تقرير..
لماذا تنحاز أميركا علنًا لإسرائيل؟
لا شك بأن إسرائيل في البداية استطاعت أن تفرض سردية خاصة بها معتمدة على صور وأفلام مفبركة وتصريحات ومشاهد من جراء العملية العسكرية التي نفذتها وحدات حماس في غلاف غزة في السابع من تشرين/أكتوبر الحالي وبثها للرأي العام كمحاولة لاستجداء الرأي العالم العالمي والتلاعب في الآليات التي تسمح بإعطاء صورة كاذبة لما حدث بعيدة من الواقع من أجل التأثير على الرأي العام العالمي وجلبه لصفها لأن قضية الرأي العام العالمي في العالم مسألة حساسة جدًا لأنه يمكن أن يكون فاعلاً ومؤثراً على حكوماته ودوله.
لذا نجحت اسرائيل في طرح السردية الخاصة بها وبأنها تتعرض لإبادة من المتطرفين الذين أسمتهم بالدواعش لما يثير هذا الاسم حفيظة الناس ويزرع الخوف والحقد لما شاهدوه من ممارسات هذه المنظمات المتطرفة خصوصاً وأن أعمال العنف نقلت الى دولهم.
اسرائيل كانت بحاجة فعلية لهذا الدعم الشعبي الذي كانت تفتقده في حروبها مما كان يفرض حالة أمر واقع بسبب التأييد والضغط على الحكومات في إدانة إسرائيل وعدم الرضوخ لما تعرضه سابقا.
فالرأي العام مهم جدًا حيث يمكن تشكيله من خلال خبر أو حدث يحصل وتسليط الضوء عليه ليتم تبنيه من قبل الناس بعد الإضاءة المكثفة من الإعلام بكل وسائله والعمل على تحليله وفي الإضاءة عليه يصبح الجمهور أسير هذه الأخبار وينقسم الناس الى مؤيد ومعارض فتتشكل عندها قضية رأي عام حيث يعلو صوت الصقور فتتأزم المشاريع بانتظار الحلول القادمة التي يجب أن تفرض لصالح فئة أو طرف معين وتبرز الحمائم وتقوم بالتسوية التي أصلًا مدعومة من صوت الناس والرأي العام الضاغط لهذه القضية.
من هنا نرى أن إسرائيل نجحت من دون شك في استمالة الرأي العام الغربي في أميركا وفي أوروبا نحو سرديتها وانتزعت قرارًا سريعًا بأحقية تنفيذ أبشع الجرائم ضد السكان العزل في محاولة لمعاقبة سكان القطاع ضمن تصفية حساب بينها وبين إيران حول من يجهض مشروع بناء الدولة الفلسطينية القادمة من هنا تبلور مواقف سريعة في الغرب ومنها الموقف الأميركي:
بالطبع الموقف الأميركي إنحاز سريعًا للرواية الإسرائيلية من خلال وقوفه إلى جانب إسرائيل وإعطائها الضوء الأخضر في محاصرة قطاع غزة ومعاقبة سكانه تحت عنوان اجتثاث حماس وفصائل المعارضة.
سريعا أميركا عملت على استبعاد إيران من هذه الفوضى وإيجاد مخرج لها كي لا تدخل في مواجهة مع اسرائيل وفتح الجبهات التي تسيطر عليها بالرغم من أن الأخيرة لا تزال تمارس الابتزاز السياسي كي تحصل على مكان في عملية التفاوض.
وإرسال قوة بحرية عبر سفينتين حربيتين مجهزتين بكل أنواع السلاح وأفضل الفرق الحربية التي كانت تتذرع بأنها تريد حماية حليفتها من ناحية والبحث عن المخطوفين الأميركيين حاملي الجنسيات المزدوجة.
الإعلان الفوري عن دعم عسكري ولوجستي لإسرائيل كي تقوم بتنفيذ خطتها في ضرب غزة والقضاء على حماس كما كانت تدعي.
لم تكتفِ بهذا بل أرسلت وزير الدفاع الاميركي لويد أوستن الى جانب وزير الخارجية أنتوني بلينكن للتضامن مع الدولة العبرية وتأمين غطاء سياسي وعسكري لها في ظل الهجمة التي تعرضت لها والتهديد الإيراني الواضح بفتح الساحات.
لم تكتفِ أميركا بهذا بل دفعت رئيس الدولة بزيارة سريعة الى تل ابيب تهدف لرفع المعنويات الاسرائيلية وتأكيد حق الوجود والدفاع عن النفس وممارسة ضغط كبير على مصر والدول العربية لفتح ممرات آمنة لأهل غزة للخروج الى مصر في عملية جديدة من التهجير والتغيير الديموغرافي.
فالسؤال الذي يطرح نفسه: لماذا تنحاز أميركا علنًا إلى إسرائيل وتؤيد رؤيتها مع العلم أن إسرائيل هي دولة محتلة وضربت عملية السلام بعرض الحائط ولم تلتزم بالقرارات الدولية المتخذة بإقامة دولتين إسرائيلية وفلسطينية.
يمكن الإجابة عليه بالتالي: أميركا تعيش حالة صراع داخلية بين الحزب الديمقراطي والحزب الجمهوري وهي على أبواب انتخابات رئاسية وصوت اليهود مؤثر في هذه العملية ويجب الاستحواذ عليهم مما دفع بالإدارة الجديدة لاستخدام هذه الورقة بقوة بالإضافة الى أنها أرضت الحزب الجمهوري بتقديم المساعدات المالية التي بلغت حوالي عشر مليارات دولار. وفتحت مخازن السلاح واستقدمت سفينتيها لحماية اسرائيل من أي ضربة ايرانية مما يعني أنها استطاعت بذلك تأمين الدعم بالمال والعتاد لأوكرانيا طوال عام بعد خلاف بين الحزبين نتج عنه استقالة رئيس مجلس النواب كيفن مكارثي.
لكن أن يقبل بالحماقة التي ارتكبتها إسرائيل بمجزرة ضد مستشفى المعمداني في غزة ضد المدنيين ضاربةً القانون الدولي والأخلاق بعرض الحائط حيث دفعت بالرئيس بايدن للإعراب عن أسفه لسقوط الضحايا بتصريح أشار فيه إلى غضبه وأسفه على أرواح الأبرياء لكن يؤكد رواية إسرائيل بأن الطرف الآخر من فعل ذلك فهذا شيء خطير للغاية في عالم السياسة العالمية بتحليل قتل الناس والأخذ برواية واحدة من دون تشكيل لجنة تحقيق مستقلة بالرغم من أن إسرائيل هي مسؤولة عن موت الأبرياء لأنها تخوض حرب إبادة ضد الشعب الفلسطيني ولإجهاض حل الدولتين إلى جانب إيران التي تسعى الى تسويقه الولايات المتحدة منذ فترة فهل هذا الموقف يساعد الولايات المتحدة باحتضان إسرائيل وخسارة العرب نتيجة هذا التصرف؟
طبعا نحن نعيش في مثلث مؤلف من ثلاث زوايا إسرائيل والعرب وإيران، وأميركا في النصف وهي تحاول إرضاء الجميع وتحقيق إنجازات للجميع والخروج بتسوية مع الجميع في عملية يربح فيها الكل ولكن على حساب الشعب الفلسطيني ودمائه في الوقت الذي نعلم أن أميركا بيدها تقديم الحل السريع للشعب الفلسطيني بإقامة دولته المستقبلية وإيقاف التطرف الإسرائيلي والإيراني.