المغرب يوسع دائرة خصخصة الأصول لتمويل الإصلاحات

رجح محللون ظهور سباق بين المستثمرين بعدما كشف المغرب عن نيته خصخصة الشركات الحكومية، التي يراهن عليها من أجل استكمال برنامجه المتعلق بتعزيز جاذبية مناخ الأعمال لتحقيق أعلى استفادة ممكنة تحت مظلة تنويع الاقتصاد وإصلاحه.

علامة جديرة بالثقة

الرباط

تتجه الحكومة المغربية إلى طرح أصول مملوكة للدولة للبيع خلال العام المقبل نظرا إلى حاجتها للموارد المالية، لاسيما وأنها مُقبلة على مجموعة من المشاريع الكبرى والإستراتيجية.

ويقتفي المغرب خطى دول عربية مثل السعودية والإمارات وسلطنة وعمان ومصر في بيع حصص في أصولها المتنوعة، وتشمل الطاقة والتعدين وغيرها، لجذب المزيد من الاستثمارات الخارجية.

ومن المتوقع أن تجني الرباط من تفعيل الخطوة حوالي 9 مليارات درهم (نحو 881 مليون دولار)، بحسب تقرير حول المؤسسات والشركات العمومية مرفق بمشروع قانون المالية للسنة المقبلة.

وأوضح التقرير الصادر عن وزارة الاقتصاد والمالية أنه بالنسبة إلى السنة المالية 2024 يتوقع “برمجة عملية التفويت”، بالإضافة إلى مساهمات الدولة في رأسمال هيئات مدرجة سلفا في لائحة المنشآت المزمع خصخصتها.

كما سيتم بيع حصص في شركات أخرى ستدرج في اللائحة المذكورة، وطرح بعض المساهمات المباشرة ذات طابع غير إستراتيجي للدولة.

وأشار التقرير إلى أنه لم يتم إنجاز أيّ عملية خصخصة منذ سبتمبر الماضي، بينما يُرتقب إتمام ثلاث عمليات بيع للأصول بمبلغ إجمالي قدره 2.88 مليار درهم (280 مليون دولار).

واعتبر رشيد ساري رئيس المركز الأفريقي للدراسات الإستراتيجية والرقمنة أن برنامج الخصخصة يعد إجراء يدخل في إطار قانون إصلاح مؤسسات الدولة وشركاتها.

وقال لـ”العرب” إن “المؤسسات سيتم خصخصتها بناء على مجموعة من المعايير التي اعتمدتها الدولة من أجل هيكلتها بشكل كبير وتكون أكثر كفاءة وفعالية، وبالتالي ستكون هناك عائدات تساعد في تمويل عدد من المشاريع الاجتماعية الكبرى”.

وتحتاج الحكومة إلى موارد مالية لتغطية النفقات الاجتماعية، التي ستُكلف خزينة الدولة حوالي 51 مليار درهم (4.9 مليار دولار) بحلول 2026، فضلا عن قطاع الاستثمار الذي هو في حاجة إلى قرابة 32 مليار دولار.

ومن المتوقع أن تناهز قيمة الموارد المتأتية من بيع الأصول والخصخصة في العامين 2025 و2026 ما قيمته 293 مليون دولار كل سنة.

وبالإضافة إلى تزايد الالتزامات الاجتماعية والإصلاحات الهيكلية في قطاعات الصحة والتعليم والزراعة وصندوق المقاصة، يعتقد ساري أن يشمل البرنامج شطب مؤسسات لم تعد لها أيّ جدوى وحضورها يثقل كاهل الدولة بمصاريف زائدة عن الحاجة.

ويعتقد الخبير المغربي أن فرص الإدماج ممكنة، إذ عندما تتم خصخصة مجموعة من الشركات الحكومية فإن محفظة المصاريف تنتقل من كاهل المؤسسات العمومية إلى القطاع الخاص، وبالتالي لن تكون في حاجة إلى دعم الدولة.

وأنشأ المغرب في سنة 2022 الوكالة الوطنية للتدبير الإستراتيجي لمساهمات الدولة لدراسة إمكانية خصخصة 57 مؤسسة وشركة حكومية، إما عن طريق الإدراج في البورصة أو البيع لمستثمرين من القطاع الخاص سواء كانوا محليين أو دوليين.

ووفق وزارة الاقتصاد فإن لائحة المنشآت المقرر خصخصتها تضم شركة مرسى ماروك للخدمات اللوجستية، التي تمتلك فيها الدولة 25 في المئة، وشركة اتصالات المغرب وفندق المامونية الشهير بمدينة مراكش.

ومن الأصول المزمع طرح حصص فيها أو بيعها بالكامل شركة تهدارت للطاقة الكهربائية وشركة الإنتاجات البيولوجية والصيدلية البيطرية والشركة الوطنية لتسويق البذور (سوناكوس).

وأكدت وزيرة الاقتصاد نادية فتاح العلوي على أن الحكومة برمجت عمليات خصخصة مساهمات عمومية في شركات مدرجة سلفا في لائحة المنشآت المُزمع بيعها.

وأوضحت أنه سيتم بيع مساهمات الدولة المباشرة وذات الحصص الصغيرة التي لا تكتسي طابعا إستراتيجيا بالإضافة إلى فتح رأسمال بعض الشركات العمومية للقطاع الخاص.

وقالت إن “عمليات الخصخصة تندرج في إطار برنامج إعادة هيكلة قطاع المؤسسات والشركات العمومية الذي يضم مشاريع تحويل بعض الكيانات إلى شركات مساهمة لعرضها في المستقبل على القطاع الخاص”.

ورغم ما ستوفره العملية من عائدات، فقد أكد رشيد الحموني رئيس فريق التقدم والاشتراكية بالبرلمان في سؤال وجهه إلى العلوي أنه “لأجل أداء كفؤ وعقلنةٍ أعمق، فإنَّه من اللازم إعادة هيكلة المؤسسات العمومية على أسس سليمة وبآفاق واضحة وشفافة”.

وثمة قناعة بأن هذا الإجراء سيشجع المساهمة الأكبر للقطاع الخاص، وتعزيز المنافسة والكفاءة والاستثمار وتوفير فرص عمل، إلا أن الخبير الاقتصادي عمر الكتاني نبه مسؤولي الحكومة إلى استحضار المصلحة الوطنية وعدم الذهاب بعيدا في مسلسل الخصخصة.

وأكد الكتاني أنه بدلا بيع مؤسسات عمومية في قطاعات مهمة، فإن من الأجدى البحث عن إجراءات بديلة، من قبيل تخفيض مجموعة من البنود الاستهلاكية والإنفاقية.

وفي الوقت الذي تؤكد فيه الدولة أن الخصخصة كانت ناجحة منذ 1993، لكنّ عددا من الشركات ذهب إلى شركات خاصة لم تكن في المستوى المطلوب، مثل مصفاة سامير التي تدهورت عقب خصخصتها ودخلت منذ سنوات مسطرة التصفية القضائية دون نتيجة.

ويعرف عدد من المؤسسات العمومية وبشكل متفاوت، اختلالات يتعلق بعضُها بمردوديتها المالية وتوازن ميزانياتها وتَعَمُّقِ مديونيتها، وبنظام حوكمتها ومراقبتها.

كما أنها تمر بفترة من اهتزاز مصداقية نماذجها الاقتصادية وتداخل مهام بعضها ببعض واعتماد العديد منها على إعانات الدولة، فضلا عن ضعف مناعتها في الوقاية من المخاطر.

وشددت العلوي أمام البرلمان على أن إصلاح المؤسسات والشركات الحكومية يراعي وفق القوانين “مبادئ استمرارية المؤسسات والشركات وقابليتها للتغيير ومبدأ حماية الحقوق المكتسبة ومبادئ الحوكمة الجيدة وربط المسؤولية بالمحاسبة”.

وعلاوة على ذلك، أكدت على أنه سيتم إشراك القطاعات المعنية في تنفيذ عمليات إعادة هيكلة المؤسسات والشركات العمومية وعلى التدبير القائم على النتائج وعلى التعاضد في الوسائل.

وأشارت كذلك إلى احترام مبدأ المنافسة الحرة والشفافية وعلى استقلالية المؤسسات والشركات الحكومية على مستوى التسيير.

ولفتت العلوي إلى أن جميع عمليات إعادة الهيكلة المزمع تنفيذها ستقوم على مبادئ تضمن الحفاظ على جودة ومردودية الخدمات العمومية والتحكم في كلفتها وأسعارها والحقوق المكتسبة بشأنها.

ويقول خبراء اقتصاد إن خصخصة عدد من المؤسسات والشركات العمومية ستؤدي إلى تحسين الخدمات المقدمة للمستهلكين، بفضل الخبرة والاستثمارات المحتملة من جانب الشركات الخاصة في قطاع الاتصالات والسياحة.