمامها كل الأفكار التي استندت عليها العولمة.
فروسيا اليوم ليست وحيدة. وإذا ما كانت التقديرات الأوروبية تقوم على حسابات أميركية فإن هناك دولا كبرى كثيرة لا ترى مصلحة لها في التعامل مع الحقيقة من خلال ثقب الباب الأميركي.
لقد أخطأت أوروبا حين انجرت وراء الموقف الأميركي وقطعت حوارها مع روسيا. كان من الممكن أن تلعب دورا ايجابيا وتمنع وقوع الحرب حتى وإن كان زيلنسكي قد ركب رأسه. فأوكرانيا مسألة أوروبية وليست أميركية.
لا أعتقد أن بوتين ينتظر اليوم من أوروبا سوى ما هو سيء. لقد بولغ في العداء الأوروبي لروسيا. وهي مبالغة تنطوي على احتمال واحد. أن أوروبا لم تعد قادرة على تحمل روسيا دولة قوية. وهو ما دفعها إلى ارتياد الطريق الأميركية الوعرة التي تبعدها عن تاريخها.
لن تكون أوروبا بعد أوكرانيا هي نفسها أوروبا ما قبلها. ما حدث اقتصاديا من هزات كبرى سينعكس سلبا على الواقع الثقافي وستعمل وسائل الإعلام على استعادة الحكايات القديمة عن الشر القادم من روسيا وسيكون هناك الكثير من الزيف من أجل ألا تكون روسيا قوة عظمى.
أوكرانيا كانت هبة للقوى الأوروبية المعادية لروسيا ولكنها ستكون اللغم الذي يفجر أوروبا من الداخل. وهو ما تراه الولايات المتحدة مناسبا لطموحاتها الامبراطورية.