غزو الكويت.. استعادة ذاكرة الصحوة

حلّت الذكرى الثلاثون للغزو العراقي على الكويت في عام غير عادي وظروف غير طبيعية، والمنطقة كلها على صفيح ساخن يستدعي التأمل العميق في دروس الماضي، لتجاوز تحديات الواقع، وتلافي تكرار الأخطاء نفسها التي وقعت فيها، وكلفتها كل هذا الاستنزاف المرير لمقدراتها، وأبطأت مشاريعها التنموية وعطلت نهضتها المأمولة.

تمرّ الذكرى هذا العام وهو مزدحم بالكثير من التحولات، التي تلامس كل الأطراف المتصلة، من قريب أو بعيد، بهذه الواقعة التاريخية، التي لم تتوقف ارتداداتها حتى اللحظة، رغم مرور أكثر من ثلاثة عقود.

تعيش الكويت لحظة حرجة ومفصلية من تاريخها، بعد أن فرضت جائحة كورونا وآثارها السياسية والاجتماعية والاقتصادية مراجعة جادة للذات على كل دول المنطقة والعالم.

ومن جهتها، تكابد جماعة الإخوان المسلمين للخروج من أكثر مراحل تاريخها انحسارا، بعد هزيمة شعبية على مستوى الشارع، إثر انكشاف الغطاء عن نفاقها وخداعها الذي استترت خلفه طويلا.

في ذكرى غزو الكويت وإعادة تحريرها، تصبح استعادة ذاكرة الصحوة ضرورة لفهم وتفكيك المارد الأيديولوجي الذي يقاوم للخروج من قمقمه مجددا عبر نافذة الكويت. فالصحوة، وهي الوصف الذي يطلق على الموجة الإخوانية التي اختلطت بالبيئة الدينية المحافظة في الخليج، وأنتجت هوية حركية وجماعة أيديولوجية تحت لواء الإخوان، تبحث اليوم، عبر الحالة الكويتية، عن قشة تتعلق بها.

وباستعادة ذكرى الغزو، حاولت الجماعات المرتبطة بالإخوان، داخل البيت الخليجي، استثمار الأجواء العاصفة والمحمومة لتوسيع رقعة مكاسبها، والضغط على الحكومات لغرز برامجها الحزبية في ذهن وضمير المجتمعات الخليجية.

لقد تكرر منهم نفس الأداء والموقف الانتهازي خلال سنوات الربيع العربي، ورياح الثورات والهبات الشعبية، التي عصفت بعوامل استقرار المنطقة وفتحت شهيتها للتغيير، وطوّعتها لاستلاب المشاريع الإقليمية الجاهزة لتولي زمام المنطقة، والنفاذ من ثغرة الفوضى العمياء، التي امتطاها الإخوان لبسط نفوذهم وتثبيت قناعاتهم.

ولعل التسريبات الصوتية التي جمعت ثلة من أعضاء جماعة الإخوان في الكويت والسعودية مع الرئيس الليبي السابق معمر القذافي، خلال موجة الربيع العربي، تؤكد توارد المشاريع وتطابقها، إذ كان الرئيس الليبي من أعتى المعارضين لتدخل القوات العربية والأجنبية وتحرير الكويت، والعمل على تثبيت الأمر الواقع، والإقرار بسيطرة النظام العراقي على الكويت، وتوظيف السابقة لتكون بداية خطوات ابتلاع مرتقبة ومستندة على نجاح الخطوة الأولى.

مع وصول قوات التحالف الدولي إلى السعودية للمشاركة في المجهود الحربي لتحرير الكويت، شنت رموز ومنابر الإخوان المسلمين حملات تكفير وهجوم وتخوين ضد السعودية والكويت في كل مكان، محرضة ضد ملوكها وأمرائها وحكامها بقيادة ممثلي حزب الإخوان المسلمين في الكويت، وشكك بعض الدعاة السعوديين في شرعية الحكومة الكويتية، مستخدمين نفس المفردات التي استخدمها الرئيس العراقي صدام حسين لتبرير غزوه، مع إضافة مسحة دينية ومصطلحات شرعية.

ترافق التأليب والتحريض الديني والدعائي، ضد الرياض والكويت والتحالف الدولي، مع عروض للتدخل وحشد المتطرفين، قدمها زعيم تنظيم القاعدة حينها أسامة بن لادن لتحل بديلا عن الجيوش النظامية. ولكن العاهل السعودي فهد بن عبدالعزيز رفض القبول بهذه الفكرة الشاذة، وشدّد على صون فكرة الدولة فهي وحدها المخولة باستخدام شروط القوة والمنعة وضبط النظام العام، وكان موقفه الصلب تجاه هذا العرض وقاية للمنطقة والخليج من فظاعة الميليشيات والخلايا المتطرفة.

في العام 2003 بزغ نجم هذه الخلايا مجددا، وترافقت مع خطاب إخواني أفتى في شرعية الحكومات الخليجية، وتسبب في سلسلة من التفجيرات الدامية، وتخضبت الكثير من المناطق بدماء الأبرياء من رجال الأمن وعامة الناس، لكن نصال المؤامرة تكسرت على صخرة اليقظة الأمنية والوعي الشعبي.

وسواء كانت أدوارا تبادلية أو تقديم خدمات، شكل أداء الصحوة خلال غزو الكويت ثغرة خطيرة في جدار المجتمع الخليجي، تسربت منه ويلات ثقافية ووجدانية لم تتعاف منها المجتمعات حتى وقت قريب، على أمل أن تبقى ذاكرة المجتمعات حاضرة ويقظة لتكون جدار صد منيع ضد كل محاولات استعادة الوهج وتمرير المشاريع الحزبية والأيديولوجية للإسلام السياسي الواعدة بالفوضى والخراب.

 

مقالات الكاتب