الانقلابات تزيد المخاوف من تلاشي الديمقراطية في أفريقيا

بعد انقلابات عسكرية في خمس دول أفريقية مختلفة يرى البعض أن الديمقراطية قد لا تكون أفضل شكل من أشكال الحكم في القارة السمراء. لكن خبراء يقولون إنه على الرغم من الانتكاسات تبقى الديمقراطية السبيل الوحيد للمضي قدما بالنسبة إلى أفريقيا.

لمن الحكم؟

باماكو

شرعت فرنسا في سحب قواتها من النيجر بعد مرور بضعة أشهر على الانقلاب العسكري، الذي وقع في هذه الدولة الكائنة في غرب أفريقيا، حيث من المقرر أن يعود جميع الجنود الفرنسيين، البالغ عددهم 1500 جندي، إلى بلدهم قبل نهاية العام الجاري.

وليست هذه هي المرة الأولى التي تسحب فيها فرنسا قواتها من أفريقيا، حيث سحبت من قبل جنودها من كل من مالي وبوركينا فاسو، بعد وقوع انقلابين فيهما.

وجاءت الخطوة الفرنسية الأخيرة بعد الانقلاب الذي شهدته النيجر في يوليو الماضي، عندما استولى الجنرال عبدالرحماني تيجاني على السلطة في البلاد.

ولم تعترف فرنسا، القوة الاستعمارية السابقة للنيجر، بالحكومة الجديدة. كما لم تعترف بها دول غربية وأفريقية أخرى.

وأثار انقلاب النيجر المخاوف من أن تنجرف المنطقة برمتها إلى حافة عدم الاستقرار، بعد أن برز أمل أن تنجح المدن الأكثر نشاطا وحيوية بأفريقيا في جذب الاستثمارات الآخذة في النمو، في ظل تزايد اهتمام المستثمرين الأجانب بإقامة مشروعات في القارة.

وتشير الدراسات إلى أن لواندا وكيغالي ولاغوس ونيروبي توسعت في مشروعات الاقتصاد الرقمي، وتتمتع بشباب حاصلين على مستوى عال من التعليم، وبتنامي الطبقة المتوسطة وازدهار الابتكار.

غير أنه لا تزال ثمة مشكلات، مثل الفقر والصراعات ونزوح السكان، حيث شهدت منطقة جنوب الصحراء الأفريقية أكثر من 15 صراعا تسبب في معاناة المدنيين من العنف، خلال العام الجاري وحده، وفقا لما تقوله منظمة هيومن رايتس ووتش الحقوقية.

وعلى سبيل المثال يشهد السودان اقتتالا شرسا بين الجيش النظامي وقوات الدعم السريع المنافسة منذ شهر أبريل الماضي، وخارج العاصمة الخرطوم تركز القتال في إقليم دارفور الغربي، حيث تقول الأمم المتحدة إنه يتم ارتكاب جرائم حرب بدوافع عرقية.

وفي منطقة الساحل بالغرب الأفريقي عانت كل من مالي والنيجر وبوركينا فاسو، منذ عام 2012، من الجماعات الإسلامية المسلحة التي بايعت ميليشيا داعش أو شبكة القاعدة الإرهابية.

ويتولى السلطة الآن حكام ينتمون إلى الجيش، في كل من النيجر ومالي وبوركينا فاسو وغينيا وتشاد، في أعقاب سلسلة من الانقلابات.

وشهدت أثيوبيا سنوات من الحرب الأهلية في إقليم تيغراي الشمالي، وأيضا تصاعد أعمال العنف بين الحكومة المركزية ومجموعة الأمهرة العرقية، التي تعيش في إقليم أمهرة الذي يتاخم تيغراي من ناحية الجنوب.

وإذا انتقلنا إلى جمهورية الكونغو الديمقراطية الكائنة في شرق أفريقيا، والتي توجد فيها احتياطيات كبيرة من النحاس والماس والكوبالت والذهب والكولتان (خام طبيعي يستخدم في تصنيع الأجهزة الحديثة)، نجد أن المجموعات المتمردة أخذت تشن هجمات طوال عقود، حيث سعت الجماعات المتنافسة إلى الاستفادة من الموارد التعدينية في المنطقة.

وأيضا في المنطقة الشمالية من موزمبيق، التي يوجد بها مشروع غاز مسال لشركة توتال الفرنسية للطاقة باستثمارات تقدر بمليارات الدولارات، ظل المتمردون الإسلاميون يشنون هجمات مستمرة منذ 2017.

وتقاتل نيجيريا، التي تمثل أكبر اقتصاد في القارة الأفريقية، على عدة جبهات؛  فهي تواجه العصابات الإجرامية في الشمال الغربي وميليشيا بوكو حرام الإرهابية في الشمال الشرقي، وتحاول السيطرة على المعارك العنيفة حول الأرض بين الرعاة والمزارعين في وسط البلاد، كما تواجه أعمال العنف في الجنوب، التي تستعر من حين لآخر حول السيطرة على حقول النفط.

وفي الصومال أدت الهجمات التي تشنها ميليشيا الشباب الإرهابية إلى زعزعة استقرار هذه الدولة لأكثر من عقد من الزمان، وتسيطر هذه الميليشيا على أجزاء كبيرة من الجنوب.

وأسباب هذه الصراعات معقدة؛ إذ يشير المحللون السياسيون إلى عدة أسباب ذات أبعاد مختلفة، من بينها الفشل السياسي والاقتصادي البالغ، والفقر والبطالة وفساد النخب وضعف أداء الحكومات، إلى جانب الاعتماد على صادرات المواد الخام. كما أن الدور الكبير الذي يقوم به الجيش في السياسات الداخلية يعد عاملا حاسما في الكثير من الدول.

وعلى صعيد آخر تعد تركة الاستعمار مؤثرة للغاية؛ إذ تقول دراسة نشرها المعهد الدولي للدراسات الإستراتيجية بجنوب أفريقيا، إنه “في ظل النظام الحالي (أو انعدام النظام) متعدد الأقطاب، نلاحظ تدخل القوى الغربية (الولايات المتحدة وفرنسا) والقوى الصاعدة (الصين وروسيا وتركيا) في القارة الأفريقية لتحقيق مصالح متباينة، ومتناقضة في الغالب”.

وتضيف الدراسة أنه حتى في العصر الاستعماري كانت القوى الكبرى التي لها مصالح في أفريقيا تدعم بشكل متعمد المجموعات المتنافسة لتعميق خطوط التصدع الداخلية وتصعيد أعمال العنف.

كما أن التغير المناخي يضع بدوره ضغوطا متزايدة على اقتصاديات المنطقة، حيث أصبحت الظواهر المناخية المتطرفة، مثل موجات الجفاف والفيضانات والعواصف الاستوائية، جزءا من الحياة اليومية في الكثير من أنحاء أفريقيا.

ويقول فيليب أوسانو، مدير المركز الأفريقي بمعهد استكهولم للبيئة، إن “السكان يموتون أو يضطرون إلى الفرار من هذه الظواهر المناخية القاسية، ويفقدون كل ممتلكاتهم”، ويضيف أن” قدرة التغير المناخي على تصعيد الصراعات العنيفة واضحة في أفريقيا”، ويشير إلى أن الصراعات المتزايدة من أجل الحصول على الموارد الطبيعية ستؤدي إلى المزيد من التوترات.

ومع ذلك ثمة إمكانات لإحلال السلام، ولتحقيق ذلك ينبغي تحديد الأسباب متكررة الحدوث، بدلا من محاربة الأعراض وحدها، وفقا لما يقوله ريموند جيلبين المحلل بمركز أفريقيا للدراسات الإستراتيجية، وهو يحدد مجموعة من القضايا تشمل السيطرة على الموارد التعدينية، وسعي الاستعمار الجديد للاستحواذ على السلطة، والجريمة والإرهاب، إلى جانب العناصر الخارجية المسببة للمتاعب مثل المرتزقة الروس.

ويرى جيلبين أن المحاولات الرامية إلى إنهاء العنف في عدد من الدول الأفريقية، من خلال حملات للقضاء على حركات التمرد أو فرض عقوبات اقتصادية أو إجراء انتخابات سريعة، تؤدي في الغالب إلى نتائج عكسية، ويقول “يمكن تحقيق أكثر من ذلك، من خلال مقاربات شاملة وبعيدة المدى”.