أزمة الإسكان تختبر قدرة تونس على تنفيذ الإصلاحات
تكافح تونس للقطع مع سياساتها القديمة في تنمية قطاع الإسكان، أملا في إخراجه من مشاكله المزمنة جراء بطء الإصلاحات التي واجهتها عراقيل بسبب سوء الإدارة وقلة التحفيزات التي يقول خبراء إنها تختزل أحد وجوه التقصير في إدارة الأزمات المتراكمة.
كشفت الحكومة التونسية عن عزيمة لخوض معركة النهوض بالقطاع العقاري، وخاصة فيما يتعلق بتملك المساكن، متسلحة بخطة طموحة لإزاحة العقبات التي جثمت عليه لفترة طويلة.
وتتجه وزارة الإسكان إلى إقرار خطة لتطوير قطاع الإسكان تركز على دعائم رئيسية تتعلق بالجوانب التنظيمية والقانونية والتشريعية والتخطيط العمراني لتخطي التحديات التي تعرضت لها هذه الصناعة المتعثرة خلال السنوات الأخيرة.
وفشلت الحكومات منذ 2011 في حل الأزمة أو على الأقل الحد من المشاكل التي مر بها القطاع، على اعتبار أن سوق العقارات ظل رهينا للمضاربات وارتفاع التكاليف وعدم قدرة الكثيرين على تحمل أعباء إضافية لتدهور قدراتهم الشرائية مما حد من زخم التملك.
لكن الأمر لا يتوقف عند ذلك الحد، حيث يبدو أن تضخم أسعار الاستهلاك والفائدة المرتفعة، التي توظفها البنوك على القروض السكنية، كان أحد الأسباب الأساسية لخمول القطاع، وبالتالي عزوف الناس عن التفكير أساسا في مسألة الشراء.
وتظهر الأرقام الرسمية أن ربع الأسر من بين 3 ملايين عائلة لا تملك مساكن، في بلد يبلغ تعداد سكانه 12 مليون نسمة، ما دفع خبراء إلى التأكيد على أن تنمية هذه الصناعة يتطلب إطلاق رؤية استشرافية لتنشيط قطاع العقارات والبناء والقيام بإصلاحات فورية وشاملة.
وتركز الخطة الجديدة للوزارة على إيجاد الحلول المناسبة لاستغلال العقارات المجمّدة وتوفير المزيد من الأراضي الصالحة للبناء، بما في ذلك التصدي لانتشار البناء العشوائي.
كما تتضمن مراجعة نشاط صندوق النهوض بالمسكن لفائدة الأجراء (فوبرولوس) لتطوير تدخلاته وفق المتغيرات الراهنة مع التوجه نحو البناء العمودي.
وتشمل الخطة الضغط على التكاليف لجعلها تتماشى مع إمكانيات محدودي الدخل عبر تحفيز المطورين العقاريين على المساهمة أكثر في إنتاج السكن الاجتماعي.
وإلى جانب ذلك إصدار قرار يضبط شراء الوكالة العقارية للسكنى أراضي مملوكة للدولة بسعر تفضيلي.
ويتم بناء المساكن الاجتماعية فقط على الأراضي، التي هي على ملك الدولة أو على ملك مجلس الولاية (المحافظة) أو المجلس البلدي أو إحدى المؤسسات العقارية المكلفة أصلا ببناء هذا النوع من المساكن.
وسبق أن أكدت وزيرة الإسكان سارة الزعفراني الزنزري أثناء جلسة في البرلمان الصيف الماضي أن العديد من المشاكل العقارية هي التي تعطل إنجاز المشاريع في المواعيد المحددة.
وأشارت حينها إلى مسألة التصفية العقارية التي شملها تغيير في القانون لتسهيل عمل وزارة أملاك الدولة والشؤون العقارية في ما يتعلق بمسائل الانتزاع.
وشددت الزنزري على أن الدولة تشجع أعمال شركات المقاولات وتسعى إلى توفير كل الظروف الملائمة لحلحلة الصعوبات التي تمر بها “وذلك بتضافر كل الجهود وتداخل الوزارات لحل الإشكاليات”.
وخلال السنوات الأخيرة تفاقمت معاناة التونسيين الذين وجدوا أنفسهم أمام صعوبات لامتلاك مساكن بعدما دخل السوق في حالة من الركود الحاد جراء الارتفاع الجامح في أسعار العقارات والأراضي ومواد البناء.
كما واجه الكثيرون منهم صعوبة الحصول على قرض سكني لارتفاع نسب الفائدة الموظفة على القروض البنكية التي تصل إلى 12 في المئة.
ويقدر خبراء في السوق المحلي حجم الارتفاع في أسعار العقارات خلال السنوات الإحدى عشرة الماضية بأكثر من 30 في المئة، لكن آخرين يرون أنه أكثر من ذلك.
وفي تحرك لنفض الغبار عن القطاع، قامت الحكومة في 2022 بتجديد أعضاء لجنة برنامج السكن الاجتماعي التي يترأسها وزير الإسكان لإعطاء نفس جديد لنشاطها وإزالة العراقيل أمامها بعدما فشلت على ما يبدو في تنفيذ الخطط المنوطة بعهدتها منذ تأسيسها.
ولطالما اعتبرت الغرفة النقابية للمطورين العقارين أن الدولة تفتقد لرؤية إستراتيجية واضحة للسكن الذي يعد أحد أبرز القطاعات التي تسهم في التنمية، وبالتالي إنعاش اقتصاد البلاد بشكل عام.
ومن بين العوامل التي قد تزيد في تعقيد وضع السوق الزيادة المقررة بداية من 2024 في نسبة القيمة المضافة عند بيع المساكن من 13 إلى 19 في المئة.
واعتبرت شركات التطوير الخاصة أن الأجراء بمثابة حجر عثرة أمام تنمية القطاع، حيث يرى المسؤولون التنفيذيون فيها أنه سيسهم في زيادة أسعار العقارات السكنية ومن ثم صعوبة تملك مسكن.
ويسهم القطاع العقاري بنحو 9 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد، وتمثل استثمارات البناء والتشييد وحدها قرابة 14 في المئة من السوق، أي ما يعادل حجم الاستثمارات في قطاع الصناعة برمته.
ويشمل البرنامج وفق قرار إنشائه في أغسطس 2012 على عنصرين أساسيين، هما إزالة المساكن البدائية والعشوائية وتعويضها بمساكن جديدة أو ترميمها أو توسيعها، وأيضا إنجاز وتوفير مساكن اجتماعية أو تهيئة وتوفير مقاسم اجتماعية.
وتضم اللجنة الوطنية للبرنامج ممثلين عن رئاسة الحكومة ووزارات الإسكان والداخلية والمالية والشؤون الاجتماعية وأملاك الدولة والشؤون العقارية والاقتصاد والمرأة والبنك المركزي والمؤسسة البنكية المكلفة بالتصرف في الموارد المخصصة لبرنامج السكن.
وكانت رئاسة الجمهورية قد أصدرت مرسوما في مارس 2022 يتضمن آليات جديدة لعمل البرنامج، الذي يهدف إلى تنفيذ مشاريع سكنية ومقاسم اجتماعية لذوي الدخل المحدود وأيضا الذين لا تشملهم أي منظومة تمويل كونهم لا يتمتعون بوظائف مستقرة.
ونص المرسوم على تشكيل فريق عمل منبثق عن اللجنة الجهوية للقيام بالمعاينات الفنية للعقارات ميدانيا وتنفيذ الأبحاث الاجتماعية للعائلات والتثبت من الوضعيات العقارية واقتراح إمكانيات التدخل المتاحة والكلفة التقديرية للأشغال.
وتشير إحصائيات حديثة لوزارة الإسكان إلى تراجع كبير في عدد رخص البناء بواقع 30 في المئة منذ العام 2019، أي ما يعادل ستة آلاف رخصة لتشييد قرابة 11.4 ألف منزل.
وتظهر المعطيات التي أوردتها وكالة الأنباء التونسية الرسمية، وهي منشورة على المنصة الإلكترونية للوزارة، تقلصا في عدد المساكن بين عامي 2015 و2022 من حوالي 43.5 ألف إلى 27.4 ألف مسكن.