وكالات..
رسالة إيرانية في عملية "طوفان الأقصى"
صحيح أنّ إيران نفت أن يكون لها أي دور في عملية "طوفان الأقصى". من الطبيعي أن تصرّح كذلك أمام وسائل الإعلام. تعلم تماما ولاء حماس لها، وتعلم أيضا أنّ الرسالة وصلت لإسرائيل، وبالتالي لا تريد أن تعطي ذريعة لأي فلسطيني أن "يخّون" هذه العملية طالما حققت طهران منها أهدافها.
لكنّ زيارة وزير الخارجية الإيراني إلى بيروت وتصريحها على قناة "الميادين" المقربة من حزب الله بأنّ "فتح جبهات أخرى هو احتمال قائم" يحمل داخله رسالة تؤكد دور إيران بالعملية لغاية هذه اللحظة.
على وقع الانتهاكات الإسرائيلية المتواصلة بحق الشعب الفلسطيني، اختارت طهران التوقيت والتخطيط وتمويل وتسليح والتدريب لهذه العملية.
قدمت السلاح والصواريخ والأجهزة الإلكترونية والدعم السيبراني إضافة للدعم المالي الكبير لتغطية تكاليف التدريبات والاستعدادات بعد أن سهّلت بعض التدريبات للقادة في كل من لبنان وسوريا وإيران.
وقد جاء توقيت عملية "طوفان القدس" متناسبا مع حاجة إيران لهذه الحرب، وذلك للأسباب التالية:
1- تحتاج إيران إلى وقف عمليات اغتيال إسرائيل لقادتها ولعلمائها ولخبرائها في الداخل الإيراني، والحد من عمليات التخريب و"السابوتاج" في مصانعها ومنشآتها ومواقعها النووية.
2- تخطط إيران للثأر في داخل إسرائيل بعد أن فشلت عمليات الثأر في تركيا وقبرص وآذربيجان.
3- أتى توقيت عملية "طوفان القدس" برغبة من الحرس الثوري لنسف الالتزام الإيراني تجاه السعودية والصين وللتملص من اتفاق بكين، لا سيما بعد استهداف الحوثي لجنوب السعودية ومقتل أفراد من الجيش البحريني.
4- ترفض إيران ما أعلن في قمة العشرين الأخيرة بربط الهند بدول الخليج برا وبحرا وتحت البحر وصولا الى شاطئ البحر المتوسط ومنه إلى أوروبا، معتبرة أن هذا التعاون بين دوله هو فك للمقاطعة العربية عن إسرائيل في حين تبقى إيران محاصرة وتحت العقوبات بينما لا تنتعش من الحزام والطريق والتوجه صوب الصين.
5- تعتبر طهران أن انجح طرق "إحراج العرب" هو بتسعير حروب حماس مع إسرائيل، ولو أتى ذلك على حساب الشعب الفلسطيني، وعلى وجود وبقاء أبناء غزة في القطاع .
6- تهدف طهران إلى السيطرة على السلاح الفلسطيني في كل من لبنان وسوريا وفلسطين، وما أحداث المخيمات وعين الحلوة إلا إشارة من الإشارات الواضحة على هذا التوجه. فما يساعدها للسيطرة على البندقية الفلسطينية هو عمليات حماس والجهاد وإظهار فتح والسلطة بعجز عميق.
7- تستفيد طهران من التطرف. بين التطرف الإيراني وتطرف تل أبيب (بين مصالح نتنياهو والتطرف الإسرائيلي) كرة نار من التطرف تكبر تشجع الطرفين على الإمعان بالتطرف.
في المقال السابق، فصّلنا كيف اعتمدت إسرائيل سياسة التفرقة بين الفسلطينيين على مدار عقود لصالحها. ألم تفعل إيران نفس الشيء؟ ماذا قدمت طهران للفلسطينيين طوال عقود؟
دأبت طهران منذ إنشائها "الجمهورية الإسلامية في إيران" في أعقاب الثورة عام 1979 وما تلاها على "الاتجار" بالقضية الفلسطينية المحقّة واستخدامها وقوداً لاستمرارية محورها "الممانع. وبهذه الشعارات والتصريحات العلنيّة المتكرّرة تلعب إيران على الوترين "العاطفي" و"الإنساني".
في الداخل الفلسطيني، قوّضت إيران "الوحدة الوطنية الفلسطينية" والتي استغلها الاحتلال لتكريس احتلاله. غذّت طهران "الجهاد الإسلامي" ضد حركة حماس في قطاع غزة، ثمّ دعمتهما معاً بوجه السلطة الفلسطينية والقوى الفلسطينية الأخرى، وغذّت الشرخ بين غزة والضفة الغربية وعززت التناقضات بين الفصائل الفلسطينية.
وبالعودة للعام 1982 يذكر الفلسطينيون كيف أن إيران لم تحرك ساكنا لنجدة ياسر عرفات المحاصر في بيروت. بل ذهبت ميليشيات شيعية بعد ذلك تابعة لحركة "أمل" ـ التي بايعت الخميني ـ لارتكاب مجازر في المخيمات الفلسطينية، قبل أن يساعد النظام السوري على حدوث أكبر انشقاق في حركة فتح برئاسة أبو موسى الذي انشق عن الحركة وشكل ما عرف لاحقا بفتح الانتفاضة واستقر في سوريا وساعد على حدوث انشقاقات أخرى في الفصائل المنضوية تحت إطار منظمة التحرير.
ولا يخفى دور إيران في تخريبها على الفلسطينيين تفاهماتهم في أوسلو و واي ريفر وواي بلانتيشين من خلال تشجيع الخطاب التنظيري غير الواقعي أو البراغماتي. هذا وسعت طهران للتخريب على التعاون والتنسيق الفلسطيني الأمني عندما أرسلت باخرة محملة بالأسلحة، وقامت هي نفسها بإفشاء سرّها سلفا، فداهمتها إسرائيل في البحر الأحمر ضمن ما سُميت بـ"عملية سفينة نوح" (يناير 2002) وأفرغت حمولتها في ميناء أشدود ليتم استعراضها على شاشات التلفزة الأميركية بشكل ترويجي لـ"اتهام ياسر عرفات شخصيا بالإرهاب" فيما نفى الأخير أي تورط له بها. وبعدها كانت النتيجة "المدروسة" إيرانياً بمقاطعة الأميركيين لياسر عرفات ومحاصرته، لتكون طهران قد منحت الفرصة السانحة لتل أبيب و"الحجة القوية" لاغتيال القائد الفلسطيني.
حمى الله فلسطين وأرضها من عدوين يضمران لها أبشع مصير: إسرائيل والنظام الإيراني.