الصراع الجزائري المغربي.. الى أين والى متى؟

أحد أطول الحروب الباردة التي عرفها التاريخ الحديث وأكثر المواضيع العربية تعقيدا بعد القضية الفلسطينية. هذا هو الوصف الدقيق لما يجري ما بين الجارين الشقيقين المغرب والجزائر، اللذين يجمعهما دم واحد وتاريخ مشترك وتفرقهما العداوة بين النظامين السياسيين على مدى أكثر من خمسة عقود عرفت فيها العلاقة مدا وجزرا وحربا وسلاما وها هي اليوم قد وصلت إلى القطيعة الديبلوماسية التامة والعراك السياسي الذي بلغ أشده في سنة 2021، منذرا باحتمالية أن تصل الأمور إلى ما لا يحمد عقباه خاصة وأن الجزائر قد بدأت مرحلة استعراض العضلات والمغرب قد وقع على مذكرة تفاهم دفاعية مع إسرائيل.

وإذا كانت حرب الرمال ومعركة أمكالة الأولى والثانية هي من وضعت الحطب فإن انسحاب إسبانيا من المنطقة من دون الفصل في قضية المستعمرة هو ما أوقد الحطب بين البلدين وهو السبب الرئيسي في استمرار إطالة أمد الأزمة ودخولها أروقة الأمم المتحدة لمدة تزيد عن 3 عقود من دون ان تحقق اي تقدم ملموس على أرض الواقع سواء في دعوات استفتاء تقرير المصير أو في المفاوضات المباشرة بين طرفي النزاع أو حتى المقترحات العديدة التي توالى على تقديمها الأمناء العامون المكلفون بملف الصحراء.

تسارع وتيرة الأحداث في ملف الصحراء واتجاهه نحو الحسم خلال السنتين الأخيرتين وضع الجزائر والمغرب على تماس مباشر خاصة بعد أن نجح المغرب في الاستفادة من دعم اللوبي اليهودي داخل البيت الأبيض لصالح قضيته مقابل تطبيع العلاقات مع إسرائيل والذي أفضى إلى فتح قنصلية أميركية في الداخلة الأمر الذي استفز الجزائر لدرجة إعلان العداء المطلق مع المغرب والتلويح باللجوء إلى القوة لفرض العودة إلى المربع الأول من قضية الصحراء. ودخلت العلاقة بين البلدين مفترق طرق قررت فيه الجزائر قطع علاقاتها مع المغرب ولكنها لم تربط السبب بما جرى في ملف الصحراء بل فضلت أن يكون السبب اتهام المغرب في محاولات لاستهداف الجزائر داخليا بالتواطؤ مع انفصاليين تتهمهم بالضلوع في حرائق صيف 2021 حسب الرواية الجزائرية. وكانت كل المؤشرات توحي بأن الجزائر قد تقترف خطأ جسيما بالدخول في مواجهة عسكرية مباشرة بعد حادثة استهداف شاحنتي بضائع على مقربة من الخط الفاصل بين منطقة البوليساريو والأراضي التي يسيطر عليها المغرب في الصحراء، حيث أن بيان الرئاسة ردا على الحادثة أكد بوضوح إلى أن الجزائر قد فقدت اعصابها واقتربت من مواجهة المغرب عسكريا خاصة بعد أن نشرت صواريخ على مقربة من الحدود مع المغرب.

وتعيش العلاقات بين البلدين خلال هاتين السنتين الأخيرتين أسوأ مراحلها، بسبب إصرار الجزائر على رفض سياسة الأمر الواقع الذي فرضه المغرب بعد أن تقدم بأشواط كبيرة في المسائل الدبلوماسية المتعلقة بقضية الصحراء وتحصل على موقف صريح من مصر والإمارات والسعودية وقطر في صف المغرب. ثم جاء التحول المفاجئ في السياسة الاسبانية اتجاه ملف الصحراء ودعم مقترح الحكم الذاتي ليوجه للجزائر أكبر ضربة دبلوماسية بعد أن كانت إسبانيا تتظاهر بالود مع الجزائر والعداء مع المغرب. وختم الموقف الفرنسي دعمه للمقترح الإسباني لتجد الجزائر نفسها أمام حقيقة لا يمكن انكارها وهي أن المغرب انتصر ديبلوماسيا في قضية الصحراء وان مسألة الحكم الذاتي ستكون الأقرب للتبني في أروقة الأمم المتحدة، هذا بعد أن أصبح موقف الجزائر التي تحسب على المعسكر الروسي ضعيفا مقارنة بموقف المغرب الذي أصبح اكثر وزنا مع دخول أطراف عربية مؤثرة وغربية مساندة لمقترحه بشكل رسمي. والى هذا الحين ترفض الجزائر كل من يطرق بابها للوساطة في ملف الخلاف مع المغرب كما اتخذت من عيدها الوطني توقيتا لإرسال رسالة مباشرة الى المغرب بأنها جاهزة لاستنفاذ الكارت الأخير المتمثل في المواجهة العسكرية لتعلن نفسها طرفا مباشرا في قضية الصحراء بعد أن كانت تنفي ذلك، لعلها تعيد به القضية الى المربع الأول وتخلط أوراقها قبل أن تتجه المسألة الى الحسم في صالح المغرب بعد ان أصبحت قوتان أوروبيتان ولوبي يهودي قوي في أميركا بالإضافة الى أربع قوى مؤثرة في المنطقة العربية تدعم وبشدة الحكم الذاتي للمغرب في الصحراء وتسميها بمنتهى الوضوح مغربية.

لقد عطل الصراع القائم بين الجزائر والمغرب مشروع الاتحاد المغاربي الذي كان من المؤكد أنه سيعود بالمنفعة على ما يزيد عن 100 مليون شخص، كيف لا والمغرب العربي من ليبيا الى موريتانيا يعتبر سوقا استهلاكية ضخمة، فضلا عن أنه يزخر بثروات طبيعية هائلة من ذهب وفوسفات ونفط وغاز الى جانب العديد من المناجم المعدنية غير المستغلة دون أن ننسى أنه يمكنه أن ينافس دول البحر المتوسط في قطاع السياحة، ليس هذا فحسب، بل كان بالإمكان لهذا التكتل أن يشكل اتفاقية دفاع مشترك وأن يحمي دول المنطقة من أي تدخل أجنبي مثلما حصل في ليبيا وأن يتخد مواقف مشتركة في العديد من المسائل الإقليمية المتعلقة بالأمن القومي كمسألة مالي والأهم من كل هذا وذاك أن يرفع المستوى المعيشي لسكان المنطقة ليصبح بمستوى الرقي الحضاري والاجتماعي لسكان الدول الخليجية. ويؤسفنا القول أن هذا الصراع القائم منذ عقود يعتبر جريمة في حق شعوب المنطقة التي يغادرها الشباب والكفاءات بحثا عن حياة كريمة في دول أخرى، وأن استمرار هذا النزاع لن يذهب بالمنطقة سوى الى المزيد تضييع الوقت والفرص والمزيد من هدر المليارات من الدولارات في سباق نحو التسلح لن ينفع الا بائعي السلاح.

مقالات الكاتب