خسائر تغير المناخ..

المغرب يدفع فاتورة الجفاف والتصحر والنزوح

"أرشيفية"

الرباط

بمخاوف من نزوح داخلي يغير الطبيعة الديموغرافية والهندسة الاجتماعية لمعظم المناطق في المملكة المغربية، يخوض سكان المناطق الرعوية "البوادي" اختبارا صعبا لظاهرة تغير المناخ.

وتشهد دولة المغرب سنوات متتالية من الجفاف تسبب في تراجع غير مسبوق بالموارد المائية، وهو ما اضطر العديد من المواطنين الذين يعيشون على الزراعة والرعي إلى الهجرة نحو المدن الحضرية.

وأثر موسم الجفاف، الذي لم يشهد له المغرب مثيلا منذ 30 عاما، مع تراجع وفرة المياه في عدد من المناطق القروية في المملكة المغربية، ما أسهم في تراجع الأنشطة الاقتصادية لسكان المناطق القروية.

ويتسع نطاق التأثيرات السلبية لظاهرة الاحترار والتغيرات المناخية في المغرب، نظرا لكونها دولة ساحلية ذات مناخات حارة وجافة طوال العام.

ويؤدي انعكاس هذه التغيرات البيئية على جميع مستويات اقتصاد المغرب، لا سيما في النظم الزراعية والصيد البحري التي توظف نصف السكان، وتمثل 14 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي.

تأثيرات سلبية

يأتي ذلك إلى جانب تأثيرات ارتفاع مستوى سطح البحر وما يمثله من تهديد كبير للقوى الاقتصادية الرئيسية، إذ يتمركز 60 بالمئة من السكان ومعظم النشاط الصناعي على الساحل.

وأصبح المغرب بؤرةً مناخية حارة خلال السنوات الأخيرة، وأحد أكثر بلدان العالم معاناةً من شح المياه، إذ يقترب بسرعة من الحد المطلق لندرة المياه البالغ 500 متر مكعب من المياه للشخص الواحد سنوياً، وفقاً لتقديرات البنك الدولي.

وأكد البنك الدولي في تقرير بعنوان "المناخ والتنمية" عام 2022، أن المغرب بحاجة لاستثمار 78 مليار دولار حتى عام 2050 من أجل مواجهة آثار تغير المناخ، على أن يغطي القطاع الخاص حصة 85 بالمئة منها.

وأوصى التقرير بضرورة استثمار نحو 23.3 مليار دولار حتى 2030، و25 مليار دولار بين عامي 2031 و2040، و29.5 مليار دولار بين عامي 2041 و2050، أي ما يناهز 3 مليارات دولار سنويا.

ورغم ذلك يعد المغرب في مقدمة الدول الإفريقية التي عملت على خفض انبعاثاتها من خلال التوسع في مشروعات الطاقة المتجددة، وسط خطط طموحة لدخول سوق الهيدروجين الأخضر وتصديره إلى أوروبا.

وفي إبريل 2022، دعا المغرب، أمام مجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الإفريقي، إلى ضرورة إحصاء وتسجيل اللاجئين والنازحين ضحايا التغيرات المناخية في إفريقيا، وإلى حمايتهم من أي نوع من الاستغلال.

وتُسهم إفريقيا بشكل ضئيل في غازات الاحتباس الحراري بشكل عام، وثاني أكسيد الكربون على وجه الخصوص، ومع ذلك فإن الكوارث المتعلقة بالمناخ في إفريقيا واسعة الانتشار.

وتكون الفيضانات والجفاف والعواصف عالية الطاقة وموجات الحر وحرائق الغابات أكثر حدة في إفريقيا، حيث أصبحت هذه الأحداث القاسية منتظمة في العديد من البلدان رغم أنها كانت نادرة في الماضي.

تحذيرات ومخاوف

بدورها، قالت الخبيرة المغربية في قضايا المناخ ورئيسة منتدى المرأة العربية الدكتورة مليكة شكير، إن المناطق الرعوية في بلادها تناهز مساحتها 53 مليون هكتار أي 20 بالمئة من الأراضي الجافة، وجميعها يعاني من التدهور الشديد على وقع الظواهر المتطرفة للاحتباس الحراري والتغير المناخي.

وأوضحت شكير، في تصريح لـ"جسور بوست"، أن 53 مليون هكتار لا يمكن الاستفادة إلا من 21 مليون هكتار فحسب بسبب الجفاف، وذلك بعد أن كانت الينابيع والسواقي والأنهار فيها تسقي الأرض والبشر، ما جعلها أشبه بـ"الأخاديد اليابسة" لا تعطي قطرة ماء رغم الزيادة في عمق الحفر للوصول إلى ما في جوف الأرض من مياه.

وأضافت: "تلك العوامل دفعت العديد من سكان البوادي إلى الهجرة والنزوح صوب المدن، حيث شهد المغرب موجة جفاف هي الأسوأ من نوعها خلال العقود الأربعة الماضية، وبشكل عام اضطر 13 مليون شخص من شمال إفريقيا إلى هجرة داخلية أو ما يسمى بـ"الهجرة المناخية"، والمغرب غير مستثنى من هذه الكارثة المناخية".

وتابعت: "تسود حالة من القلق خشية أن تمتد الأزمة إلى حد تراجع كمية المياه التي يجري تزويد المناطق الحضرية بها لأغراض الشرب والاستعمالات اليومية، ما دعا الحكومة المغربية إلى اتخاذ تدابير لتسريع أعمال تزويد المراكز القروية بمنظومات مائية مستدامة في إطار المخطط الوطني للتزويد بالماء الشروب والسقي خطة (2020-2027)".

وأكدت مليكة أن كل هذه الظواهر والكوارث والتغيرات المناخية لها أبلغ الأثر السلبي على النساء تحديدا، إذ تعاني في المناطق المتضررة من الأمرين بدءا من صعوبة الحصول على الماء وما يتبعها من مشقة قطع المسافات أكثر من أجل جلب الماء، وصولا بالعمل خارج المناطق السكنية سواء في المنازل أو المصانع للحصول على تكاليف المعيشة، كما تجبر الفتيات أيضا على  الزواج المبكر".

وأضافت: "هذه المتغيرات تدفع الرجال إلى الهجرة خارج القرية أو المدينة أو خارج الوطن، وتبقى النساء عرضة بشكل أكبر للتعب والأشغال الشاقة في ظروف وتضاريس قاسية تنتهي بإصابتهن بالأمراض، ولذلك يجب دراسة تأثير التغيرات المناخية على إحداث شرخ في المكون البشري بالمغرب". 

ودعت مليكة شكير منظمة الأمم المتحدة إلى ضرورة استحداث قوانين إنسانية عادلة تحد من التأثيرات السلبية للتغيرات المناخية، خاصة بالنسبة للمرأة التي باتت أكثر تضررا.

وكشف البنك الدولي أن الكوارث الطبيعية، مثل الفيضانات والزلازل ونوبات الجفاف، تسبب في خسارة المغرب أكثر من 575 مليون دولار سنوياً.

وأكدت الوكالة التابعة للأمم المتحدة، أن “التوسع العمراني السريع وتغير المناخ، ينذر بزيادة تواتر الظواهر المرتبطة، بأحوال الطقس وشدتها”.

ويعد المغرب من بين أكثر البلدان تعرضاً للمخاطر المرتبطة بالظواهر الجيولوجية والمناخية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وفق تقديرات دولية.