التمييز التعليمي المنظَّم الذي يمارسه النظام منذ عقود

كشفتها بيانات النظام: فصل تعليمي في إيران

الخليج بوست

في لحظة نادرة من «الشفافية غير المقصودة»، كشفت صحيفة «فرهيختكان» الإيرانية الرسمية عن حجم التمييز التعليمي المنظَّم الذي يمارسه النظام منذ عقود. الصحيفة التي كانت تنوي تحليل نتائج الامتحانات الوطنية للالتحاق بالجامعات لعام 2025، انتهت إلى تقديم وثيقة دامغة تدين السياسات الحكومية نفسها، تؤكد أن التعليم في إيران لم يعد أداة للارتقاء الاجتماعي، بل أصبح أداة لإعادة إنتاج النخبة الحاكمة وتهميش الأغلبية.

الأرقام التي نشرتها الصحيفة صادمة: من بين الثلاثين الأوائل على مستوى البلاد في امتحان القبول الجامعي، جاء 23 طالباً من مدارس «سمبد» (نودت) النخبوية التي تُدار بتمويل وإشراف حكومي مباشر، وأربعة من المدارس الخاصة غير الربحية باهظة التكلفة، فيما لم يتمكّن سوى ثلاثة طلاب فقط من مدارس حكومية عادية من الوصول إلى هذه القمة. هذا الاختلال ليس صدفة، بل نتيجة سياسات متعمَّدة استمرت أكثر من عقدين: تقليص ميزانيات التعليم العام، توسيع شبكة المدارس النخبوية والخاصة، وحجز أفضل المعلّمين والمرافق لفئة ضيقة من أبناء المسؤولين والعسكريين والأثرياء.

التقرير يكشف أيضاً تفوّق المدارس المرتبطة بـ«شهداء الحرب» وأسر قوات الأمن والحرس الثوري، وهي مؤسسات تحصل على دعم مالي ولوجستي استثنائي. وعند قياس الأداء وفق معايير دولية في الرياضيات (حيث يُعتبر 500 درجة المتوسط العالمي)، يتفوّق طلاب المدارس الخاصة والنخبوية بفارق كبير، بينما يظل طلاب المدارس الحكومية دون هذا الخط بسنوات ضوئية. هذا التفوق السياسي-الطبقي ليس سرّاً، لكنه الآن موثَّق بأرقام رسمية.

الصورة تُصبح أكثر قتامة على المستوى الإقليمي. في محافظة سيستان وبلوشستان، يفشل 63% من الطلاب في بلوغ الحد الأدنى من الكفاءة التعليمية الأساسية، وفي خوزستان يصل الأمر إلى نحو النصف. هاتان المحافظتان اللتان تقطنهما أقليات عرقية (بلوش سنّة وعرب) تعانيان من إهمال مزمن: مدارس آيلة للسقوط، نقص حاد في المعلّمين المؤهلين، غياب تام للتقنية الحديثة، وانتشار الفقر المدقع. التمييز الجغرافي هنا ليس عرضياً؛ إنه جزء من استراتيجية مركزية توزّع الموارد لصالح المناطق «الموالية» في طهران وأصفهان وتبريز، وتترك الأطراف في فقر تعليمي دائم.

في المدارس الحكومية على عموم إيران، تتجاوز نسبة الطلاب في الفصل الواحد أحياناً 45 طالباً، والمعلمون يعملون بوظائف إضافية بسبب الرواتب الزهيدة، والكتب المدرسية قديمة، والاتصال بالإنترنت شبه معدوم في المناطق الريفية. في المقابل، تتمتع مدارس النخبة بفصول لا تتعدى 15 طالباً، وبرامج تحضيرية مكثفة للامتحانات الوطنية، وشراكات دولية توفر تدريباً متقدماً. النتيجة؟ جامعات إيران العليا ووظائف الدولة الرئيسية تذهب حكراً لأبناء الطبقة الحاكمة، مما يوسّع الفجوة الاجتماعية ويغذي الغضب الشعبي.

حاولت «فرهيختكان» تصوير الأزمة على أنها مجرد «خلل توازن» يمكن معالجته بإصلاحات بسيطة، لكن الأرقام تقول عكس ذلك تماماً: ما جرى كشفه هو نظام «فصل تعليمي» مدروس يعتمد على الثروة والولاء السياسي والانتماء الجغرافي. هذا النظام لا يهدف فقط إلى إنتاج نخبة موالية، بل أيضاً إلى منع صعود أجيال جديدة من المناطق المهمّشة قادرة على تحدي السلطة.

في ظل العقوبات والتضخم وهجرة الأدمغة، يشكّل استمرار هذا التمييز التعليمي قنبلة موقوتة. آلاف الشباب الموهوبين من سيستان وبلوشستان وخوزستان وكردستان إما يهاجرون أو ينضمون إلى صفوف المحبطين، بينما يحتكر أبناء النظام الفرص. التقرير الرسمي الذي كان يُفترض أن يخفي العيوب، انقلب سلاحاً في يد المعارضين والأهالي الذين يعرفون منذ سنوات أن مستقبل أبنائهم يُقرَّر في مكاتب السلطة لا في قاعات الدراسة.

إيران التي تدّعي أنها «دولة ثورية» تقدم اليوم أحد أكثر الأنظمة التعليمية طبقية في المنطقة. وما كشفته «فرهيختكان» ليس مجرد إحصاءات، بل وثيقة اتهام رسمية ضد نظام يُفضِّل الولاء على العلم، والامتياز على العدالة. وطالما بقي هذا النظام قائماً، سيبقى ملايين الطلاب الإيرانيين خلف جدران الفصل التعليمي الذي بناه النظام بيده.

*كاتب حقوقي وخبير في الشأن الإيراني

مقالات الكاتب