أزمة لبنان

قطاع الأعمال في لبنان يدفع ثمنا باهظا بالمواجهة مع السعودية

مشاريع معلقة إلى أجل غير محدود كغيرها

بيروت

 جاءت الأزمة الدبلوماسية بين لبنان والمملكة العربية السعودية في ظرفية اقتصادية حرجة تمرّ بها بيروت التي توالت عليها الأزمات طوال عامين وطالت كل القطاعات على حدّ السواء، إلا أن المواجهة الأخيرة مع الرياض ألقت بأغلب ثقلها على قطاع الأعمال.

واللبنانية كلوي إحدى ضحايا هذه الأزمة، فقد كانت على بعد أيام من الانتقال إلى الرياض لعقد دي.جي لمدة شهر في أحد أحدث مراكز الترفيه في العاصمة السعودية عندما أبلغتها رسالة قصيرة ومهذبة عبر واتساب أن العقد ألغي.

وكانت رئيسة وكالة اتصالات مقرها بيروت تتفاوض هي الأخرى من أجل إحياء عقد عمره عامين خرج عن مساره بسبب الوباء مقابل مئات الآلاف من الدولارات. وبعد يومين من الصمت، قال موكلها السعودي في مكالمة اعتذار إن الوقت ليس مناسبا الآن.

ويتذكر زياد بكداش الذي كان على مدى سنوات يصدّر الأدوات المكتبية إلى المملكة قولهم له "أرجوكم جمّدوا كل شيء".

كان هؤلاء بعض ضحايا رد الفعل السعودي الغاضب على لبنان في أكتوبر بعد أن انتقد وزير الإعلام اللبناني جورج قرداحي حربها ضد المتمردين الحوثيين المدعومين من إيران في اليمن.

ويكمن أصل الأزمة في التنافس الإقليمي مع إيران منذ سنوات، وعدم ارتياح السعودية من تزايد نفوذ جماعة حزب الله اللبنانية المدعومة من إيران. وبقي لبنان عالقا في المنتصف.

وردا على تصريحات قرداحي، استدعت السعودية سفيرها وحظرت واردات لبنانية كانت تدر في السابق نحو 240 مليون دولار سنويا.

وتقول ديب في تقرير لوكالة أسوشيتد برس إن الأزمة الدبلوماسية تثير قلق اللبنانيين، لاسيما العاملين في دول الخليج، في وقت يعاني فيه لبنان بالفعل من انهيار اقتصادي غير مسبوق.

وقالت الدي.جي كلوي "شعرت بالأسى، ليس على نفسي فقط بل من أجل بلدي والمغتربين. لدينا جميعا أقارب في الخارج".

وكانت التحويلات المالية من أكثر من 350 ألف لبناني يعملون ويعيشون في الخليج ضرورية، لاسيما وأن الانهيار أدى إلى زيادة التضخم والبطالة في البلد الذي كان متوسط الدخل.

وقال البنك الدولي إن التحويلات التي تجاوزت 6.2 مليار دولار، معظمها من دول الخليج، شكلت 18.9 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي للبنان في 2020، وهي واحدة من أعلى التحويلات في العالم.

وبينما تراجعت بالدولار قيمة الصادرات إلى السعودية في السنوات الماضية، كانت المملكة أكبر مستورد للمنتجات اللبنانية، بما في ذلك الصابون والكتب المطبوعة وبعض الأطعمة المعلبة.

وحاول مسؤولون لبنانيون نزع فتيل الأزمة قائلين إن تصريحات وزير الإعلام التي أدلى بها قبل توليه المنصب لا تعبر عن آرائهم.

وفي نفس الوقت، استدعت الكويت والبحرين والإمارات سفراءها، وطلبت، مثل السعوديين، من الدبلوماسيين اللبنانيين المغادرة، مما أدى إلى واحدة من أبرد فترات العلاقات الدبلوماسية بين تلك الدول الخليجية ولبنان.

وسبق أن توترت العلاقات لفترة من الوقت في الماضي. ففي 2013 طُرد المئات من اللبنانيين الشيعة العاملين في الخليج للاشتباه في أنهم يدعمون حزب الله.

وجاءت عمليات الترحيل بعد انضمام الجماعة إلى الحرب الأهلية في سوريا إلى جانب الرئيس بشار الأسد الذي تدعمه إيران أيضا. وفرضت دول الخليج منذ ذلك الحين عقوبات على حزب الله ووصفته بأنه جماعة إرهابية.

وفي 2017 أجبرت الرياض رئيس الوزراء اللبناني آنذاك سعد الحريري على إعلان استقالته خلال زيارة للمملكة، مشيرة إلى سيطرة حزب الله في بيان متلفز. وجاءت هذه الخطوة الدراماتيكية بنتائج عكسية. حيث عاد الحريري إلى الوطن وأعاد تحالفه مع حزب الله، وخسر الدعم السعودي.

ومع انتشار الأزمة المالية في لبنان في 2019، غابت السعودية بعد أن أنفقت أكثر من 6 مليارات دولار بين 2004 و2015 في الاستثمارات والدعم الحكومي في لبنان، وفقا لتقديرات سعودية.

وقد طال الجمود بشأن تشكيل الحكومة إما لأن الرياض لم تدعم أحدا أو لرفضها دعم الحريري مرة أخرى.

وفي وقت سابق من هذا العام، صعدت السعودية الضغط، ووسعت الشبكة. ومنعت المنتجات اللبنانية من الوصول إلى المملكة أو المرور عبرها بعد اتهام حزب الله باستخدام شحنات لتهريب المخدرات. وكانت ضربة للمزارعين الذين اعتمدوا في الغالب على الخليج لتسويق سلعهم.

وأشارت الشركات السعودية إلى أن المقاطعة كانت أوسع، حيث قال عجلان العجلان رئيس مجلس الغرف السعودية إن جميع العلاقات التجارية سوف تعلّق، بما في ذلك استثمارات السعوديين العاملين في لبنان.

وجادل البعض بأن الإجراءات السعودية ترقى إلى مستوى العقاب الجماعي الذي مكّن إيران وحلفاءها بشكل فعال. وقال زياد نصرالدين الخبير الاقتصادي الذي تتفق آراؤه مع آراء حزب الله، إن انسحاب الشركات الخليجية من لبنان يفتح الأبواب أمام مستثمرين بديلين. وأكّد أن “التوجه شرقا هو أحد تلك البدائل” في إشارة إلى الصين وروسيا وإيران والعراق.

لكن بعض أولئك الذين تربطهم علاقات تجارية بالسعودية يدفعون ثمنا باهظا. وقالت الدي.جي كلوي إن شركة لبنانية مقرها الرياض تفاوضت معها ومع فنانين لبنانيين آخرين لتقديم عروض في أحد مراكز الترفيه الجذابة في العاصمة السعودية لكنها فقدت عقدها بالكامل، وإن الرسالة من الرياض (تفضلوا بقبول اعتذاري) أشارت إلى أن أولويات توظيف اللبنانيين قد تغيرت.

وعملت وكالة الاتصالات التي عملت بها نايلة الخوري ومقرها بيروت مع الشركات السعودية لأكثر من عقد وكانت تأمل في إحياء مشروع ترفيهي تأخر بسبب الوباء عندما قرر عميلها السعودي تجميده.

وقالت على تويتر غاضبة على وزير الإعلام اللبناني "كان من المفترض أن يضع هذا الطعام على طاولة أربعين شخصا". وألقت باللوم على السياسيين اللبنانيين في جر الجمهور إلى معركة ليست معركته. وقالت "إنني أعاقب لتورط أطراف في حروب ليس لي رأي بشأنها".

وفي خطوة انتظرها الكثير من اللبنانيين علها تخفف من حدة الأزمة، أعلن قرداحي في مؤتمر صحافي الجمعة التخلي عن موقعه في وزارة الإعلام، قائلا “لا أقبل بأن استخدم سببا لأذيّة لبنان واللبنانيين في السعودية ودول الخليج الأخرى، فمصلحة بلدي وأهلي هي فوق مصلحتي الشخصية ومصلحة اللبنانيين أهم من موقع وزاري لذلك قررت التخلي عن موقعي الوزاري”.

وتحذر الديب من أن الإجراءات السعودية تهدد بتفكيك ما تبقى من قاعدة صناعية في لبنان. وأجبرت الأزمة المصرفية بالفعل العديد من الشركات على تقليص حجمها، كما أدى نقص الوقود إلى جعل لبنان أحد أغلى البلدان في إنتاج الكهرباء.

وقال جورج نصراوي القائم بأعمال رئيس نقابة الصناعيين اللبنانيين إن 15 مصنعا على الأقل من أعضاء المجموعة البالغ عددهم 900 قد نقلت عملياتها إلى دول مجاورة في الأشهر الأخيرة. كما يفكر المزيد في الانتقال، مما يعرض المزيد من الوظائف للخطر.

وتأثرت الواردات من المملكة العربية السعودية. وقال فادي عبود مالك الشركة العامة لصناعة التغليف اللبنانية والوزير السابق إن طلبا متكررا للبولي بروبلين من أحد أكبر مصانع البتروكيمياويات في المملكة قد تأخر، ثم توقفت الطلبات الجديدة.وتابع "ماذا يريدون منا أن نفعل الآن؟ شراء البتروكيمياويات من إيران؟"، مضيفا أنه قد يضطر إلى ذلك.