آراء ومدونون

هل أصبح "الشرق الأوسط الجديد" أمرا واقعا؟

الإعلان عن زيارة مرتقبة للرئيس بايدن للمنطقة في شهر يوليو الجاري أحدث حراكا سياسيا بل حالة من الارباك بين قادة دول المنطقة وقام بعضهم في زيارات لدول كانت إلى وقت قريب في خصومة معها أو مصنفة كعدو مثل جولة ولي العهد السعودي لعديد الدول ومنها تركيا والأردن وزيارة أمير قطر لمصر، مع الإعلان عن قمة مرتقبة تجمع تسع دول عربية -دول الخليج ومصر والعراق والأردن- مع الرئيس الأميركي، وحديث عن حلف عسكري وأمني يضم إسرائيل هدفه كما هو معلن مواجهة الخطر الإيراني وخطر الجماعات الإسلامية المتطرفة وتداعيات حرب أوكرانيا.

التخطيط الغربي والأميركي لاحتواء دول المنطقة في أحلاف موالية للغرب وإحلال مصطلح الشرق الأوسط محل العالم العربي مع توسعة جغرافية لاستيعاب دول أخرى خصوصا إسرائيل تعود لبدايات القرن العشرين وكان حلف بغداد في بداية الخمسينات محاولة في هذا السياق، عاد الحديث مجددا عن الموضوع مع رئيس وزراء إسرائيل الأسبق شمعون بيرس عام 1994 عندما طرح فكرة "الشرق الأوسط الجديد" في كتابه الذي يحمل نفس الاسم، ثم تكرر الحديث عنه في عهد الرئيس أوباما وأسهبت في شرحه كونداليزا رايس مرة باسم "الشرق الأوسط الجديد" ومرة "الكبير" وما يتضمنه من سياسة "الفوضى الخلاقة" التي شُرع بتنفيذها عملياً فيما يسمى الربيع العربي.

كل الأحداث التي مرت على المنطقة منذ أن جددت الإدارة الأميركية مشروع الشرق الأوسط الجديد والكبير ما بين عامي 2004-2006 كانت تمهد لما يجري اليوم، حيث جرفت فوضى ما يسمى الربيع العربي آخر حصون الممانعة للمشروع، فالنظام الإقليمي العربي انهار بالكامل من جامعة الدول العربية التي باتت عاجزة ومشلولة إلى الاتحادات العربية الإقليمية وآخرها دول مجلس التعاون الخليجي، والفكر القومي الوحدوي العربي اندثر ولم يعد له أدوات تنفيذية فاعلة من أحزاب ودول بل لم نعد نسمع في الخطاب السياسي الرسمي وحتى الشعبي مصطلحات مثل: الأمة العربية، العالم العربي، الأمن القومي العربي، المصير العربي المشترك الخ، وحلت محله النزعات الطائفية والعرقية، والقواعد الأميركية انتشرت في غالبية الدول العربية ومن ليس بها قاعدة تربطها بأميركا اتفاقية أمنية، كما تزايدت وتيرة التطبيع مع إسرائيل، وتزايد تغلغل دول الجوار في المنطقة العربية لدرجة احتلال مناطق فيها.

لم يغب الاهتمام الأميركي بالمنطقة سواء من خلال التدخل العسكري المباشر أو من خلال التدخل عن طريق الوكلاء من أنظمة وجماعات إسلامية متطرفة كما جرى خلال فوضى الربيع العربي، ودوماً كان الهدف الاستراتيجي من الاهتمام والتدخل ليس فقط لموقعها الاستراتيجي وثرواتها من الغاز والنفط. بل في سعي منها لإحداث تغيير في جيوبوليتيك المنطقة تثبت إسرائيل كمكون رئيس في المنطقة، ونجحت إسرائيل بمساندة واشنطن في تغيير طبيعة الصراع وأطرافه في الشرق الأوسط وتحولت من عدو وخصم إلى حليف استراتيجي خصوصاً بالنسبة لدول "الاتفاقات الإبراهيمية" وقد يمتد الحلف إلى دول أخرى.

وبالعودة للتحرك الأميركي والعربي وزيارة بايدن المرتقبة واحتمال تشكيل تحالف جديد نبدي الملاحظات التالية مع الأخذ بعين الاعتبار أن ما هو خفي من اتفاقات وتفاهمات قد يكون أكثر أهمية وخطورة مما هو معلن، الدول وخصوصا الكبرى لا تفصح عن كامل مخططاتها الاستراتيجية خصوصا وقت الأزمات والحروب كما أن الأنظمة العربية المعنية ليست على درجة من الديمقراطية لتصارح شعوبها بما يجري:

1-   كان الحديث في السابق عن مشروع الشرق الأوسط مصاحباً بإغراءات مالية لدول المنطقة مع حديث عن دمقرطة دول المنطقة وحماية حقوق الانسان، أما الآن أميركا هي التي تبتز دول المنطقة مالياً كما يغيب أي حديث أميركي عن الديمقراطية وحقوق الإنسان في المنطقة حيث أمن أميركا وإسرائيل ومصالحهم سابق على كل شيء.

2-  يتم التركيز الآن على تشكيل حلف دفاعي عسكري أو نيتو شرق أوسطي وقد سبق لإسرائيل أن مهدت لهذا الحلف من خلال الاتفاقات الأمنية التي وقعتها مع دولة الإمارات والبحرين والمغرب.

3-  التحركات العربية الراهنة حتى الآن غير منسقة وتتسم بـ الإرباك وغياب الرؤية المشتركة ولا تنطلق من وحدة الموقف القومي العربي وحديث ملك الأردن عن نيتو عربي وردود الفعل المحلية والعربية المنتقدة لهذا تؤكد حالة الارباك.

4-   غياب أي تفاعل أو اهتمام شعبي بما يجري.، وهذا عكس ما كان يجري سابقاً حيث كان أي حديث عن أحلاف أجنبية يؤدي إلى احتجاجات ومظاهرات شعبية عارمة كما جرى في الخمسينات عندما تم الإعلان عن حلف بغداد.

5-  هذا التحرك الأميركي امتداد لترتيبات تهيئ لها واشنطن في المنطقة حتى قبل اندلاع الحرب في أوكرانيا، وفي هذا السياق نستحضر صفقة القرن والاتفاقات الإبراهيمية ولقاء النقب في 28 مارس الماضي الذي جمع وزراء خارجية أميركا وإسرائيل ودول ما يسمى "السلام الإبراهيمي" ووصفه رئيس وزراء إسرائيل بـ "الحدث التاريخي".

6-  الغائب الأكبر عن هذا الحراك هو الطرف الفلسطيني قيادة وقضية، والحاضر الأكبر والأهم إسرائيل دينامو محرك أو موجه لهذا التحالف أو النظام الإقليمي الجديد.

7-  بعيدا عن الأهداف المعلنة لهذه التحركات والتحالفات الجديدة فإن الهدف الحقيقي هو تصفية القضية الفلسطينية وكل تطلعات عربية بالوحدة والتحرر من الهيمنة الأميركية، وإثارة وتعزيز النزعات الطائفية والعرقية والانفصالية، وتحويل إسرائيل إلى دولة إمبريالية إقليمياً تشكل مركز التكنولوجيا والمعلوماتية وصناعة الأسلحة والمحتكر الوحيد للأسلحة النووية، ودول المنطقة تدور في فلكها.

8-  التحرك الأميركي السياسي والعسكري جاء في وقت تتراجع فيه قوة ومصداقية أميركا عالمياً مع بداية وعي بمخاطر الأهداف الأميركية حتى من الدول العربية الحليفة لها، لذا ليس من السهولة أن تمرر واشنطن سياستها كاملة.

9-  لن تكون الطريق معبدة تماما أمام ولادة التحالف الإقليمي الجديد، وإن كان له أن يتحقق فسيكون ذلك من خلال افتعال حروب وصراعات محلية وإقليمية وفوضى ستكون أكثر دموية من فوضى الربيع العربي.

10- ما نخشاه أن "الفوضى الخلاقة" و"الربيع العربي الجديد" ستكون ساحته، بالإضافة إلى سوريا وليبيا والعراق واليمن، منطقة الخليج العربي وإيران ولبنان وقد يمتد أيضاً لدول شمال افريقيا.

11-  نؤكد مرة أخرى على وجود مبالغة أميركية إسرائيلية من الخطر الإيراني عليهما، فالخطر الإيراني هو على العالم العربي والخليج خصوصاً، قد تشكل إيران خطراً على النفوذ والمصالح الأميركية مستقبلاً ولكنها لا تشكل خطراً وجودياً على إسرائيل ولن يدخل الطرفان في حرب مباشرة بالرغم من قرع طبول الحرب أحياناً وتضخيم الحديث عن محور المقاومة.

مقالات الكاتب

مقالات ذات صلة