وزير داخلية فرنسا في الجزائر لتسوية ملف الهجرة
تشكل زيارة وزير الداخلية الفرنسي جيرالد ديرمانان إلى الجزائر خطوة جدية نحو تفعيل بوادر انفراج الأزمة بين البلدين، من أجل إذابة الجليد المترسب، قبيل الإعلان عن تطبيع محتمل ستجسده زيارة منتظرة للرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون إلى فرنسا، بعدما تأجلت مرتيْن.
أحيطت زيارة وزير الداخلية الفرنسي جيرالد ديرمانان إلى الجزائر بتكتم لافت، يوحي بأهمية الملفات التي بحثها الطرفان، غير أن ملفي تبادل المطلوبين وإعادة المهاجرين السريين طرحا بقوة لدى المتابعين لعلاقات البلدين، فضلا عن مساعي المسؤول الفرنسي لضخ المزيد من الحرارة في الخط الرابط بين باريس والجزائر، من أجل تطبيع علاقات الطرفين، وإدخال الأجندة الرسمية حيز التنفيذ، لاسيما الزيارة الرسمية المؤجلة للرئيس عبدالمجيد تبون إلى فرنسا.
واكتفت الرئاسة الجزائرية ببيان مقتضب حول استقبال الرئيس عبدالمجيد تبون لوزير الداخلية الفرنسية جيرالد ديرمانان، ولم تقدم أي توضيحات أو تفاصيل حول فحوى الزيارة، وذكرت أن “اللقاء جرى بحضور مدير ديوان الرئاسة ووزير الداخلية إبراهيم مراد”، فيما لم تقدم الداخلية الجزائرية أي معلومات حول لقاء الوزيرين.
غير أن الوزير الفرنسي، في تصريحه الذي أعقب استقباله من طرف الرئيس الجزائري، ألمح إلى ملفات التعاون في المجال الأمني والهجرة السرية والتعاون الشُّرطي، وهي القضايا التي كانت محل خلاف بين الطرفين، حيث ظلت الجزائر تعترض على منح التراخيص القنصلية لترحيل المهاجرين السريين بدعوى “الاحترازات الأمنية من إمكانية تسلل عناصر غير جزائرية إلى التراب الوطني”، لكن مصادر فرنسية اعتبرت ذلك نوعا من “الضغط والتنصل من المسؤوليات”.
وصرح جيرالد ديرمانان “عقدنا لقاء مع وزير الداخلية إبراهيم مراد، وتشرفت باستقبالي من طرف رئيس الجمهورية في لقاء مطول، حيث حملت له رسالة الود والاحترام من طرف الرئيس إيمانويل ماكرون، وأشكره على العمل الذي نقوم به سويا، خاصة ما تعلق بكل مجالات التعاون الثنائي، في مجال الأمن المدني وقضايا الهجرة، والشرطة القضائية، ونؤكد مجددا عبارات الصداقة والاحترام التي نكنها للجزائر”.
وجاءت زيارة وزير الداخلية الفرنسي للجزائر بالموازاة مع إصدار المصالح الفرنسية لقرارات منح اللجوء السياسي لعدد من المدونين والناشطين السياسيين الجزائريين المعارضين، على غرار المطلوب الأكبر للسلطات الجزائرية أمير بوخرص، فضلا عن التحرك المريح لتنظيم وقيادات حركة استقلال القبائل “ماك” فوق الأراضي الفرنسية، ولا يستبعد أن يكون الوزير الفرنسي قد قدم توضيحات من الحكومة الفرنسية للطرف الجزائري، حول استقلالية المؤسسات في بلاده وضرورة عدم تأثير ذلك في مسار علاقات البلدين.
ومع ذلك تشكل زيارة وزير الداخلية ذي الأصول الجزائرية، خطوة في طريق تفعيل بوادر انفراج الأزمة بين الطرفين، وضخ المزيد من الحرارة في محور الجزائر – باريس، من أجل إذابة الجليد المترسب، قبيل الإعلان عن تطبيع محتمل، ستجسده زيارة منتظرة للرئيس الجزائري تبون إلى فرنسا، بعدما تأجلت لمرتين، بعد الدعوة المتجددة التي وجهها له الرئيس إيمانويل ماكرون، بواسطة سفيره الجديد ستيفان روماني.
وأوحى حضور مدير الأمن الجزائري اللواء زين الدين بن شيخ، خلال اللقاء الذي جمع وزير الداخلية، بالقضايا الأمنية التي بحثها الطرفان، لاسيما في ما يتعلق بالتعاون الأمني في إعادة المهاجرين الجزائريين غير الشرعيين، والتي ظلت السلطات الفرنسية تصر على تسويتها بالموازاة مع الملفات العالقة الأخرى، بما فيها مراجعة اتفاقية الهجرة الموقعة بين الطرفين العام 1968، والتي تمنح مزايا تفضيلية للمهاجرين الجزائريين الشرعيين.
وكان وزير الداخلية جيرالد ديرمانان، قد أعلن عن تسريع إجراءات الطرد لحوالي 200 شخص متطرف، في اليوم التالي لاغتيال أستاذ جامعي في أراس، في الثالث عشر من أكتوبر، بعدما أمر الرئيس إيمانويل ماكرون بإجراء تمشيط شامل للملف الوطني للأشخاص المتطرفين الذين تم ترحيلهم.
ويهيمن على المشهد الفرنسي واقع ومستقبل انسجام المجتمع المحلي في ظل التجاذبات المتصاعدة بين مختلف الإثنيات، لاسيما بعد العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، وظهور صراع لافت بين منتسبي الجاليتين المسلمة واليهودية وتسجيل حالات اعتداءات مختلفة، لا يستبعد أن يكون ذريعة جديدة للسلطات الفرنسية لمراجعة قانون جديد للهجرة، خاصة في ظل الضغوطات التي يمارسها تيار اليمين واليمين المتطرف.
وكانت الجالية الجزائرية وحتى الفرنسيون من أصول جزائرية، قد سجلوا حضورا لافتا في الاحتجاجات الشعبية التي عاشتها فرنسا خلال الصيف الماضي، على خلفية مقتل الشاب ذي الأصول الجزائري (ناهل)، على يد رجال أمن فرنسيين بالرصاص الحي، الأمر الذي أثار حينها جدلا صاخبا في الأوساط الفرنسية حول ضرورة تفعيل قانون هجرة جديد في البلاد.
وألمحت زيارة ديرمانان للجزائر إلى أن هناك تحسنا طفيفا على الأقل في العلاقة بين الجزائر وباريس، منذ قضية الناشطة الفرانكوجزائرية أميرة بوراوي، منذ شهر فبراير الماضي، وإن لم تشهد علاقات البلدين أي انحدار باستثناء بعض السجالات الإعلامية التي قادتها وكالة الأنباء الجزائرية الرسمية، والتي لم يكن بمقدورها تعميق الأزمة أكثر، غير أن العلاقات الثنائية ظلت في حالة فتور خيمت عليها التكهنات حول تأجيل زيارة عبدالمجيد تبون إلى باريس.
وهي التكهنات التي بددها الرئيس الجزائري بتصريحه لوسائل إعلام محلية في شهر أغسطس الماضي، بأن “الزيارة لا تزال قائمة وهي ورادة في أجندة البلدين، غير أنه يتم انتظار الظروف المناسبة لبرمجتها”.
وخلال الأسابيع الأخيرة، استقبل الرئيس تبون مرتين السفير الفرنسي الجديد بالجزائر ستيفان روماتي، حاملا في كل مرة رسالة من إيمانويل ماكرون. وخلال تقديم أوراق اعتماده في نهاية سبتمبر، أعلن لدى مغادرته مكتب الرئيس الجزائري أنه “وصل إلى الجزائر البلد القريب جدا من فرنسا، “بأجندة إيجابية”.
وكانت السلطات الفرنسية قد قررت في خريف العام 2021، فرض نسبة رفض بنسبة 50 في المئة على طلبات التأشيرة المقدمة من الجزائريين لإجبار السلطات الجزائرية على إصدار تصاريح قنصلية لرعاياها، لتسهيل ترحيلهم من طرف المصالح المختصة.
وردا على الأرقام التي قدمها وزير الداخلية الفرنسي آنذاك، رد الرئيس تبون بالقول “إنها كذبة كبيرة”، وأن “موسى ديرمانان كذب كذبة كبيرة”، في إشارة إلى الوزير الفرنسي باسمه الأول الذي أخذه من جده، وهو قناص جزائري عمل في صفوف المستعمر الفرنسي ضد أبناء شعبه، وهو الفعل الذي يصنف جزائريا في خانة “العمالة للاستعمار”.