الهجرة غير النظامية إلى الولايات المتحدة تؤرق السلطات الموريتانية
تحولت ظاهرة الهجرة غير النظامية من موريتانيا إلى أميركا الجنوبية ومنها إلى الولايات المتحدة، إلى صداع حقيقي يؤرق نواكشوط وواشنطن معا، وهو ما جعلهما تسعيان إلى إيجاد حلول مناسبة من خلال التعاون الأمني والاقتصادي، لاسيما أن الظاهرة اتسعت بتطوير آليات التواصل والتنسيق بين المغامرين الباحثين عن فرص للعمل تحت ظل “الحلم الأميركي” وبين شبكات الاتجار بالبشر العابرة لحدود عدد من دول أميركا اللاتينية.
وأعلن الرئيس الموريتاني محمد ولد الغزواني عزم الحكومة إطلاق برنامج واسع النطاق في الأسابيع المقبلة لتعزيز تشغيل الشباب من خلال دعم الفرص الزراعية، وذلك ردا على سؤال حول هجرة الآلاف من الشباب الموريتانيين خلال الفترة الأخيرة إلى الولايات المتحدة الأميركية.
وأكد ولد الغزواني في مقابلة مع ممثلي الإعلام الوطني، الثلاثاء الماضي، أنهم من خلال تسهيل حصول الشباب على التمويل المناسب على المدى الطويل والمتوسط، ومن خلال تطوير أدوات الدعم لريادة الأعمال الشبابية، سينجحون في عكس منحنى البطالة، وبدء ديناميكية جديدة لإشراك الشباب في عملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية في البلاد، داعيا الشباب الموريتاني إلى التخلص من العقليات التي تشكل عقبات أمام التنفيذ السليم للإستراتيجية الرامية إلى التشغيل الكامل في إطار رؤية شاملة للتنمية المتكاملة للشباب، مضيفا أن هذه الرؤية تتمحور حول خلق مناصب الشغل والفرص للشباب، ورفع مستوى التكوين التقني والمهني، وتشجيع ريادة الأعمال وتعزيز الولوج إلى القطاعات الإنتاجية التي تخلق فرص الشغل والدخل، مثل الزراعة والثروة الحيوانية وصيد الأسماك.
ويستبعد مراقبون أن تنجح جهود الدولة في إقناع الشباب بالتراجع عن فكرة البحث عن منفذ إلى الولايات المتحدة من خلال مغامرات غير مأمونة العواقب، مشيرين إلى أن الشباب المهاجرين يبحثون عن فرص جيدة للثراء والرفاه ولتحقيق أهدافهم في تغيير مستوى معيشتهم والعودة إلى بلادهم بمظاهر تنمّ عن طبيعة الحلم الأميركي الذي استطاع الوصول إليهم.
وكان وزير الخارجية محمد سالم ولد مرزوك، بحث مؤخرا قضية هجرة الشباب الموريتاني إلى الولايات المتحدة مع وزير الأمن الداخلي الأميركي الخاندرو مايوركاس، وذلك خلال اتصال هاتفي عبر الفيديو كونفرانس، فيما أكد القنصل الأميركي لدى نواكشوط أيفان ستانلي أن أكثر من 12 ألف موريتاني وصلوا الولايات المتحدة، بشكل غير قانوني عبر حائط المكسيك، لافتا إلى أن المهاجرين الموريتانيين غير النظاميين “بمجرد دخولهم الولايات المتحدة، لن يتمتعوا بالوضع المناسب للعيش أو العمل رسميا هناك”.
وحذر القنصل في تصريحات للصحافة الموريتانية من مخاطر الهجرة غير القانونية عبر حائط المكسيك، معتبرا أن “السفر إلى الولايات المتحدة عبر حدود المكسيك مكلف للغاية ومحفوف بالمخاطر، فهناك خطر الاختطاف وحتى الموت وهناك الكثير ممن ينفقون الملايين من الأوقية لينتهي بهم الأمر هنا بلا شيء سوى الديون”، مرجحا أن “يجد الكثير من هؤلاء المهاجرين الموريتانيين غير النظاميين أنفسهم مرة أخرى في موريتانيا”.
وأوضح القنصل أن “الموريتانيين الذين يسافرون بهذه الطريقة غالبا ما يعرضون أنفسهم للخطر ويعرضون أنفسهم لرحلة خطيرة للغاية”، مؤكدا أنه “إذا أراد الناس الهجرة بشكل دائم، فإن أفضل وسيلة حاليا هي من خلال قرعة تأشيرة التنوع، وهو برنامج لا يستخدمه الموريتانيون كثيرا”.
ومن أجل الوصول إلى الحلم الأميركي يتسلل المغامرون الموريتانيون عبر حدود تسع دول من بينها البرازيل وكولومبيا وبنما وغواتيمالا، وكشف معهد الهجرة الهندوراسي في دراسة عن ارتفاع سنوي في أعداد المهاجرين الموريتانيين غير النظاميين من مهاجر واحد عام 2016 إلى 3703 مهاجرين في النصف الأول من العام 2023.
وبحسب الدراسة، فإن “من بين من عبروا بشكل غير نظامي من الموريتانيين إلى الأراضي الهندوراسية 252 قاصرا، و70 امرأة، وشخصان تتراوح أعمارهم بين 60 و70 سنة”، بينما تتراوح أعمار 2226 من بين المهاجرين الذين مروا بمكاتب الهجرة، ما بين 21 و30 سنة، فيما كانت أعمار 1240 منهم تتراوح ما بين 31 و40 سنة.
وتحدثت الإحصائية عن عبور 320 موريتانيا خلال هذه الفترة المذكورة ممن تتراوح أعمارهم ما بين 41 و50 عاما، بالإضافة إلى 31 مهاجرا تتراوح أعمارهم ما بين الخمسين والستين عاما.
وتجمع أغلب التقارير على أن عدد المهاجرين الموريتانيين غير الشرعيين في تزايد، وهو ما جعل السفيرة الأميركية في نواكشوط سينثيا كيرشت تعلن أن السفارة ستنظم حملة إعلامية حول المسارات القانونية للسفر إلى الولايات المتحدة الأميركية مع تسليط الضوء على مخاطر الهجرة غير الشرعية.
وقالت السفيرة إنها سمعت مؤخرا المزيد عن قيام الموريتانيين برحلة “خطيرة وغير مؤكدة في الكثير من الأحيان من أجل القفز من الجدار، إلى الولايات المتحدة، والصعوبات التي يواجهها هؤلاء في محاولتهم الوصول إلى هناك”، وأضافت “تُعرف منذ فترة طويلة بأنها منارة للمهاجرين القادمين إلى شواطئها، ونتيجة لذلك، لدينا العديد من الطرق التي يمكن للأشخاص من خلالها الهجرة بشكل قانوني إلى الولايات المتحدة”.
وتهدف الحملة إلى “تبديد الخرافات والمفاهيم الخاطئة المحيطة بالهجرة، مع التركيز على الطرق القانونية المختلفة المتاحة لأولئك الذين يطمحون لزيارة الولايات المتحدة أو بناء حياتهم فيها”، وفق السفيرة، التي أكدت أن مهمتها هي “التنوير والتنبيه إلى مجموعة متنوعة من التأشيرات التي توفر الدخول القانوني إلى البلاد، وكل منها يلبي احتياجات وأغراض مختلفة”.
وكانت دراسة أميركية أشارت إلى وجود 500 ألف شاب عاطل عن العمل في موريتانيا، في بلد يشكل الشباب تحت 25 سنة من العمر نسبة 75 في المئة من السكان، وزاد الطين بلة انخفاض قيمة العملة المحلية الأوقية، التي فقدت نسبة 152 في المئة منذ إنشائها سنة 1974، وكذلك موجات الغلاء المتلاحقة التي جعلت 70 في المئة من الأسر الموريتانية تعاني من الفجوة الغذائية.
وأصبح من المعتاد الحديث عن تعدد مسارات الباحثين عن فجوة للتسلل إلى الولايات المتحدة، وأشارت الدراسة إلى أن المهاجرين الموريتانيين يستعملون “الواتساب” في التواصل قبل وصولهم إلى نيكاراغوا مع مهربين يستقبلونهم هناك مقابل 60 دولارا للخدمة، بالإضافة إلى تكاليف الإقامة، ثم يتم نقلهم إلى هوندوراس مقابل 100 دولار، وهناك يتم استقبالهم ممن سيتولى تأمين نقلهم إلى غواتيمالا مقابل 120 دولارا، ليجدوا أمامهم عناصر أخرى توصلهم إلى المكسيك، وتحديدا إلى مدينة تاباشتولا مقابل 360 دولارا، ومن هناك تبدأ الرحلة الأكثر صعوبة في اتجاه الأراضي الأميركية.
وفي يونيو الماضي، أعلن رئيس حرس الحدود الأميركي راؤول أورتيز أنه تم رصد زيادة كبيرة في نسبة المهاجرين من موريتانيا وعدة دول أخرى إلى الولايات المتحدة، بنسبة تزيد عن 1000 في المئة. وأضاف “إننا نعمل بجد لإعادة المهاجرين من هذه البلدان ولكننا نواجه تحديات مع حكومات البلدان لوضع برامج عمل في مكانها لإعادة كل من نعتقلهم إلى أوطانهم”، مشيرا إلى أن الدول التي تضاعفت نسب الهجرة منها إلى الولايات المتحدة ما بين 2022 و2023، هي موريتانيا وأفغانستان والجزائر وجمهورية الدومينيكان والأرجنتين والصين وجيبوتي ومصر وإثيوبيا وفيتنام والباراغواي.
وبحسب مصادر مطلعة، فإنه تم في الفترة من مارس إلى يوليو 2023 تسجيل أكثر من 8500 موريتاني عبروا في اتجاه الولايات المتحدة، مشيرة إلى أن عدد المهاجرين تضاعف بين عامي 2022 و2023 بنسبة ألف في المئة، فيما أكد تقرير لوكالة أسوشيتد برس “أن تدفق الموريتانيين، غير العادي، فاجأ المسؤولين في الولايات المتحدة، حيث لم يكن هذا التدفق الملفت بسبب كوارث طبيعية أو انقلاب، أو انهيار اقتصادي مفاجئ، لكنه، على ما يبدو، كان بسبب القوة المتزايدة لوسائل التواصل الاجتماعي في إعادة تشكيل أنماط الهجرة”.
وتبلغ تكاليف الرحلة ما بين 8000 و10000 دولار، وهو مبلغ ضخم عادة ما يتطلب بيع أرض أو منزل أو قطيع من الماشية لتدبيره، لكنه يهون في سبيل الوصول إلى الحلم الأميركي، ويسافر الموريتانيون بمعدل 5 رحلات أسبوعيا من مطار نواكشوط باتجاه تركيا ثم إسبانيا مرورا ببعض أميركا اللاتينية قبل الوصول إلى المكسيك ومنها إلى الولايات المتحدة.
ويعتبر الموريتانيون أن الرحلة إلى الولايات المتحدة مرورا بعدد من دول أميركا اللاتينية تبقى أفضل من ركوب قوارب الموت على أمواج المحيط في اتجاه الضفة الشمالية للبحر المتوسط.
ولا يتوقف الجدل بين النخب الموريتانية حول ملف الهجرة غير الشرعية إلى الولايات المتحدة، وفي نقاش برلماني، رفضت النائب عن حزب الإنصاف الحاكم سعداني بنت خيطور تحميل الحكومة الحالية مسؤولية هجرة الشباب، حيث رأت أن الهجرة ظاهرة كونية، وقالت “حتى أوروبا عرفت الهجرة في القرن الثامن عشر، ومازالت مستمرة حتى تاريخنا الحديث، والأدمغة تهاجر من كل أنحاء العالم”، مردفة أن ظاهرة الهجرة “لا علاقة للحكومة بها، وهي حق للشباب، أي عليه أن يبحث عن عيش أفضل، لأن نمط الحياة والخدمات في أميركا أحسن منا قطعا”، وفق تقديرها.
واعتبر النائب عن دائرة أميركا يحيى ولد اللود، من تحالف “أمل موريتانيا” أن الشباب لا يهاجرون “بحثا عن الحلم الأميركي بقدر ما هو هروب من الجحيم الموريتاني”، وهم يهاجرون نحو الولايات المتحدة وأوروبا والخليج وأفريقيا “بحثا عن فرص عمل، تؤمن لهم حياتهم وحياة أسرهم، حين فقدوا الأمل في سياسات الحكومة”، مؤكدا أن المئات من الشباب الموريتانيين “يوجدون في السجون الأميركية وهم بحاجة إلى مساعدة، وهذا حق واجب على الدولة، سواء كانوا مهاجرين شرعيين أو غير شرعيين”.
ويرجح المتابعون للملف أن تستمر ظاهرة الهجرة العابرة للحدود من قبل الموريتانيين الحالمين بالثروة والرفاه في ظل الحلم الأميركي الذي يرون أنه لا يزال مفتوحا أمام الآلاف من المغامرين، لاسيما في ظل الوضع الداخلي المتأزم اقتصاديا واجتماعيا.