التنوع البيولوجي ملاذ أوروبا لمواجهة تهديدات الأمن الغذائي

يدفع هاجس تحقيق الاكتفاء الذاتي من الغذاء الاتحاد الأوروبي إلى مطاردة الجدوى من توسيع مشاريع الزراعة العضوية وزيادة التنويع البيولوجي، رغم التحديات التي يواجهها في طريق تجسيد أهدافه واقعيا بسبب تهديدات التغير المناخي.

مسار طويل نحو استدامة الحصاد

بروكسل

يشكل مشروع القانون بشأن استعادة الطبيعة، وهو نص رئيسي للحفاظ على التنوع البيولوجي في الاتحاد الأوروبي، موضوع مفاوضات نهائية، لاسيما بشأن تطبيقه على الأراضي الزراعية، بعد معركة عنيفة في برلمان التكتل.

ويُتوقع وضع اللمسات النهائية على التشريع الذي من شأنه أن يفرض أهدافاً ملزمة على الدول لاستعادة الأراضي والمناطق البحرية المتضررة الخميس المقبل بين المفاوضين البرلمانيين والرئاسة الإسبانية للاتحاد الأوروبي التي تمثل الدول الأعضاء السبعة والعشرين.

ويعد القانون أحد أهم بنود “الصفقة الخضراء” للاتحاد، والتي تشمل برنامجا واسعا من الإجراءات الهادفة إلى تحقيق الحياد المناخي بحلول 2050.

وبموجب القانون، يجب أن تغطي التدابير ما لا يقل عن 20 في المئة من المناطق البرية بحلول نهاية العقد الحالي بما في ذلك استخدام الزراعات البيولوجية (العضوية) على أن تغطي كافة النظم البيئية التي تحتاج إلى الاستعادة بحلول 2050.

ورافقت المفاوضات خلافات خاصة حول التربة الخصبة، إذ يفترض إعادة تشكيل 30 في المئة من جميع أنواع التربة الخصبة المستخدمة في الزراعة بحلول نهاية العقد الجاري، وبحلول عام 2050، يجب أن ترتفع إلى 70 في المئة.

واشتكت جمعيات المزارعين والسياسيون المحافظون في دول أوروبا من أن الإجراءات الوقائية للقانون، ستكون لها آثارا سلبية على إمداد الغذاء وتقليص المساحات الزراعية، وستمثل قيودا كبيرة للغاية بالنسبة للمزارعين، ما سيضر بإنتاج المحاصيل والسلع.

وتعثرت محاولة تقديم القانون في النصف الأول من العام الماضي، مع تفاقم الأضرار المناخية الضخمة بأوروبا في العامين الأخيرين، واتضاح هشاشة الأنظمة الاقتصادية بوجه التغير المناخي وما نتج عنه من كوارث بيئية.

وكان أعضاء البرلمان الأوروبي قد أعلنوا موقفهم المبدئي في منتصف يوليو الماضي، إثر مناقشات محتدمة تخللتها انتقادات كثيرة.

ومذاك “تركت الدراما النفسية والاستقطاب غير العقلاني اللذان شهدناهما، مكانهما للمفاوضات المعتادة والعقلانية التي تفضي إلى حلول وسطية تسمح لنا بالمضي قدما”، وفق باسكال كانفان رئيس لجنة البيئة البرلمانية الأوروبية.

وبحسب المفوضية الأوروبية، فإن نحو 80 في المئة من الموائل الطبيعية في الاتحاد الأوروبي هي في حالة “ضعيفة أو متوسطة” من حيث الحماية.

وكان حزب الشعب الأوروبي الداعم لـ”استراحة” في التشريعات المراعية للبيئة، قد دعا في الجلسة العامة إلى الرفض الكامل للنص، مشيرا إلى التأثير المحتمل على الزراعة وصيد الأسماك والطاقات المتجددة أو خطر تشجيع حرائق الغابات.

ومن خلال انتقاد “الأكاذيب”، أدان اليسار والوسط ما اعتبراه موقفا انتخابيا من حزب الشعب الأوروبي قبل عام من الاستحقاق الأوروبي المقرر في يونيو المقبل.

ورُفض اقتراح الرفض في نهاية المطاف بأغلبية ضئيلة، وأُقرّ النص من أعضاء البرلمان، رغم خفض أحكامه إلى حد كبير، مع الحذف الكامل للمادة التي تستهدف المناطق الزراعية.

وواجهت النسخة الحالية المخففة في الأشهر الأخيرة الموقف الأكثر طموحا الذي تبنته الولايات المتحدة في يونيو الماضي.

وتم التوصل إلى حلول في نقاط الاختلاف مع تخفيف في الهدف المرتبط بالأخشاب الميتة المتروكة في الغابة على سبيل المثال،

لكن المناقشات لا تزال متعثرة بشأن أهداف الاستعادة المحددة للأراضي الزراعية، والتي تريد الدول إعادة دمجها في النص.

ويقول كانفان إن “السؤال هو معرفة ما هي المرونة التي نضيفها للتوصل إلى نقطة وسيطة”. ويتناول ذلك خصوصا أهداف استعادة أراضي الخث، ومجموعات الملقّحات أو الطيور، وما إلى ذلك.

وقالت آن ساندر عضو البرلمان الأوروبي من حزب الشعب الأوروبي “نريد، بروح من التسوية، إعادة تقديم العناصر، ولكن من دون التزامات غير متناسبة تماماً لا يمكننا تحقيقها”.

وأوضح مصدر برلماني لفرانس برس أنه “في ما يتعلق بالزراعة، من الصعب إرضاء الجميع. والحل الوسط المحتمل قد يكون تحقيق التوازن بين إعادة إدماج الأراضي الزراعية وإنشاء مكابح الطوارئ” التي طالب بها حزب الشعب.

وكان أعضاء البرلمان الأوروبي قد قدّموا هذا النظام الذي يسمح للحكومات بتعليق تطبيق النص تلقائيا في حالة حدوث تأثير اجتماعي واقتصادي “استثنائي”.

وأيدت المفوضية الأوروبية والبلدان الأعضاء في الاتحاد فكرة اعتماد “مكابح الطوارئ”، ولكن بشرط أن تكون بروكسل وحدها هي التي يمكنها تفعيلها، لمدة أقصاها عام واحد.

وشدد المصدر البرلماني على أن “الأمر يتطلب جهداً بالاتجاهين، إذ لا جدوى من النص على هذا الكابح إذا كان النص لا ينطبق على النظم البيئية الزراعية”.

وتبدي ساندر قلقاً إزاء التأثير الزراعي للنص وتحرص على إدراج ضرورة الحفاظ على “الأمن الغذائي” في بنوده. وتقول “ستكون للمفوضية كل الصلاحيات لتفعيلها، ولكن بأي معايير؟ نحن بحاجة إلى مزيد من الوضوح”.

وثمّة نقطة صعبة أخرى تتمثل في مبدأ عدم التدهور (الحفاظ بحالة جيدة) المطبق على مساحات كبيرة، ربما خارج المناطق المصنفة في “ناتورا 2000” وهي شبكة مناطق محمية في الاتحاد.

وتفضّل الدول وأعضاء البرلمان الأوروبي فرض التزامات مرتبطة بالموارد (تبني التدابير المناسبة)، بدلا من النتائج (الهدف الكمي)، ولكن الصياغة المقيّدة إلى حد ما تظل موضع نقاش ساخن.

وأضاف أعضاء البرلمان الأوروبي بندا لا يزال قيد المناقشة من شأنه أن يجعل استعادة المناطق البحرية متوافقة مع سياسة مصايد الأسماك.

ويقول يوانيس أغاباكيس المحامي من منظمة كلاينت إيرث غير الحكومية، إن “التشريعات الضعيفة أفضل من عدم وجود قانون على الإطلاق”، ولكن إذا تم تقديم الكثير من الاستثناءات “فإن هذا قد يقوض التقدم المحرز في النصوص الأخرى”.

وحذر من أن “النتيجة غير الجيدة بما فيه الكفاية ستكون إشارة إلى أن صنّاع القرار ليسوا مستعدين لمواجهة أزمات المناخ والتنوع البيولوجي، ضد مصالح مواطنيهم واقتصادهم. وربما يكون الأوان قد فات لتصحيح الوضع”.