اليمن..

واشنطن تحاول استثمار التهدئة السعودية – الإيرانية..كيف؟

تعنّت حوثي متواصل

الرياض

أحيت بوادر اللّين المسجّلة أخيرا في مواقف كل من السعودية وإيران بشأن العلاقة بينهما وملامح التهدئة الملموسة في الخطاب السياسي للغريمتين الإقليميتين، الأمل في إيجاد مخرج سلمي للصراع الدامي في اليمن الذي تتّخذ فيه الدولتان موقفين متضادّين تماما، حيث تدعم الرياض السلطة اليمنية المعترف بها دوليا، سياسيا وعسكريا، بينما تدعم طهران المتمرّدين الحوثيين.

وتتطلّع إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن التي انخرطت مع الأمم المتّحدة في جهود السلام باليمن، إلى ما تمتلكه السعودية وإيران من تأثير على أفرقاء الصراع اليمني يمكنهما استخدامه في تليين مواقف هؤلاء الأفرقاء وإقناعهم بالجلوس إلى طاولة المفاوضات.

وفي غمرة حديث التهدئة السعودية – الإيرانية جدّد المبعوث الأميركي إلى اليمن تيم ليندركينغ حراكه في المنطقة حيث التقى الجمعة في الرياض ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان وبحث معه جهود السلام في اليمن.

وقالت وكالة الأنباء الرسمية السعودية “واس” إنّه جرى خلال اللقاء التطرّق إلى “بحث مستجدات الأوضاع على الساحة اليمنية، والجهود المشتركة المبذولة بشأن الوصول إلى حل سياسي شامل للأزمة اليمنية”.


ويحمل بحث ليندركينغ الشأن اليمني مع ولي العهد السعودي دلالة مهمّة على إمكانية إحداث اختراق في ملف الصراع باليمن نظرا للسلطات الواسعة التي يحظى بها الأمير محمّد وتأثيره العميق في السياسة ببلاده.

وكان ليندركينغ قد وصل الخميس إلى السعودية في إطار جولة تشمل سلطنة عمان لإجراء مباحثات حول تطورات الأوضاع في اليمن.

وأوضحت الخارجية الأميركية في بيان أنّ على جدول أعمال جولة ليندركينغ الجديدة “إجراء محادثات حول الوضع في اليمن مع المسؤولين في السعودية وسلطنة عُمان، بالتعاون مع مبعوث الأمم المتحدة الخاص لليمن مارتن غريفيث”.

وأضاف البيان أنّ “المباحثات ستركز على ضمان وصول السلع والمساعدات الإنسانية بانتظام ودون عوائق إلى كافة أنحاء اليمن، ودعم وقف دائم لإطلاق النار، وانتقال الأطراف لعملية سياسية، في إطار الإجماع الدولي لوقف هجوم الحوثيين على مأرب”.

كما لفت البيان إلى أنّ “المبعوث الخاص إلى اليمن يعتمد في مباحثاته على الإجماع الدولي لوقف هجوم الحوثيين على مأرب والذي لن يؤدي إلا إلى تفاقم الأزمة الإنسانية التي تهدد الشعب اليمني”.

وتركّز إدارة بايدن مرحليا على إقرار وقف شامل لإطلاق النار في اليمن وذلك استنادا إلى أسباب إنسانية حيث تحوّل الوضع في البلد إلى أكبر كارثة إنسانية في العالم.

لكن فصل المقاربة الأميركية بين المسألة الإنسانية والخطوات السياسية يثير قلق أوساط يمنية تعتبر أن مثل ذلك التمشّي يصبّ في صالح الخطة الحوثية التي تقوم على تخفيف الضغوط عن مناطق سيطرتها دون تقديم أيّ تنازلات.

وسبق أن اصطدمت تحركات المبعوثيْن الأميركي والأممي إلى اليمن بعقبة التعنت الحوثي ورفض الخطة الأممية المعروفة بـ”الإعلان المشترك” والتي أعلنت الحكومتان اليمنية والسعودية في وقت سابق الموافقة عليها وهو ما تسبب في تعثر الحراك الدولي الساعي لوقف الحرب في اليمن وإحياء المسار السياسي.


واستفاد الحوثيون من حالة الاندفاع التي أبداها المجتمع الدولي والأمم المتحدة من خلال وضع اشتراطات جديدة، بالتوازي مع هجومهم المكثف على محافظة مأرب متجاهلين كل الدعوات لوقف هذا الهجوم الذي يهدد مسار التسوية السياسية للأزمة اليمنية.

ويطالب الحوثيون بوقف العمليات العسكرية للتحالف الذي تقوده السعودية في اليمن وإعادة فتح مطار صنعاء وتخفيف القيود المفروضة على ميناء الحديدة كشرط للتعاطي مع الجهود الدولية، في الوقت الذي كانت هذه الملفات من صميم الحوار المزمع إجراؤه بين الحكومة المعترف بها دوليا والحوثيين المدعومين من إيران.

وتسببت حالة التراخي الدولي إزاء التصعيد الحوثي في رفع سقف المطالب الحوثية إلى درجة غير مسبوقة والتي بلغت ذروتها في أعقاب رفع واشنطن الجماعة الحوثية من قائمة المنظمات الإرهابية.

ويعتقد المراقبون أن فشل المبعوثين الأميركي والأممي في انتزاع أيّ تنازلات من الحوثيين نقل كل رهانات الضغط إلى جانب الحكومة اليمنية الشرعية والتحالف العربي، وهو ما كشفت عنه أجندة جولة المبعوث الأميركي الجديدة في المنطقة.

وقال محمد عبدالسلام المتحدث باسم الحوثيين في تغريدة على تويتر إنّ “أيّ خطاب إيجابي تجاه اليمن مرهونٌ بتطبيقه عمليا برفع الحصار وإيلاء الجوانب الإنسانية أولوية كونها قضايا ملحة تلامس حاجات جميع أبناء الشعب اليمني، ومثل هذه الخطوة سيكون مرحّبا بها وتثبت حقيقة التوجه نحو السلام في اليمن”.

وتقدّمت السعودية مؤخرا بمقترح لوقف شامل لإطلاق النار كان الحوثيون قابلوه بالتصعيد في محافظة مأرب الواقعة شرقي العاصمة صنعاء والغنية بالنفط والتي أبدى المتمرّدون إصرارا واضحا على انتزاعها من يد الشرعية اليمنية، ليس فقط لموقعها الإستراتيجي وغناها بمصادر الطاقة، ولكن بالنظر أيضا إلى قيمتها العالية كورقة تفاوضية في أي محادثات سلام قد يتوصّل المجتمع الدولي إلى إطلاقها.

وفي موقف إيراني اعتبر امتدادا لخطاب التهدئة مع السعودية، عبّر وزير الخارجية الإيراني محمّد جواد ظريف عن تأييد بلاده “لوقف إطلاق النار والعودة إلى طاولة المفاوضات لإنهاء الحرب المدمرة في اليمن”.

وجاء ذلك خلال لقائه بمحمد عبدالسلام أثناء زيارة قام بها الوزير الإيراني إلى سلطنة عمان الذي يتوقّع أن تكون محطّة رئيسية في جهود السلام في اليمن نظرا لخبرتها في مجال الوساطات الصعبة واحتفاظها بعلاقات جيدة مع كلّ من السعودية وإيران، بالإضافة إلى علاقتها التي لم تنقطع بجماعة الحوثي.