إقتصاد..

تنمية الثروة الحيوانية السودانية في متاهة بطء الإصلاح والتهريب

"أرشيفية"

فرنسا

تحمل انتقادات المتابعين للشأن الاقتصادي السوداني حول عدم قدرة المسؤولين على تنمية الثروة الحيوانية والقطاعات المرتبطة بها في طياتها إشارات على الفشل في تطوير قطاع ظل محاصرا في متاهة بطء الإصلاحات وعمليات التهريب التي تستنزفه.

ورغم محاولات السلطات في السنوات الثلاث الماضية للنهوض بالقطاع الذي يعتبر "نفط السودانيين" من خلال إطلاق العديد من المبادرات، لكنه فشل في أداء دوره الحقيقي كمصدر للنقد الأجنبي ومعزز للنمو الاقتصادي والصادرات في البلاد.

وتتمتع البلاد بتعدد الثروات والموارد حيث تعد من أغنى الدول العربية والأفريقية بثروتها الحيوانية التي تقدر بنحو 103 ملايين من رؤوس الماشية ونحو 45 مليون طير من الدواجن وثروة سمكية تصل إلى مئة ألف طن للمصائد الداخلية و10 آلاف طن للمصائد البحرية.

وتشير التقديرات الرسمية إلى أن صادرات الثروة الحيوانية والسمكية ومنتجاتها تساهم بما يتراوح بين 20 و25 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي. وهي تأتي في المرتبة الثانية من جملة صادرات البلاد، ولها مكانة في الأسواق الخليجية والعربية والصين.

حافظ عبدالنبي: صدرنا العام الماضي بما قيمته 531 مليون دولار
واستطاعت وزارة الثروة الحيوانية أن تخطو خطوات إلى الأمام بتطوير السوق المحلية وتشجيع الصادرات رغم الضغوط والعقوبات الاقتصادية الأميركية التي تعرضت لها البلاد طيلة عقدين.

لكن في الفترة الفاصلة بين عامي 2018 و2021 نال القطاع حظه من الإهمال والفوضى كغيره من القطاعات الأخرى رغم بعض الجهود الفردية للإمساك بمعصم الاقتصاد المتهالك.

وأكثر ما أضر بالقطاع غياب الاستقرار الأمني حيث يؤكد العديد من الخبراء الاقتصاديين في السودان أن مافيا التهريب استغلت هذا الفراغ.

ودفع هذا الوضع بالأسعار إلى الارتفاع ليصل كيلوغرام لحم الأبقار، على سبيل المثال، من 60 جنيها (0.13 دولار) إلى 2500 جنيه (5.6 دولار) وكيلوغرام لحم الضأن من 120 جنيها (0.26 دولار) إلى نحو ثلاثة آلاف جنيه (6.74 دولار).

ولا توجد أرقام دقيقة تشير إلى حجم ما يتم تهريبه عبر الحدود الممتدة مع سبع دول مجاورة فضلا عن البحر الأحمر في الشرق في بلد يبلغ تعداد سكانه نحو 43 مليون نسمة.

ولمحاصرة هذه الظاهرة برزت البعض من الجهود والمساعي الرسمية للارتقاء بالقطاع وبمنتجاته الذي إذا صح استغلاله يجعل قاطرة الاقتصاد المترنحة بين التطور والتدهور نهضة تُفضي بالبلاد إلى مراتب الرفاهية والنماء.

وفي أعقاب الخطوات التصحيحية في نهاية أكتوبر الماضي بدأت الخرطوم تعيد مسار اهتمامها بالقطاع وتبدو الجهود مستمرة في الحفاظ على المنافذ والأسواق العربية، ولكن ليس بالمستوى الذي يستوعب ضخامة هذا المجال ومقوماته.

وأعلنت وزارة الثروة الحيوانية مؤخرا أن صادرات الماشية الحية ارتفعت خلال العام الماضي بنسبة بلغت 30.8 في المئة بمقارنة سنوية بعائد بلغ 531 مليون دولار.

ونسبت وكالة الأنباء السودانية الرسمية إلى وزير الثروة الحيوانية حافظ عبدالنبي قوله إن "الصادرات بلغت أكثر من 2.1 مليون رأس من الماشية قياسا بنحو 1.4 مليون رأس في 2020". وأوضح أنه تم تصدير 21.4 ألف طن من اللحوم في العام الماضي.

وتؤكد المنظمة العربية للتنمية الزراعية قدرة قطاع الثروة الحيوانية السوداني على سد فجوة اللحوم الحمراء في الدول العربية إذا ما اتخذت إجراءات محكمة لرفع كفاءة الإنتاج.

ويقول علي آدم المدير العام للمحاجر وصحة اللحوم بالوزارة إن الصادرات لن تتوقف، حيث بلغت صادرات الماشية الحية في الثلث الأول من هذا العام أكثر من 473.2 ألف رأس من الماشية. فيما بلغت الإيرادات نحو 222.5 مليون دولار.

هذا النشاط لكي ينهض يحتاج بشكل أكبر إلى تشجيع القطاع الخاص من خلال ضخ رؤوس أموال وتقديم الحكومة لتسهيلات للشركات لإنجاح المشاريع

ورغم هذه الثروة الضخمة إلا أنه في المقابل تخلو الدولة من الصناعات والمنتجات الحيوانية من اللحوم المجمدة والجافة والألبان والأجبان والجلود وغيرها من المنتجات الحيوانية والسمكية.

وبالنظر إلى تدهور نشاط مصانع القطاع التي كانت تعمل في ظروف بالغة التعقيد رغم قلتها، بفعل عوامل الكهرباء والضرائب والعوائد والجمارك، بات البلد يعتمد على واردات الألبان والأجبان بل اللحوم بأنواعها، بدلا من دعم المنتج المحلي وتشجيعه والارتقاء به.

ومقارنة مع الدول العربية التي سجلت طفرات حقيقية في القطاع، تمتلك السعودية حوالي 400 ألف رأس من الأبقار فقط، بينما تملك شركة الروابي السعودية ما يقارب 13 ألف رأس وتنتج تقريبا 275 ألف لتر من الحليب يوميا.

أما الإمارات فتملك أكثر من ثلاثة ملايين رأس من الأبقار ويتراوح إنتاج البقرة الواحدة ما بين 5 و6 آلاف لتر سنويا.

ويحتاج هذا النشاط حتى ينهض بشكل أكبر إلى تشجيع القطاع الخاص من خلال ضخ رؤوس أموال وتقديم الحكومة لتسهيلات للشركات لإنجاح المشاريع، وفي الوقت نفسه ملاحقة تجار السوق الموازية والمهربين.