المغرب يخطو بثبات نحو تحقيق الاستقلالية في مجال الصناعات العسكرية
أكد عبداللطيف لوديي، الوزير المنتدب المكلف بإدارة الدفاع الوطني، أن المغرب شرع في العمل على إعداد تصور لإحداث مناطق صناعية متخصصة في مجال الصناعة الدفاعية، موضحا أن إرساء المملكة أسس صناعة دفاعية متطورة من شأنه أن يلعب دورا مهما في التنمية الاقتصادية والتجارية، والتحقيق التدريجي للاستقلالية في مجال الصناعة الدفاعية، والاستفادة من نقل التكنولوجيا المتطورة واستقطاب الاستثمارات الأجنبية، وتوفير مناصب شغل جديدة.
وشدد عبداللطيف لوديي، أمام لجنة الخارجية والدفاع الوطني، في البرلمان على أن "المملكة خطت خطوات ثابتة نحو تأسيس صناعة دفاعية متطورة، ولديها مجموعة من الطلبات الأجنبية للاستثمار في هذا المجال بها (بالمملكة)"، وذلك بعد دخول القانون المتعلق بعتاد وتجهيزات الدفاع والأمن والأسلحة والذخيرة حيز التنفيذ. وهو ما تم من خلال “الشراكات والاتفاقيات التي أبرمها المغرب مع عدد من الدول الرائدة في هذا المجال، وذلك بغية تطوير التجهيزات الذاتية للقوات المسلحة”.
ويرى خبراء أن المغرب، بالإضافة إلى تحقيقه جزءا كبيرا من الاستقلالية، سيستفيد اقتصاديا واجتماعيا من توطين مشاريع الصناعة الحربية على أراضيه بتوفير فرص الشغل للشباب، وتقليص تكاليف استيراد الأسلحة والمعدات العسكرية إلى جانب الاستفادة من تجربة صناعة الطيران وتصنيع السيارات في ميدان التصنيع العسكري على المستوى المحلي.
وأكد الباحث المغربي في الشؤون الإستراتيجية والدولية هشام معتضد لـ”العرب” أن تصنيع الأسلحة والمعدات العسكرية خيار مغربي إستراتيجي يهدف إلى التحول إلى قطب صناعي وتصدير السلاح إلى الخارج. وأضاف أن "هذا التمشي سيعزز موقع المغرب على المستوى الإقليمي والقاري في مجال الاستثمارات العسكرية، التي لها بعد أمني واقتصادي مرتبط بالتطورات الجيوإستراتيجية في المنطقة".
ويحتاج التحول إلى قطب صناعي وتصدير السلاح إلى الخارج ميزانية مهمة ولهذا رفع المغرب من جديد ميزانية الدفاع لتصل في مشروع قانون مالية 2024 إلى 124 مليار درهم (12.2 مليار دولار)، وستخصص لاقتناء وإصلاح معدات القوات المسلحة الملكية، ودعم وتطوير الصناعة الدفاعية بزيادة قياسية جديدة.
وأشار الباحث المغربي في العلاقات الدولية نبيل أندلوسي في تصريح لـ”العرب” إلى أن “مواصلة ورش الصناعة الدفاعية، الذي تم الإعلان عنه لأول مرة في مشروع قانون مالية 2022، ستسمح بالتأسيس لصناعة دفاعية تخفف من كلفة الصفقات العسكرية، وتسعى لتحقيق الاكتفاء الذاتي والاستقلالية في توفير حاجيات البلاد من المعدات الحربية والعتاد العسكري وقطع الغيار التي تكلف ميزانية الدولة أموالا طائلة، ثم تدوير هذه الصناعة وإعادة تصديرها إلى دول شقيقة وصديقة”.
وعرف المغرب تاريخيا كورشة للصناعات الحربية التي كانت تصدر إلى أوروبا في زمن البارود وقبل البارود، حيث سعت السلالات الحاكمة منذ قرون جاهدة لضمان كفايتها من الإنتاج الحربي وخلق “فابركات” (مصانع) متخصصة في صناعة الأسلحة النارية والرماية المدفعية، لتلبية الاحتياجات العسكرية وتجنب الكلفة المادية لاستيرادها وكذلك الاستقلال عن الوسطاء.
وأنشئت في ساحة القصر الملكي بفاس “دار الماكينة”، وهي معمل لصنع المدافع والبندقيات والبارود، كما أنشئ قبلها معمل يسمى “دار العدة” للغرض نفسه قرب القصبة بمراكش، وعمل السلطان محمد الثالث على إحياء صناعة الأسلحة النارية والرماية المدفعية، وأسس مصنعا للقنابل في تطوان شمالا بلغ وزن القنبلة المصنوعة فيه آنذاك قنطاريْن.
ومن أجل خلق سياسة دفاعية قوية سيتم إنجاز مشروع من طرف شركة دولية لصيانة الطائرات العسكرية في منطقة بنسليمان شمال الدار البيضاء، مع تأمين صناعة الذخيرة وبعض الأسلحة، إضافة إلى خلق وتعزيز عدد من الأوراش الخاصة بصيانة العتاد الحربي.
وأشار لوديي إلى أن “الصناعة الدفاعية من شأنها أن تشجّع التنافس داخل الجامعات المغربية على تطوير البحث العلمي”، لافتا إلى أنه “في هذا الإطار تقدمت مجموعة من الشركات المتخصصة بطلبات الترخيص للاستثمار في مجال الصناعة الدفاعية، مع العلم أن هذه الطلبات تخضع لمجموعة من الشروط التقنية والاقتصادية والقانونية والتكنولوجية”.
واعتبر أندلوسي أن البحث العلمي والتطوير الذاتي للصناعات العسكرية، مع خلق الكفاءة العلمية المؤهلة، يتماشى مع تنويع المغرب شركاءه على مستوى الاتفاقيات العسكرية والاستفادة من تجارب وخبرات دول صديقة وعلى رأسها الولايات المتحدة، وهو ما سمح له بتعزيز وحماية أمنه القومي، وفسح المجال أمام الشركات المهتمة بالصناعة العسكرية لتلبية حاجياته.