فرنسا تحتاج إلى سياسة راسخة لدعم دول الساحل بدل الهجوم على فاغنر

نفوذ فرنسي على المحك

باريس

 جدّد رئيس وزراء مالي شوغل كوكالا مايغا التأكيد أن فرنسا تخلت عن بلاده وفشلت في احتواء التمرّد الإسلامي، في اتهام يظهر أن باريس فشلت في أن تقدم نفسها شريكا فعالا لمنطقة الساحل والصحراء في مواجهة الإرهاب.

ويقول مراقبون إن فرنسا وجدت في معاداة فاغنر فرصة للتخلص من التزاماتها تجاه مالي ودول أفريقية أخرى مثل أفريقيا الوسطى، في حين كان الأولى أن تقدم إلى المنطقة سياسة مكينة وراسخة لا تقف عند حدود الحرب على الإرهاب وتحصيل مكاسب استراتيجية لباريس قبل الاستجابة لمطالب حلفائها.

ويشير المراقبون إلى أن الأفارقة كانوا ينتظرون من فرنسا تحالفا يشبه التزام الولايات المتحدة بأمن الخليج على مدى خمسين عاما قبل أن تقوم بأوّل مراجعة لها، فيما قررت باريس الانسحاب من حرب على الإرهاب لم تستمر أكثر من بضع سنوات، وباتت تطالب جيوش المنطقة بأن تتولى المهمة بنفسها، وهي تعرف أنها جيوش محدودة الإمكانيات والخبرات في مواجهة تنظيمات متشددة ومتمرسة بحروب العصابات.

وفي تصريح لصحيفة “لوموند” الفرنسية قال مايغا “بعد نحو تسعة أعوام، ما الذي نشهده؟ الإرهاب الذي كان محصورا بكيدال تمدد إلى 80 في المئة من أراضينا”، في إشارة إلى المدينة الواقعة في شمال مالي.

وتابع مايغا “في الوقت الذي يضاعف فيه تنظيم القاعدة هجماته قرر حليفنا الرئيسي، أو من كنا نعتقد أنه كذلك، مغادرة منطقة نفوذه والتوجّه إلى منطقة المثلث الحدودي”، قرب النيجر وبوركينا فاسو.

وتساءل “أليس هذا تخليا في منتصف الطريق؟”، مضيفا “نحن نبحث عن حلول”.

وكان مايغا قد أثار حفيظة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون باتّهامه فرنسا من على منبر الجمعية العامة للأمم المتحدة بـ”التخلي” عن بلاده “في منتصف الطريق”، على خلفية إعلان فرنسا عزمها تقليص عدد عناصرها المنتشرين في مالي منذ عام 2013 في إطار قوة برخان.

لكن مايغا نفى صحة تقارير وصفها بأنها “شائعات” تفيد بوجود توجّه لدى حكومة مالي إلى التعاقد مع المئات من العناصر في مجموعة فاغنر الروسية شبه العسكرية.

ولئن قررت باريس الانسحاب من الحرب على الإرهاب والاكتفاء بدور توجيهي، فإنها في المقابل تعارض أي تدخلات أخرى في المنطقة، خاصة تدخل مجموعة فاغنر الروسية التي يبدو أن دولا أفريقية قد التجأت إليها تحسبا لتنفيذ فرنسا تهديدها بالانسحاب وترك دول المنطقة تواجه المجهول بمفردها.

وسبق أن حذّرت فرنسا من أن تعاقد باماكو مع مجموعة فاغنر لن يتماشى مع وجودها العسكري، مثلما لا يتماشى مع الوجود العسكري لدول أخرى في البلاد، فضلا عن وجود منظمات دولية. لكن مالي تقول إنها لجأت إلى فاغنر لتدريب قواتها وحماية قادتها.

واتهم وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان مساء الأحد مرتزقة مجموعة فاغنر الأمنية الروسية الخاصة بـ “الحلول مكان” سلطة الدولة في جمهورية أفريقيا الوسطى وتجريدها من قدرتها المالية.

وقال لودريان في برنامج على شبكة “فرانس 5” إنهم “عندما يدخلون دولة ما يضاعفون الانتهاكات والابتزازات والانقضاض أحيانًا من أجل الحلول مكان سلطة البلد”.

وأوضح أن “المثال الصارخ هو جمهورية أفريقيا الوسطى حيث تصادر (المجموعة) القدرة المالية للدولة لكي تحصل على أجرها”. وتتهم دول غربية، وخاصة باريس، مجموعة فاغنر بالعمل لصالح روسيا التي لا تريد الظهور بشكل رسمي.

واعتبر الوزير الفرنسي “أن فاغنر هي في المقام الأول مجموعة من المرتزقة الروس الذين يشنون الحرب بالوكالة نيابة عن روسيا حتى لو أنكرت روسيا ذلك… لا أحد يشك في ذلك”.

وكان وزير الخارجية الفرنسي قد حذر نظيره الروسي سيرجي لافروف، على هامش فعاليات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك خلال سبتمبر، من أي انخراط لمقاتلي مجموعة فاغنر الروسية في النزاع الذي تشهده مالي.

وقال “… إنهم يتسترون وراء فكرة أن أي دولة لها الحق في إبرام عقد مع أي شركة. ولكن الواقع ليس كذلك”. وأضاف “في الحقيقة هم مقاتلون، أشخاص ينتهكون القانون الدولي، بل يضعفون سيادة الدول”.