أربع سنوات على ثورة 17 تشرين: غياب عن الساحات وصمت مريب
في 17 أكتوبر/ تشرين الاول عام 2019، لمعت أبواق الثورة فاعتقد اللبنانيون أنها الطريق الأوحد الذي يوصلهم إلى التغيير، في ذاك اليوم تفجّرت احتجاجات شعبية غاضبة في العاصمة بيروت رفع خلالها المنتفضون رايات الإصلاح وساروا على دروبها في وجه السلطة الحاكمة وسرعان ما توسّعت لتعم معظم أنحاء البلاد، في مشهد عكس توحّد الشعب اللبناني خلف المطالب ذاتها وضد الطبقة السياسية.
جنبًا إلى جنب خرج اللبنانيون بكل طوائفهم، منتفضين ضد طبقة فاسدة ناهبة لأموال الشعب اللبناني، مطالبين بالمحاسبة القضائية، تحت شعار واحد وحّد الجميع، هو "كلن يعني كلن".
فهل كان ما عاشه اللبنانيون قبل 4 أعوام، في 17 أكتوبر/ تشرين الأول 2019، بمثابة حلم ليلة صيف لم يدم طويلا؟، سؤال كبير يطرح نفسه، بعد مرور 4 أعوام على امتلاء شوارع المدن اللبنانية، بالمطالبين بالتغيير، الرافضين لفساد النخبة الحاكمة، والحالمين بحكم غير طائفي.
ماذا حقّقت الثورة؟
وفي هذا السياق، رأى الصحافي والناشط السياسي، سمير سكاف، أنّ ثورة 17 تشرين زلزلت الأرض بتظاهراتها المليونية لأجل كرامة اللبنانيين، كما قامت بمساءلة عشرات الوزراء والمسؤولين، وفتحت عشرات ملفات الفساد، وأسقطت حكومتين (مباشرة أو بشكل غير مباشر)، وواجهت مجلس النواب بعشرات التظاهرات.
وأضاف سكاف لـ "جسور"، أنّ ثورة تشرين دخلت على عدد كبير من الوزارات والإدارات وواجهت وزراء ومدراء عامين، وتظاهرت مرات عدة في محيط عين التينة وعلى مداخل القصر الجمهوري، قائلا: "أخافت ثورة 17 تشرين ومنعت عشرات المسؤولين من التواجد في الأماكن العامة، لا بل حرمت كل "الأسماء النافرة" من المسؤولين من العودة لأي حكومة منذ بدايتها وحتى اليوم."
وتابع: "دعمت 17 تشرين استقلالية القضاء بمئات التحركات، ودعمت لاحقاً المطالبة بالعدالة في أكبر جريمة بتاريخ لبنان والتي فجّرت بيروت بتفجيرها للمرفأ... وشرّعت للجميع الباب للمطالبة بدولة مدنية وبدولة القانون وبالعدالة الاجتماعية، كما شرّعت الباب لخروج لبنان من الطائفية والمذهبية، ولتطبيق اللامركزية. طالبت بتطبيق الدستور، على الرغم من ملاحظاتها عليه، ومن تسجيلها ضرورة تعديل موادٍ تمنع تعطيل الحياة العامة. كما طالبت بسيادة كاملة للدولة على أراضيها، وبسلاح واحد في أيدي الجيش والقوى الأمنية، مع التزامها بمواجهة كل أعداء لبنان من اسرائيل وداعش وكل أنواع الارهاب والمخاطر. وقفت مؤخراً مع الخط 29 في مسألة ترسيم الحدود، الذي تخلّت عنه الدولة بدعم "حزب الله" لصالح لإسرائيل... ومع كل ذلك، يقول البعض إنها لم تكن تملك برنامجاً موحداً أو فكراً موحداً!"
والأهم وفق سكاف، أنّ ثورة 17 تشرين واجهت حاكم مصرف لبنان وكشفت عن فساد التعاميم الكارثية. كما واجهت المصارف وطالبت بإعادة الودائع، وبالإضافة الى كل ذلك، تعرّضت لطعنة في القلب من المجتمع الدولي، الذي تخلّى عن إرادة الشعب اللبناني الذي صوّت بأقدامه في الداخل وفي الاغتراب لصالح الطبقة السياسية الفاسدة "المنتخبة من الناس"، كما كل السلطات التي يثور الناس ضدها!
تسونامي نيابي
بعد النشاط "على الأرض"، يقول سكاف إنّ ثورة 17 تشرين نجحت بتحقيق تسونامي انتخابي نيابي بحصول لوائحها مع القوى التغييرية على 472.000 صوت تفضيلي، أي ما يفوق أصوات "حزب الله" (340.000 صوت) و"التيار الوطني الحر" (121.000 صوت) سوياً! ولكنها بدّدت تلك التسونامي بعدم قدرتها على توحيد اللوائح في كل المناطق!
وأضاف: "كنت قد أدرت شخصياً، مع أصدقائي في اتحاد ساحات الثورة، معركة توحيد اللوائح بحوالي مئة ورشة عمل واجتماع، ولكن النتائج كانت محدودة ومخيبة للآمال! وبدلاً من أن تحصد ثورة 17 تشرين حوالي 35 الى 40 نائباً، حصلت على 13 ثم 12 نائباً، لم ينجحوا بتشكيل كتلة نيابية موحدة ولا حتى أمانة سر موحدة على الأقل! وتشتّت رأيهم في عدد من المواضيع، أبرزها في الانتخابات الرئاسية. وهو ما أفقدهم دعم الرأي الثوري والرأي العام معاً!
ويعترف سكاف أنّ ثورة 17 تشرين لم تنجح في المحاسبة بعد!، لم تزج الفاسدين في السجون. لم تعلق المشانق، لم تغيّر الطبقة السياسية بالكامل! ولكن المحاسبة ستأتي لا محال، حتى ولو بعد حين، حتى ولو بعد أكثر من جيل!
ما الذي أضعف 17 تشرين؟
في المقابل، بيّن سكاف أنّ ثورة 17 تشرين تعرّضت لعوامل عدة أفقدتها قوة دفعها. أبرزها فيروس كورونا وأزمة انقطاع البنزين والأزمة المالية الكارثية وسرقة كل أموال المودعين (بعض الأغبياء يحمّلون ثورة 17 تشرين مسؤولية التدهور المالي بدلاً من الذين سرقوا أموالهم)! كل ذلك، من دون أن ينسى أحد ما تعرضت له 17 تشرين من اضطهاد السلطة لناشطيها، الذين أُوقف الكثيرون منهم وتعرض آخرون لإصابات ولخسارة عيونهم، بالإضافة الى تضحيات أكثر من 10 شهداء.
"ثورة قيمية"
النائب ملحم خلف، رفع الصوت عبر "جسور" قائلا: "في ظل الوضع اللبناني الحسّاس القائم حاليا، وبخاصة ما يشهده جنوب لبنان من أوضاع مقلقة، تزامنا والأحداث اللافتة في المنطقة المحيطة بنا، كل ذلك يدور في ظل فراغ رئاسي لبناني مميت وتعطيل حكومة وشلل المجلس النيابي وشلل كلي لإدارات الدولة، يُطلب اليوم تحميل الشعب معاناة كبرى لا طاقة له على تحمّلها، بخاصة بعدما عانى الويلات خلال السنوات الأخيرة في المستشفيات والمدارس وفي تسيير أمور حياته اليومية…"
وأضاف خلف، أنّ "ثورة تشرين هي "ثورة قيمية"، أعادت وضع مسار صحيح بنهج مغاير، هذا النهج الذي تطلبه 17 تشرين من الضروري أن نقاربه، وهذه هي الأمانة المعطاة لنا، فالمطلوب قبل كل شيء التخفيف من وجع المواطن اللبناني،" يختم خلف.