مخاوف في عُمان من تأثر الشباب بفكر "محور المقاومة"
تعامل السياسة الرسمية لسلطنة عمان بأريحية مع إيران وأذرعها في المنطقة، بغض النظر عن سلوكات ذلك المحور وتصرّفاته إزاء دول المنطقة، يخلّف انطباعا لدى الجيل العماني الصاعد بأنّه محور مقاوم ونصير للمظلومين يمكن الاقتداء به وتقليده.
أثارت صور ولقطات فيديو تمّ تداولها عبر شبكة الإنترنت وتظهر طلاب مدرسة عمانية وهم بصدد تقليد مقاتلي حزب الله اللبناني، المخاوف من تأثّر الشباب في البلاد بفكر الحركات والفصائل المسلّحة الناشطة في عدد من دول المنطقة والتي تصنّف نفسها كقوى مقاومة تنتمي إلى المحور الذي تقوده إيران ويقول قادته إنّهم يتصدّون لإسرائيل والولايات المتّحدة نصرة لقطاع غزّة.
وأظهرت الصور واللقطات عددا من الطلاب وهو يشدّون على رؤوسهم أربطة خضراء ويمسكون مجسمات من البلاستيك لرشاشات بينما يظهر في الركن البعيد مَنْ يُعتقد أنّهم مدرسون أو إداريون بالمؤسسة التعليمية التي التقطت فيها المشاهد المصوّرة.
واعتبر مراقبون أنّ ما أقدم عليه هؤلاء الطلاب يعتبر نتيجة مباشرة للحالة العاطفية التي أشاعتها في السلطنة والمنطقة الأحداث الدامية في غزّة وفظاعة ما تعرّض له سكانها على يد الجيش الإسرائيلي، مع ما ترافق مع الأحداث من تغطية إعلامية كثيفة أطلق خلالها العنان للإعلاميين والمحللين للتعبير عن أكثر الأفكار “ثورية” حتى في الدول المعروفة بصرامتها الشديدة إزاء الإعلام والإعلاميين مثل سلطنة عمان.
لكن بعض المهتمّين بالشأن العماني رأوا في الصورة المذكورة آنفا علامات على خطر يتجاوز مجرّد الحماسة العاطفية العابرة تفاعلا من الحدث الظرفي، إلى التأثّر بفكر الفصائل المتشدّدة والميليشيات المسلّحة التي استفادت كثيرا من أحداث غزّة لإعادة تسويق نفسها كـ”مقاومة شريفة” منحازة للفلسطينيين ومساندة لهم في مأساتهم الغامرة.
وحذّر هؤلاء من أن يكون الجيل العماني الصاعد بصدد تلقي رسالة خاطئة من السياسة الرسمية للدولة التي تقيم علاقات جيّدة مع إيران ومحورها في المنطقة، وهو ما يظهر على الأقل في العلاقة المتينة التي ظلّت تربط السلطنة بجماعة الحوثي في اليمن على الرغم من تفجير الجماعة لصراع مدمّر تجاوز حدود البلد إلى جواره الإقليمي.
وقالوا إنّ الخطاب الرسمي للسلطنة تجاه إيران ومحورها وكذلك تواصل كبار المسؤولين العمانيين مع رموز ذلك المحور بأريحية في وقت تتحفظ فيه بلدان أخرى في منطقة الخليج وخارجها على التعامل مع ذلك المحور، أو على أقل بعض مكوناته، يعطيان الشباب العمانيين انطباعا بأنّ إيران وأذرعها قوى صديقة وتستحق أن يُقتدى بها خصوصا وأنّ الظرف الحالي وضعها في موضع “قوى خيّرة مدافعة عن الحقّ ومتصدية للظلم الإسرائيلي للمستضعفين في قطاع غزّة”.
ويرسّخ هذا الانطباع حدوث بعض المنزلقات في الموقف الرسمي العماني الحذر والمتحفظ عادة، وهو ما تجلّى في تعليق صادم لمفتي عمان أحمد بن حمد الخليلي رحّب فيه بقيام جماعة الحوثي باحتجاز سفينة شحن في مياه البحر الأحمر، قائلا في منشور على موقعه في منصّة إكس “نشكر من أعماق قلوبنا وخالص طوايانا الشعب اليمني العربي الأصيل المسلم الشقيق على خطواته الإيجابية في تصديه للسفن الصهيونية”، داعيا “الشعب اليمني كلّه إلى الالتفاف حول هذا المبدأ الديني العظيم في مناصرة المظلومين والمضطهدين من أشقائنا”.
وتعليقا على ما حدث في إحدى مدارس السلطنة تساءل الناشط العماني سعيد جداد “هل نحن على أبواب إنشاء ميليشيات مسلحة على غرار حزب الله والحوثيين”.
وأضاف عبر حسابه في منصة إكس “هذا المشهد الخطير الذي يظهر فيه طلاب إحدى المدارس وهم يربطون رؤوسهم برباط أخضر و(يرتدون) لباسا أسود و(يحملون) بنادق خشبية للتدريب، ينبئنا للأسف، أننا على أبواب تحول فكري اجتماعي خطير، ربما يحاول فيه البعض خلق جيل متطرف ميليشياوي على غرار ما هو حاصل في بعض الدول العربية والمجاورة وهي ظاهرة خطيرة تهدد أمن واستقرار دول الخليج وتضع مستقبلها على كف عفريت إذا ما قدر لها أن تنمو وتستمر حتى تشب عن الطوق وتخرج عن السيطرة”.
وانتهى بتعليقه إلى إطلاق صفارة إنذار بشأن ما يهدد شباب السلطنة، قائلا “لذلك نطلق هذه الصرخة المدوية للجميع لوأد هذه الظاهرة في مهدها قبل أن تستفحل ويتم استزراعها في بقية دول المنطقة ونجد أنفسنا بعد حين نعض أصابع الندم وقد فات الأوان”.