وقف تدفق المخدرات من إيران ضمن مخطط عراقي لضبط الحدود

رغم معرفة السلطات العراقية بأن الجارة إيران هي مصدر الغالبية العظمى من المواد المخدّرة الرائجة بكثرة في الداخل العراقي، إلاّ أنّها لم تتمكّن من إنهاء تدفّق تلك المواد عبر الحدود الشرقية للبلاد بسبب تراخي الطرف الإيراني الذي قد يكون اليوم أكثر استعدادا للتعاون، في مقابل ما يقوم به العراق لضبط حركة المعارضين الأكراد للنظام الإيراني على أراضيه.

حرب بلا هوادة

بغداد

انطوى تعهّدُ السلطات الأمنية الإيرانية بالتعاون مع نظيرتها العراقية في محاربة ظاهرة تهريب المخدّرات، على اعتراف إيراني ضمني بمسؤولية إيران عن الانتشار المهول لتجارة المواد المخدّرة واستهلاكها في العراق، كون أراضيها تعدّ المصدر الأول لتلك المواد التي ينتهي جزء كبير منها بين أيدي المستهلكين العراقيين، بينما يواصل جزء آخر طريقه نحو البلدان المجاورة للعراق، وصولا إلى وجهات أبعد.

وجاء التعهّد الإيراني في اجتماع انعقد الثلاثاء في مقر المديرية العامة لمكافحة المخدرات والمؤثرات العقلية في بغداد وضمّ إلى جانب وزير الداخلية العراقي عبدالأمير الشمري وقائد الشرطة الإيرانية أحمد رضا رادان، السفير الإيراني لدى العراق أحمد كاظم آل صادق، وعددا من القادة الأمنيين.

ولم ينفصل الاجتماع عن جهد أوسع نطاقا بدأته السلطات العراقية لضبط الحدود، لاسيما مع الجارة الشرقية إيران، بعد أن تحوّلت المناطق الحدودية إلى مصدر لتهديدات متنوعة تمس أمن البلد واقتصاده وتماسك مجتمعه، ولا تستثني السيادة العراقية عندما يتعلّق الأمر بحركة الجماعات المسلّحة في تلك المناطق، مثلما هي الحال بالنسبة إلى المقاتلين الأكراد المعارضين للنظامين الإيراني والتركي، وكذلك الميليشيات المسلّحة المرتبطة بالحرس الثوري الإيراني والتي يتحرّك أفرادها عبر الحدود العراقية مع سوريا.

ولا تستبعد مصادر عراقية أن تكون استجابة السلطات الإيرانية أخيرا للمطالبات العراقية المتكرّرة بضرورة تحمّل إيران لمسؤولياتها في ضبط تدفّق المخدّرات من أراضيها، نتيجة لتعاون العراق في ملف المقاتلين الأكراد المعارضين للنظام الإيراني والتي تقول بغداد إنّها شرعت في نزع سلاحهم وتجميعهم في مخيمات بعيدة عن الحدود الإيرانية – العراقية.

وتطمح الحكومة العراقية إلى التخلّص تدريجيا من المشاكل التي تتأتّى من وراء رخاوة الحدود الطويلة للبلاد ووقوع الكثير منها خارج السيطرة.

وأعلنت وزارة الداخلية العراقية قبل أيام عن الشروع في اتّخاذ إجراءات لتدعيم أمن الحدود مع كلّ من إيران شرقا والمملكة العربية السعودية جنوبا وذلك بنصب المئات من الأبراج الإسمنتية وتركيب كاميرات مراقبة حرارية وتقريب المخافر الحدودية المتراجعة عن الشريط الحدودي مع إيران وذلك بهدف الحدّ من عمليات التهريب، التي تشمل تهريب المواد المخدّرة.

وقالت وسائل إعلام عراقية إنّ اجتماع وزير الداخلية العراقي بالمسؤول الأمني الإيراني شهد بحث مواضيع متعلقة بوسائل مكافحة المخدرات من بينها تبادل المعلومات عن تجار المواد المخدّرة وضبط وتعزيز الحدود ومنافذها وذلك تنفيذا لمذكرة تفاهم أبرمتها الداخلية العراقية مع نظيرتها الإيرانية.

وتقول مصادر أمنية عراقية إنّ لدى السلطات معلومات موثّقة تظهر أنّ إيران تمثّل المصدر الأوّل للمواد المخدّرة التي تستهلك محلّيا أو تهرّب عبر أراضي العراق  نحو وجهات أخرى.

وسبق للواء مازن القريشي مدير عام مديرية مكافحة المخدرات في وزارة الداخلية العراقية أن أعلن في وقت سابق أن أكبر مصدّريْن للمواد المخدرة إلى بلاده هما إيران وأفغانستان، علما أنّ المخدّرات الأفغانية ذات المصدر النباتي والتي تدخل إلى العراق وبلدان أخرى في المنطقة تمرّ عبر الأراضي الإيرانية، بينما أغلب المخدّرات التي تكون إيران مصدرها المباشر تتمثّل في الحبوب والمواد الكيميائية المخدّرة التي تصنع على نطاق واسع داخل الأراضي الإيرانية.

وتظهر معلومات أمنية أنّ مناطق جنوب العراق، وخصوصا تلك التي تشهد حركة كثيفة للزوار الإيرانيين وتضمّ مقدّسات للطائفة الشيعية، أصبحت موضع تركيز أكبر من قبل مهربي المخدّرات وتجارها.

ويفسّر البعض ذلك بأنّ تلك المناطق تعتبر معقلا لعدد من الميليشيات الشيعية التي تعتبر طرفا أساسيا في تجارة المخدّرات حيث تتخذ منها مصدرا لتمويل أنشطتها.

وأعلنت مديرية مكافحة المخدرات والمؤثرات العقلية، قبل يومين، عن تفكيك شبكة متاجرة بالمخدرات واعتقال أربعة متهمين في محافظة كربلاء وحجز كمية من مادة الكريستال المخدرة كانت بحوزتهم.

كما تظهر أرقام رسمية مدى نشاط تجارة المخدرات في العراق الأمر الذي يحيل بدوره على تزايد عدد  مستهلكيها في البلد.

وبحسب مصادر عراقية متعدّدة فإنّ استهلاك المواد المخدّرة بات يطال شرائح واسعة من المجتمع العراقي حتى أنّه لا يستثني موظفي الدولة، ومن بينهم منتسبو الأجهزة الأمنية.

وقد استدعى الأمر إنشاء لجنة متخصصة بفحص المخدرات في وزارة الداخلية يرأسها العميد محمد عدنان عبدالله “مهمتها فحص ضباط ومنتسبي الوزارة فحصا شاملا للجميع، ابتداء من آمر القاطع أو مدير الدائرة إلى أصغر منتسب”، بحسب رئيس اللجنة الذي أوضح في وقت سابق أنّ “آلية الفحص تكون شاملة ومفاجئة من دون سابق إنذار سواء في المرور أو النجدة أو الشرطة الاتحادية”.

وقالت وزارة الداخلية العراقية إنّ عدد من ألقي عليهم القبض بتهمة المتاجرة بالمواد المخدّرة خلال الأشهر المنقضية من سنة 2003 بلغ 17 ألفا و249 متهما منهم 121 أجنبيا.

جاء ذلك في مؤتمر صحفي عقده الثلاثاء في بغداد العميد مقداد ميري المتحدث الرسمي للوزارة وأشار خلاله إلى تكثيف الجهود الأمنية لمحاربة المخدّرات التي أصبحت حسب وصفه “آفة خطرة تفتك بالمجتمع”، مؤكّدا أنّ الحد من انتشار المخدرات أصبح من أبرز أولويات الوزارة وذلك بتعقّب المتورطين في تجارة المواد المخدّرة، ومذكّرا بصرامة القانون العراقي في هذا المجال حيث تصل العقوبة بحق من تثبت إدانتهم إلى الإعدام وفقا للمادة 27 من القانون المتعلّق بمكافحة المخدرات.