أزمة دواء في مصر سببها شح الدولار والتهريب لدول الصراعات
تواجه مصر منذ سنوات أزمة دواء، حيث تأثر هذا القطاع بشكل مباشر بأزمة الدولار وتذبذب أسعار العملات الأجنبية بالإضافة إلى تفاقم عمليات التهريب نحو الدول المجاورة التي تشهد صراعات واضطرابات سياسية. وفي حين تحاول الدولة إيجاد بدائل محلية، لا يزال القطاع الطبي والمرضى غير مقتنعين بفاعلية الصناعة المحلية.
تزايدت الشكاوى في مصر بسبب عدم توفر أصناف عديدة من الأدوية، بعضها يرتبط بأمراض مزمنة، ما دفع الحكومة المصرية إلى التدخل عبر تشكيل لجنة لتحديد أولويات استيراد المستلزمات الطبية بعد أن طغت مشكلات نقص الدولار على مجمل الأزمات التي يعاني منها سوق الدواء في مصر حاليا.
أكد وزير الصحة المصري خالد عبدالغفار، والذي يرأس هذه اللجنة، أن هدفها وضع الحلول المناسبة للأزمات المرتبطة بنقص الدواء والمستلزمات الطبية والمواد الخام الخاصة بصناعة الدواء، بما يضمن تحقيق الأمن الصحي للمواطنين.
بدأت اللجنة عملها مطلع نوفمبر الجاري، وعلى رأس أولوياتها الإفراج الجمركي عن شحنات الأدوية والأمصال والمواد الخام والمستلزمات الطبية، وعقد اجتماعات دورية لوضع مقترحات وحلول ومتابعة معدلات التنفيذ للقرارات.
صعوبات إنتاجية
واجه سوق الأدوية مشكلات عدة لنقص المواد الخام المستوردة لتصنيع الدواء المحلي، واختفاء الكثير من أصناف الأدوية المستوردة، ونقص الأدوية المحلية التي طالتها الأزمة نتيجة لما تتعرض له من صعوبات إنتاجية، وزيادة أسعار الدولار بشكل مستمر جراء التذبذب المستمر في قيمة العملة المحلية.
وأشار صيدلي بأحد المستشفيات الحكومية المصرية إلى أن أزمة الدواء تظهر بوضوح في المراكز الطبية الحكومية التي تعاني نقصا كبيرا في أصناف مختلفة وترتبط غالبيتها بأدوية القلب والأورام وسيولة الدم والغدة الدرقية، والأصعب من ذلك ما يتعلق بنقص المستلزمات الطبية التي تسببت في تأجيل بعض عمليات الدعامات القلبية والمفاصل الصناعية لأكثر من ستة أشهر.
وأضاف لـ”العرب” أن الحكومة المصرية نجحت في العامين الماضيين في القضاء على قوائم انتظار العلاج على نفقة الدولة، لكن الأزمة عادت لنقص المستلزمات وبعض الأدوية، وما تطلبه المستشفيات من أدوية من هيئة الدواء المسؤولة عن توفيره للجهات الحكومية يأتي متأخرا أو لا يأتي أصلا، ونواجه مشكلات وصول أدوية تقترب صلاحيتها من الانتهاء، ويبقى الصيدلي بين مأزق استلامها لتوفيرها للمرضى أو إعادتها مرة أخرى، مع الدوران في فلك نقصها وعدم توفرها.
وطلبت الحكومة في آخر اجتماع عقدته مع مسؤولي صناعة الدواء في يونيو الماضي البنك المركزي بسرعة الإفراج عن المواد الخام والأدوية والمستلزمات الطبية. كما طالبت بتخصيص مئة مليون دولار شهريا لقطاع الدواء لاستيراد المواد الخام ومستلزمات الإنتاج للمصانع، و150 مليون دولار لتوفير مستلزمات الطبية، وزيادة المخزون الإستراتيجي من الأدوية من 6 إلى 12 شهرا بدلا من 3 إلى 6 شهور حاليا، مما يجنب الدولة مخاطر التقلبات الخارجية، والتوسع في توطين التصنيع المحلي.
أزمة الدولار
قال مدير المركز المصري للحق فى الدواء (حقوقي) محمود فؤاد إن توطين التصنيع المحلي لا يعني تراجع الضغط على الدولار لأن ما يقرب من 95 في المئة من المواد الخام التي تحتاجها شركات الدواء يتم استيرادها، وسوق الدواء المحلي يستحوذ على ما يقرب من 80 في المئة من حجم الأدوية في السوق، فيما يتم استيراد 20 في المئة فقط بشكل كامل، وكلاهما يتأثر بأزمات الدولار المتفاقمة.
وأكد في تصريح لـ”العرب” أن أصحاب المصانع يواجهون مشكلات التغير المستمر في أسعار الصرف وعدم وجود مرونة في إدخال تعديلات على سعر الدواء، بالتالي تأخذ الصناعة المحلية في الانكماش بعد أن تراجع الاستيراد من الخارج، خاصة أن السوق يعاني نقصا في الدواء الأصلي والمثيل والبديل، وهي نقطة حرجة تشي بضرورة إيجاد حلول كي لا تتزايد مع توقعات بزيادة معدلات الأدوية الناقصة.
وأشار إلى أنه لا يوجد رقم محدد بشأن الأدوية التي تعاني نقصا كبيرا في السوق، لكن هناك نقصا واضحا في أدوية الأمراض المناعية وبعض أمراض الأورام وأدوية الهرمونات وسيولة الدم والأدوية المخصصة لمراحل علاج ما بعد زراعة الكبد وجميع أدوية ضمور العضلات وأدوية التصلب المتعدد، وبعض أدوية القلب والسكر، وأيضا أدوية الغدة الدرقية.
وذكر لـ”العرب” أن مصانع الأدوية تحتاج إلى توفير عملة صعبة تقدر في الظروف الطبيعية بمبلغ يتراوح ما بين 200 و300 مليون دولار شهريا، لشراء المواد الخام، وأحيانا لا يتم توفير نصف هذا الرقم، ما يدفع الشركات إلى السحب من مخزونها لاستمرار عملية التصنيع، وهناك شركات دواء مصرية قامت بتخفيض العمالة بنسبة 30 في المئة وهو ما قامت به شركات الدواء الأجنبية التي قلصت من إنتاجها.
ويبلغ حجم سوق الدواء في مصر نحو 300 مليار جنيه (10 مليارات دولار) وفق البيانات الرسمية، وتستهلك وزارة الصحة وحدها نحو مليار دولار أدوية سنويا. وسلط محمود فؤاد الضوء على أزمة أخرى تتعلق بتهريب الدواء المصري إلى الخارج جراء الاضطرابات التي يعاني منها السوق في مصر وسعي الشركات لتحقيق أكبر قدر من المكاسب، في وقت تضاءلت فيه معدلات التصدير الرسمية مقارنة بدول تحقق عوائد هائلة من تصدير الدواء، وأن بعض الشركات لديها وسائل تهريب لدول تنشب فيها صراعات مسلحة.
وأوضح أن هناك قدرات فائقة على تهريب الكثير من أصناف الأدوية نظرا لصغر حجمها، وبالتالي بيعها بعشرة أضعاف أسعارها المحلية، وتتجه معظم الأدوية المهربة لدول مثل السودان وليبيا، ما ينعكس سلبا أيضًا على توفير الأدوية في السوق المحلي ويخلق مشكلات للدولة صاحبة المنتج الأساسي التي تعمل فيها شركات محلية وأجنبية وفقا لتسهيلات تقدمها الحكومة للتشجيع على التصنيع. ويرجح فؤاد أن تؤدي هذه المسألة إلى أزمات نقص في أدوية أخرى أكثر احتياجا في السوق، مثل أدوية الصداع والقولون العصبي والمعدة.
أصناف بديلة
بلغت صادرات مصر من الأدوية ومستحضرات التجميل والمستلزمات الطبية 968 مليون دولار عام 2022 مقابل 697 مليون دولار عام 2021، ويستهدف المجلس التصديري زيادة صادرات الأدوية 30 في المئة خلال العام الجاري.
ولفت عضو مجلس نقابة الصيادلة ثروت حجاج إلى أن معظم أصناف الأدوية بها مشكلات نقص لكن يمكن التغلب على المشكلات من خلال أصناف بديلة، وأن جزءا من الأزمة سببها الأطباء الذين يرفضون تلبية نداءات نقابة الصيادلة بكتابة المادة الفعالة، وليس الاسم التجاري للدواء وهو أمر يتم العمل به في دول عربية عدة للتغلب على مشكلات النقص، ما يمنح الصيدلي قدرة على تقديم دواء يتضمن المادة الفعالة ويخفف من حالة الشد والجذب المستمرة بين الطبيب والمريض والصيدلية.
وذكر في تصريح لـ”العرب” أن العلاقة غير السليمة بين شركات الأدوية والأطباء جزء من الأزمة، فالأطباء يساهمون في تخويف المرضى من البدائل بلا أسس علمية، كما أن الحكومة تتحمل جزءا من الأزمة لأنها لا تساعد على تقديم سعر عادل للدواء، وبعد أن كانت لديها ترسانة صناعية قوية للأدوية تابعة لقطاع الأعمال وتحت إدارة الشركة القابضة لم تعد هناك سوى أعداد قليلة من الشركات ولا تؤثر في السوق.
وتابع قائلا “شركات الأدوية التي كانت تتبع الحكومة هيمنت في السابق على الجزء الأكبر من سوق الدواء، لكنها وقعت في عدة أخطاء بينها أنها كانت تتيح الأدوية بأسعار مخفضة بشكل مبالغ فيه، وتسبب ذلك في خسارة هذه الشركات وتصفية أغلبها، وكان يمكن أن تطرح سعرا عادلا وتنافسيا للدواء بينها وبين الشركات الأخرى العاملة بما يدعم مصانعها ويسهم في إحداث توازن مطلوب في السوق”.
ويعاني سوق الدواء من تعدد أسعار نفس الصنف في أكثر من صيدلية جراء التذبذب الحاصل في أسعار العملات الأجنبية واتجاه هيئة الدواء لإعلان زيادات مستمرة، وقد يجد المريض الدواء في صيدلية بسعر وحينما يذهب إلى أخرى يجده بسعر مختلف، وتتمثل الأزمة الأكبر في أن ارتفاع معدل التضخم أصاب الصيدليات بأضرار واسعة.
وحسب أرقام مركز الحق في الدواء، فإنه منذ يناير الماضي وحتى الآن تم تحريك أسعار أكثر من ألفي صنف دواء بنسب تتراوح ما بين 30 و90 في المئة، وهناك أصناف لها أكثر من سعر بسبب سوء نظام التسعير، وباتت بعض شركات الدواء تتعامل من منطلق مدى نفوذها ودرجة علاقتها وتأثيرها على هيئة الدواء.