القاهرة تحسم الجدل بشأن التبرع بالأعضاء

توجه سينقذ حياة الآلاف من الأشخاص

القاهرة

قدم الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي دعما للدعوات الفردية التي أطلقها مشاهير في مصر أخيرا حول قضية التبرع بالأعضاء البشرية عقب الوفاة، بعد سنوات من المواقف الرسمية المرتبكة التي أخذت أبعاداً دينية واجتماعية قادت نحو إصدار قانون ينظم نقل الأعضاء وزراعتها دون تفعيله بعد 12 عاما من إقراره.

ووجه السيسي الاثنين بإنشاء مركز إقليمي لزراعة الأعضاء في مصر داخل المدينة الطبية الجديدة (وسط القاهرة) بالتعاون مع شركات عالمية متخصصة لخلق منظومة تضم قاعدة بيانات لعمليات الزرع والمرضى والمتبرعين.

وجاء القرار الرئاسي بعد أن أثارت الفنانة إلهام شاهين جدلاً واسعاً إثر إعلانها بشكل رسمي تبرعها بأعضاء جسدها بعد وفاتها، وقالت في فيديو نشرته على صفحتها الشخصية بموقع التواصل الاجتماعي فيسبوك “أعلن تبرعي بكل أعضاء جسدي السليمة بعد وفاتي لمن يحتاج إليها”.

ودخلت شخصيات عامة على خط الجدل الذي أثارته الفنانة وأعلنت عضوة مجلس النواب فريدة الشوباشي موافقتها أيضا على التبرع بأعضائها بعد وفاتها وأبلغت أسرتها بذلك، قائلة “التبرع بالأعضاء بعد الوفاة من أنبل الظواهر التي قد تحدث بل إنها من أسمى معاني الرحمة والإنسانية”.

ويصطدم الحديث عن التبرع بالأعضاء في مصر بآراء دينية تجرّمه، ولم تقدم الحكومة الحالية أو سابقاتها دعماً سياسيًا للقانون الذي ينظم عملية الزراعة والنقل واكتفت بإصداره، ولم تسر على طريق التهيئة المجتمعية والثقافية لتعريف المواطنين بإجراءات التبرع، ولم تدعم الإمكانيات الطبية التي تقود إلى تطور زراعة الأعضاء.

وتضمن توجيه السيسي بإنشاء وحدة أبحاث علمية داخل مركز زراعة الأعضاء الجديد إعادة طرح الملف للحوار المجتمعي مجدداً، ما يعبر عن تأخر خطوات الحكومة كثيراً مقارنة بدول مجاورة في منطقة الشرق الأوسط حققت نجاحات كبيرة في الأمر واستطاعت تجاوز عقبة الآراء الفقهية القديمة وأبرزها السعودية.

وقال عضو مجلس نقابة الأطباء المصرية كريم مصباح لـ”العرب” إن “مصر ليست لديها مشكلات لوجستية أو علمية أو مادية لتفعيل قانون نقل وزراعة الأعضاء من المتوفين إلى الأحياء، والمشكلة تكمن في المرجعيات الدينية المختلفة في الأمر، ما أدى إلى تجاهل الحكومات السابقة التي خشيت الخلاف مع المتحفظين”.

وأضاف أن التأخر له شق اقتصادي أيضًا، باعتبار أن الدول النامية تنتشر فيها تجارة الأعضاء البشرية، وتوجد جماعات تشبه “المافيا” تدير تلك الجرائم بحرفية كبيرة بعيداً عن أعين الحكومة التي مازال أمامها المزيد من الجهود لإدخال تعديلات قانونية تضمن عدم تحول ثقافة التبرع إلى باب خلفي لتقنين تجارة الأعضاء.

ويتخوف البعض من الأطباء في مصر من أن يكون التشجيع على زراعة الأعضاء مدخلاً لاستغلال الفقراء من خلال سماسرة للمتاجرة بها مع وجود هيئات طبية غير مرخص لها بالعمل قد تدخل على الخط للاستفادة من إقرارات المواطنين بالموافقة على التبرع بأعضائهم ليتم البيع تحت مسمى التبرع كي لا يتعرض أحد للمساءلة القانونية، ما يضاعف المغريات التي يتعرض لها البسطاء.

وأقرت مصر القانون رقم 5 لسنة 2010 وينظم زراعة الأعضاء البشرية، ووضع شروطًا معينة حث على ضرورة توافرها قبل إجراء عملية النقل، بينها التحقق من الموت والموافقة الكتابية من صاحب الحق في التبرع بالجزء المتبرع به والمراد نقله وزرعه لجسم حي، أو من أقرب ورثته درجة إلى الميت حتى الدرجة الثانية، وألا يكون من خارج نطاق الأسرة، ولا يجوز التبرع من طفل.

ويرى مراقبون أن دعم الرئيس السيسي لزراعة الأعضاء عبر إنشاء مركز متخصص يضم أكثر من 350 غرفة للقيام بعمليات النقل والزراعة لا يكفي لتشجيع المجتمع، لكن سيكون له تأثير إيجابي على المستوى التوعوي.

وتعد الحواجز النفسية بين المواطنين والجهات الحكومية سبباً رئيسيا في عزوف البعض عن الذهاب إلى مكاتب الشهر العقاري لكتابة إقرارات تفيد بالتبرع، وهو ما يتطلب المزيد من الجهود التي تقوم بها وزارة الصحة.

وتشكو الحالات الفردية التي اتخذت قرار التبرع بالأعضاء من عدم إدراك موظفي الشهر العقاري (الجهة المنوطة بتسجيل الرغبات وتوثيقها)، للشروط الواجب توافرها لتقديم الإقرار والتعامل معهم من منطلق مخالفتهم لبعض الآراء الفقهية.

وأشار وزير الصحة المصري خالد عبدالغفار إلى أن الحكومة لديها خطة للتوسع في قاعدة التبرع لتشمل ما بعد الوفاة مباشرة، من خلال توفير قاعدة بيانات عبر التواصل مع وزارة الداخلية في السجل المدني من أجل وضع خانة للتبرع في البطاقة أو غيرها من الوثائق الرسمية للمواطنين الراغبين في التبرع.

ويرى أستاذ أمراض الكبد والجهاز الهضمي هشام الخياط أن تقديم الدعم الحكومي لزراعة الأعضاء له أثر إيجابي على إقناع المواطنين، شريطة أن توازيه تحركات اجتماعية وأخرى من جانب المؤسسات الدينية. ونجاح المبادرات الرئاسية السابقة مثل “100 مليون صحة” و”مصر خالية من فايروس سي” يرجع إلى التشجيع المجتمعي، وهو أمر يتطلب تكراره في زراعة الأعضاء.

وأوضح في تصريح لـ”العرب” أن “المئات من الأطباء المصريين الذين هاجروا إلى الخارج ويعملون في تخصصات مختلفة ذات ارتباط مباشر بزراعة الأعضاء ونقلها لا بد من الاستعانة بهم لنجاح التجربة، فتوفير الرعاية اللازمة لناقلي القلب أو الرئة وغيرهما من الأعضاء يمثل مشكلة أمام القاهرة في ظل عدم وجود خبرات سابقة كبيرة”.

وعلى الحكومة أن تساعد في بناء منظومة طبية وتكنولوجية متكاملة لا تقتصر على المركز الطبي الجديد، وتوفير بنوك للأعضاء وتسهيل نقلها بين المحافظات المختلفة عبر طائرات هيلكوبتر مجهزة لذلك، بجانب بناء منظومة رقمية غير قابلة للسقوط لربط كافة المستشفيات والتعرف على تفاصيل الإجراءات الخاصة بعمليات الزراعة.