أصوات دعاة السلام مع الفلسطينيين تتزايد في إسرائيل

إسرائيليون يتشبثون بالسلام رغم الحروب

واشنطن

“شيلوشيم” وفقا للتراث اليهودي يعد فاصلا مهما في مراسم الحداد، ويمتد على مدى 30 يوما، والآن بعد مرور أكثر من شهر على المذبحة التي كادت أن تجعل إسرائيل تجثو على ركبتيها، يسعى “معسكر السلام” الإسرائيلي الذي تلقى ضربة للنهوض من عثرته مرة أخرى.

ويشن الجيش الإسرائيلي الآن ما يسميه رئيس أركان القوات المسلحة الإسرائيلية معارك وجها لوجه مع حماس التي نفذت هجوما أدى إلى مقتل نحو 1400 شخص في الجنوب الإسرائيلي في السابع من أكتوبر الماضي، ويأتي الهجوم البري وسط تصاعد الخسائر في الأرواح على الجانب الفلسطيني، حيث وصلت إلى أكثر من 11 ألف قتيل، وفقا لما أعلنته وزارة الصحة الفلسطينية بغزة، ويرجع العدد الكبير أساسا إلى القصف الإسرائيلي المتواصل على الجيب الضيق المطل على الساحل.

وقال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في 30 أكتوبر الماضي “هذا وقت الحرب”، متجاهلا النداءات الدولية المتزايدة لوقف إطلاق النار، أو على الأقل إعلان “هدنة إنسانية” للسماح بدخول المساعدات إلى غزة، وكسب الوقت لتحرير الرهائن الذين احتجزتهم حماس والبالغ عددهم 240 شخصا، وفقا لآخر إحصاء إسرائيلي.

وفي منطقة يتردد فيها صدى لغة الانتقام، النابعة من نصوص العهد القديم، في التنبيهات الإخبارية المتواصلة على المواقع الإلكترونية، يؤيد كثير من الإسرائيليين بسهولة فكرة أنه يجب القضاء على حماس بأي وسيلة تتطلب ذلك، بعد أن تم في إسرائيل توصيف هجوم حماس المباغت بأنه تسبب في أكبر خسارة للأرواح اليهودية خلال يوم واحد منذ المحرقة. غير أن آخرين يرون أن اللحظة مناسبة للتفكير في كلفة الحرب وما سيأتي بعدها من تطورات.

ويعبر عن هذا الاتجاه ماعوز إينون، وهو ناشط إسرائيلي من دعاة السلام يبلغ من العمر 48 عاما، وقتل أبواه عندما غزت حماس التجمع الزراعي الصغير الذين يعيشون فيه، ويقول “إنني لا أبكي على مقتل أمي وأبي، وإنما على الذين سيموتون في هذه الحرب”.

وتدرك المجموعة الصغيرة من الإسرائيليين الذين كرسوا جهودهم لمعارضة قبضة إسرائيل الحديدية على الأراضي الفلسطينية أنه بعد الصدمة الناتجة عن العدد الكبير من الوفيات الذي حدث داخل إسرائيل، أصبح نشاطهم أكثر صعوبة، ولكنه في نفس الوقت صار أكثر إلحاحا.

كما تعبر عن نفس الاتجاه درور سادوت المتحدثة باسم مجموعة “بتسليم” الأهلية الإسرائيلية التي توثق انتهاكات حقوق الإنسان في الأراضي المحتلة، فتقول “لم نكن في أي وقت من الأوقات نتمتع بالشعبية في إسرائيل، فنحن نمثل الصوت المعارض للتيار المعاكس السائد وللحكومة، وبالتالي لا تلقى مواقفنا ترحيبا بين أغلبية السكان في إسرائيل”.

وتضيف أنه “في أعقاب الفترة السوداوية لهجوم حماس، وصفنا بعض الإسرائيليين بأننا خونة”.

غير أن ألون لي جرين مدير مجموعة “ستاندينغ توغيذر” (أي الوقوف معا)، وهي ائتلاف من المجتمع المدني يهودي – عربي يعمل من أجل السلام، يقول إنه لا يوجد تناقض بين المنظمات الحقوقية التي تؤكد أن “هناك الملايين من الفلسطينيين يعيشون دون حقوق إنسانية أو مدنية أساسية، وبين التعبير في نفس الوقت عن الرعب إزاء هجمات حماس، التي قتل خلالها العديد من المسنين والصغار والأطفال، وحرق أجسامهم أو التمثيل بها”.

ويضيف أنه من الضروري طرح تساؤلات تتعلق بالأهداف العسكرية لإسرائيل. ويؤكد جرين أن “الدعوات المباشرة والعلنية إلى الانتقام، والحديث عن إعادة غزة إلى العصر الحجري، لا يمكن أن تعيد الحياة لمن ماتوا، كما أنها لن تعيد الرهائن إلى عائلاتهم”.

ويتابع “علينا أن نطرح سؤالا جوهريا، ونقول اهزموا غزة واغزوها، واقتلوا الكثير من الفلسطينيين الأبرياء، ولكن ماذا سنجني بعد ذلك؟”.

وفي مثال آخر عن الاتجاهات التي تنادي بالتعقل والبحث عن طريق للسلام، يبرز اسم حاييم كاتسمان (32 عاما)، وهو باحث ومحارب قديم، وقتل في هجوم حماس على كيبوتز هوليت.

وعندما حان وقت دفنه، تقدم شقيقة نوي الذي يبلغ من العمر 27 عاما لإلقاء كلمة التأبين، وقال نوي في وقت لاحق إن أسرته كانت تشعر بالقلق من أن تتسبب في الإساءة لأي شخص في مثل هذا التجمع المهيب، حيث لم يكن لهم علم بالميول السياسية لجميع الأشخاص الحاضرين. ومع ذلك فقد تم إيصال الرسالة بثبات.

وجاء في كلمة التأبين التي ألقاها نوي “لا تستخدموا حالة الموت التي أصابت أسرتنا، والألم الذي نقاسيه، كذريعة لإنزال الموت والألم بأناس آخرين وبعائلات أخرى، دعونا نتفهم أن الوسيلة الوحيدة هي الحرية والحقوق المتساوية”.

وفي ما بعد قال نوي إن المعزين تقدموا الواحد تلو الآخر، ليؤكدوا أن كلماته هي بالضبط ما كان حاييم يريد قوله أثناء حياته.

ولكن مراسم التأبين التي سادتها عبارات حماسية لفتت انتباه منصات التواصل الاجتماعي، ووصف بعض المتابعين فيها نوي الذي عاد إلى ألمانيا لمواصلة دراسته بالخائن، وأحيانا بالإرهابي. وعلق نوي قائلا “إنه لأمر محزن، هذه الأوصاف أطلقت علي لأنني لا أريد قتل الأبرياء”.

وأشار استطلاع للرأي العام الإسرائيلي أجري قبل بدء الهجوم البري للجيش إلى أن نحو نصف المشاركين في الاستطلاع كانوا مترددين بشأن ما إذا كان يتعين على الجيش أن يتوغل في غزة.

وأشارت صحيفة “معاريف” التي نشرت نتائج الاستطلاع إلى تراجع التأييد لشن عملية برية مكثفة مقارنة بنتيجة أخرى قبل الاستطلاع بأسبوع تفيد بأن ثلثي عدد المشاركين في الاستطلاع يريدون من الجيش أن يمضي قدما في هجومه البري، غير أن الصحيفة أوضحت أن مخاوف الإسرائيليين تتركز أساسا على الخوف على سلامة الرهائن، وليس على أهداف إسرائيل من العملية، أو من الحجم الهائل للخسائر في أرواح المدنيين داخل غزة.

ومع ذلك فإن الإسرائيليين مثل إينون يشعرون بالثقة في أن وجهة نظرهم تكتسب زخما، حتى لو كان ذلك سيستغرق وقتا ربما يكون طويلا.

ويقول إينون “هناك الكثير من الأصوات التي تنبعث من الأحزان والآلام، وأنا أحلم بأن دموعنا يمكن أن تغسل جراح الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني، وربما تشفيها”.