ارتفاع أسعار النفط يمنح العراق فرصة تنشيط التنمية بعيدا عن ذريعة شح التمويل
وفر ارتفاع أسعار النفط على امتداد الأشهر الثلاثة الماضية فرصة لرئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني لاستئناف الالتفات إلى قضايا التنمية، الصناعية والزراعية منها خاصة، وهي التي تخلفت الحكومة عنها بالنظر إلى شحة الموارد المالية.
وقال مختصون في شؤون التنمية إنّ على صانع السياسات في العراق النظر إلى الوفرة المالية الحالية باعتبارها غير متاحة دائما بالنظر إلى تقلّب أسواق الطاقة العالمية، داعين إلى استثمارها على أكمل وجه عبر حسن التخطيط من جهة، وحمايتها، من جهة ثانية، من خطر الفساد الذي سبق له أن ابتلع مئات المليارات من الدولارات جناها العراق من عوائد النفط على مدى ما يقارب العقدين من الزمن.
وتشير التقديرات إلى أن العراق بات يجني أكثر من ملياري دولار شهريا زيادة على التقديرات التي اعتمدت عليها الميزانية العامة، والتي كانت تقدر سعر البرميل بـ70 دولارا، ولكنه يتراوح الآن بين 85 و90 دولارا، مما يوفر للحكومة العراقية فائضا يضمن استقرار الموازنة، ويتيح للحكومة أموالا لتنفيذ المشاريع التنموية في المجالات الصناعية والزراعية وتمويل المشاريع الصغيرة، التي تعد ركيزة رئيسية للتنمية المحلية.
وكان السوداني، ترأس اجتماعا للهيئة العليا للتنسيق بين المحافظات جرى خلاله استعراض الأوضاع الشهرية للمشاريع، وأهم المشاكل والعقبات التي تعترض إنجازها بالإضافة إلى المقترحات الكفيلة بإزالة العوائق. وتمت خلال الجلسة المصادقة على الخارطة الاستثمارية لمحافظتي كربلاء والديوانية، مع الأخذ بملاحظات دائرة الشؤون الفنية في الهيئة التنسيقية بين المحافظات، وذلك بينما أكد السوداني على ضرورة تنفيذ توجيهاته السابقة بإعطاء الأولوية في الاستثمار للمشاريع الصناعية والزراعية في جميع المحافظات، لما لها من أثر مهم في توفير فرص العمل وتحقيق التنمية التي تستهدفها الحكومة في خططها وبرامجها.
الاجتماع شمل عدة قضايا أخرى تتعلق بجوانب تنموية مختلفة مثل القطاع التربوي وتوفير بيئة مدرسية ملائمة للتلاميذ، وتوفير المياه الصالحة للشرب في المدارس، وتأمين العيش الكريم لشريحة المستفيدين من شبكة الحماية الاجتماعية، الذين تقرّر شمولهم بتخصيص قطع الأراضي السكنية، وفق ضوابط تضعها وزارة الإعمار والإسكان والبلديات العامة بعد المصادقة عليها.
كما تناول الاجتماع قضايا الإصلاحات الإدارية التي تعمل عليها الحكومة، حيث تقرّر تأليف لجنة برئاسة المنسق العام لشؤون المحافظات وعضوية وزيرة المالية وثلاث محافظات والهيئة الوطنية للاستثمار، تتولى تحديد الصلاحيات المراد نقلها إلى مديري الدوائر الفرعية التابعة لدائرة عقارات الدولة في المحافظات.
وكان السوداني شكا في سبتمبر الماضي من أن العراق يواجه تحديات في تمويل أهداف التنمية المستدامة، وأشار إلى أن بعضها يعود إلى الخسائر المالية التي تعرض لها في حربه ضد تنظيم داعش وأكد أن الأولوية لتمويل العمل المناخي، كون العراق يعدّ الأكثر عرضة لتأثيرات التغيرات المناخية.
وأكد السوداني خلال مشاركته في أعمال قمّة أهداف التنمية المستدامة التي عُقدت في نيويورك “التزام العراق بخطة عمل المؤتمر الدولي لتمويل التنمية، الذي عُقد في أديس أبابا في العام 2015، وما صدر عنه من خطة أممية تدعو إلى وضع أطر تمويل وطنية متكاملة لتكمّل الإستراتيجيات الوطنية للتنمية المستدامة، وكذلك ترحيب العراق بتبنّي القمة للإعلان السياسي الذي يؤكد الحاجةَ الملحةَ إلى العمل الجادّ لتسريع تنفيذ أهداف التنمية”.
إلا أن المراقبين يرون أن الأموال الإضافية التي يجنيها العراق من ارتفاع أسعار النفط لا تبقي مكانا للتذرع بنقص التمويلات، لاسيما منها المتعلقة بعواقب التغيرات المناخية.
وقال أوك لوتسما الممثل الخاص لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي في العراق، إن العراق يتأثر بشدة بآثار تغير المناخ، ويرجع ذلك بشكل رئيسي إلى انخفاض منسوب المياه، وأن الأمم المتحدة تعمل على مساعدة الحكومة العراقية لزيادة تدفق المياه إلى البلاد.
وأشار لوتسما إلى أن آثار تغير المناخ لا تتمحور فقط حول انخفاض منسوب المياه، بل حول قضايا أخرى مثل ارتفاع درجات الحرارة وفقدان التنوع البيولوجي والعواصف الرملية والترابية ونقص الكهرباء، والتي تؤثر على الكثير من سكان العراق.
وشدد لوتسما على أن العراق أدرك تغير المناخ كأحد أولوياته الكبرى، باعتباره جزءا من أجندة التنمية الوطنية التي يرأسها السوداني.
وكان العراق قد التزم خطة للتنمية الوطنية أعدها برنامج الأمم المتحدة الإنمائي بين عامي 2018 و2022 إلا أنها باءت بالفشل نتيجة نقص التمويلات. وكانت الخطة تهدف إلى تحقيق أهداف التنمية المستدامة، وتركز على الأولويات الرئيسية للتنمية في العراق، بما في ذلك تحسين الحوكمة، وتعزيز القطاع الخاص، وإعادة الإعمار والتنمية بعد انتهاء النزاع، وتحسين بيئة الأعمال والاستثمار، وزيادة صادرات السلع الأساسية، وزيادة الإنتاج الزراعي والصناعي، وتحسين التكامل المالي والنقدي مع أسواق رأس المال.
وسبق للسوداني نفسه أن تعهد بإحداث “تحول تدريجي من الاقتصاد الريعي عن طريق تحديث عمل الاقتصاد، بالتركيز على طاقات الشباب في بناء الشركات الصغيرة والمتوسطة في الزراعة والصناعة، وتكنولوجيا المعلومات والخدمات والبيئة؛ ما يُوفّر فرص عمل، ويستقطب الاستثمارات المحلية والعالمية”.
ويرى مراقبون أن الفرصة التي يتيحها فائض العائدات النفطية هي من بين أندر الفرص، وربما آخرها لبدء مسار تنموي جديد يستنهض الزراعة والصناعة ويكافح آثار التغييرات المناخية، قبل أن تشهد الأسعار تقلبات جديدة، أو أن ترتفع تكاليف “الميزانية التشغيلية” للحكومة لتأكل الأخضر واليابس من جديد.