ماذا بعد سقوط الأسد؟
كريم فرمان
ما كان أفضل وصف للحالة الجديدة في سوريا ما قاله الناطق باسم الأمن القومي الأمريكي بان اي وضع جديد في...
تبدو تحركات الأمم المتحدة والمجتمع الدولي في اليمن كمن يتعلق بقشة الحظ الواهنة أو ربما، إذا أسأنا الظن قليلا، تبدو كمن يمارس لعبة قمار سياسية هناك من يدفع تكاليفها الباهظة لمجرد التسلية!
هذا في الواقع هو حال التحركات الأممية والدولية إزاء الملف اليمني، التي تراوح مكانها منذ بداية الحرب في 2015 أو حتى قبل ذلك بسنوات منذ أن عينت الأمم المتحدة جمال بنعمر مستشاراً خاصاً للأمين العام للأمم المتحدة لشؤون اليمن في العام 2011، وكان ذلك نذير شؤم، بالنظر إلى تاريخ التدخلات الأممية في العالم التي لا تنتهي إلا إلى المزيد من التأزم، وهذا هو حال اليمن منذ فُتحت أبوابه أمام المبعوثين الدوليين.
Û العالم بات يعرف بعد أكثر من سبع سنوات الكثير من تفاصيل وخلفيات تلك الحرب، وأنه تجاوز مرحلة الاستكشاف والوقوع في الأخطاء القاتلة
وتتنوع أسباب هذا الفشل الأممي والدولي في اليمن بين أمور عديدة، تبدأ من عدم المعرفة العميقة بخلفيات الصراع وجذوره وتمر بمرحلة الارتباك والتخبط التي تفاقم منها والاستعانة بمستشارين منحازين لأطراف الصراع، أو غير مدركين لخلفياته وربما مستفيدين من استمراره، وينتهي الأمر بتحول الحراك الدولي والأممي إلى دائرة مفرغة من السفريات والمؤتمرات الفارهة في فنادق خمسة نجوم، وما يرافق ذلك من مكافآت تتحول فيها جهود إطفاء الحرب إلى مكسب مادي للفرق التي كان يفترض بها أن تقوم بمهمة رجل الإطفاء الذي يكسب رزقه من الحرائق المشتعلة.
وإذا ما تفحصنا قليلا دائرة الفاعلين الأمميين والدوليين في الملف اليمني من منظمات إنسانية ومنظمات إغاثة ودبلوماسيين وجنرالات ومتقاعدين، واطلعنا على حجم الإنفاق الذي يصرف على كل هذه الأنشطة والتحركات المتعلقة بالحرب في اليمن، نكتشف أن الحرب اليمنية باتت جنة وارفة الظلال للكثير من هؤلاء الذين ينطبق عليهم قول المثل مع بعض التصرف “مصائب اليمن عند المنظمات والمبعوثين فوائد”.
ولا يقتصر الأمر على الكثير من الدبلوماسيين والعاملين في المنظمات الأممية والدولية الأجانب فقط، حيث نمت في ظل الحرب اليمنية العشرات من المنظمات الإنسانية ومنظمات الإغاثة ومراكز الدراسات والبحوث والمبادرات، كلها باتت تجني رزقها الوفير وتمول أنشطتها الهزيلة والهزلية من ريع الحرب وأموال المانحين التي لا يصل منها إلا النزر اليسير إلى المنكوبين من الحرب، أو ما يكفي لالتقاط الصور، بينما ينتهي بها المطاف في حسابات العاملين في تلك المنظمات والمراكز التي تصرف بترف لم تعرف له أنشطة الإغاثة في العالم مثيلا، وبأرقام فلكية لا تصرف مثلها حتى شركات الأزياء والموضة على مدرائها والعاملين فيها!
وإذا توغلنا قليلا في سوء الظن تجاه جدية الجهود الأممية والدولية لحل الأزمة اليمنية ووضع نهاية للحرب المندلعة منذ أكثر من سبع سنوات، سنصل إلى نتيجة مفادها أن العالم بات يعرف بعد تلك السنوات الكثير من تفاصيل وخلفيات تلك الحرب، وأنه تجاوز مرحلة الاستكشاف والوقوع في الأخطاء القاتلة، بما يكفي لتغيير نمط تحركه لمعالجة آثار هذه الحرب والدفع باتجاه حلول لإنهائها، لكن ما يحدث هو أن تلك الجهود تعايشت مع الحرب اليمنية كما يبدو، بحيث تحولت إلى بند في جدول أعمال مزدحم بالسفر واللقاءات التي تستضيفها فنادق العالم ويدعى إليها سياسيون وناشطون يمنيون من خارج دائرة التأثير السياسي والعسكري في مسار الأزمة.
ومن يتابع تلك الندوات والمؤتمرات التي تعقد لبحث خيارات السلام والحرب في اليمن، ويتفحص وجوه المشاركين فيها بربطات عنقهم المدلاة في الصفوف الأولى ونظراتهم المتفحصة التي لا تنم عن شيء، يدرك أنه إزاء تمثيلية تشبه حصص المسرح المدرسي، هي في أحسن حالاتها دعوة بريئة إلى إنهاء حرب مشتعلة لا يملك طاقم التمثيل أي يد في إيقافها أو تغيير مسارها، سوى الدموع والدعاء وحقائب السفر التي تجوب فنادق العالم بحثا عن السلام المفقود.