ماذا بعد سقوط الأسد؟
كريم فرمان
ما كان أفضل وصف للحالة الجديدة في سوريا ما قاله الناطق باسم الأمن القومي الأمريكي بان اي وضع جديد في...
في اليوم نفسه الذي كانت القيادة القطرية تسعى فيه لإظهار وجهها الإنساني بإرسال المساعدات الطبية للبنان إثر تفجير مرفأ بيروت، كشفت قناة «فوكس نيوز» الإخبارية عن تورطها في تمويل «حزب الله»، الذي بدوره يبدو مسؤولاً عن التفجير نفسه، فيما وصفته القناة بأنه «مخطط (قطري) مترامي الأطراف لتمويل الإرهاب»، ولم يتوقف دور الدوحة في تزويد «حزب الله» بالمال الذي يجلب السلاح، وإنما فوق ذلك سعى سفيرها لدى الاتحاد الأوروبي إلى تقديم رشوة بهدف إخفاء دور بلاده، بعد أن قدمت جمعيتان خيريتان قطريتان مبالغ نقدية لـ«حزب الله» في بيروت تحت ستار الغذاء والدواء. هذه الدورة المعقدة ما بين تقديم الدعم المادي، لحزب مصنف في كثير من دول العالم أنه إرهابي، ثم ممارسة التقية السياسية بتقديم المساعدات الطبية لكارثة قومية حلت بسبب ممارسات الحزب نفسه، تشرح العقيدة التي تسير عليها السلطات القطرية في تعاطيها مع الملفات السياسية الخارجية للدول وتدخلها في شؤونها، وهي سياسة أخطر بكثير من التمويل المباشر لحلفائها أو المجاهرة بالعداء لخصومها، فالخديعة سمة للسياسة الخارجية القطرية مهما كانت العواقب.
سياسة التناقضات لعبة قطرية بامتياز، تستضيف أكبر قاعدة أميركية وتتملق رئيسها في العلن، وتحرض ضد الإدارة الأميركية في إعلامها وعبر دبلوماسيتها. تدعم جماعة الحوثيين مالياً وعسكرياً، وفي الوقت نفسه تغطي نفسها بالمشاركة في التحالف العربي، قبل طردها منه في يونيو (حزيران) 2017. توقع على ميثاق أممي يحظر على الدول دعم الإرهاب أو تمويلهم، ثم تتورط في دعم جماعات إرهابية بعدما قررت دفع فدية بقيمة مليار دولار لجماعة إرهابية عراقية. حمد بن جاسم يزعم القيام بوساطة قطرية في البحرين إبان أحداث 2011 في العلن، بينما في السر يطالب جمعية «الوفاق» بتأجيج احتجاجات مثيري الشغب في الشوارع، وهذه ليست إلا أمثلة معدودة للعشرات من المواقف المتناقضة التي أصبحت جزءاً لا يتجزأ من العقيدة السياسية للنظام القطري.
التورط القطري بتمويل «حزب الله» ليس جديداً، حيث سبق أن كشفت صحيفة «دا زيت» الألمانية، عن فضيحة جديدة تلاحق قطر إثر مسؤوليتها عن دعم «حزب الله»، فالسياسة القطرية هذه ليست محصورة في «حزب الله» فحسب، وإنما تشمل كثيراً من الجماعات والأحزاب التي لا تكون في السلطة، طمعاً في تمرير الأجندة القطرية بالطرق الرسمية وغير الرسمية، وفي الحالة اللبنانية كأن اللبنانيين ينقصهم من يتدخل في شؤونهم ويدعم حزباً هو في الأساس يحتل الدولة ويحكمها بفعل السلاح الذي هو في الأساس أصل المشكلة، ثم تأتي دولة، أي دولة، لتعزز سياسة الحزب ودعمه مالياً وعسكرياً، وهنا يحق للجميع التساؤل: ما الفرق بين الدعم الإيراني للحزب والدعم القطري؟ لا فرق بين الحالتين، سوى أن إيران تفعله على رؤوس الأشهاد، أما قطر فهي تفعله في الخفاء بازدواجية شديدة وببجاحة عجيبة.
بينما لبنان واللبنانيون آخر ما ينتظرونه من أحد هو تعزيز الانقسام الداخلي، ودعم طرف ضد طرف، وتعزيز قوى مغضوب عليها أصلاً، تتقدم الدوحة من دون خجل لتواصل دورها المشبوه في تعزيز الانقسامات داخل الدول، غير عابئة بعواقب أفعالها، فإذا كان «حزب الله» مسؤولاً مباشرة عن سقوط آلاف القتلى والجرحى و300 ألف دون مأوى بعد تفجير مرفأ بيروت، فإن قطر مسؤولة عن ذلك أيضاً شأنها شأن إيران، فكل من دعم وموّل وساند «حزب الله» له يد في هذه الكارثة التي حلت باللبنانيين جميعاً.