ظاهرة النينيو المناخية تهدد جغرافيا إنتاج الكاكاو في أفريقيا

يدفع استمرار تقلبات المناخ معظم منتجي الكاكاو في قارة أفريقيا إلى التأقلم مع تهديدات تقلص المحاصيل، والذي سوف يتسرب في شكل ارتفاع في تكاليف صناعة الشوكولاتة، التي تواجه وضعا ضاغطا من أجل الحفاظ على مستوى الإمدادات في الأسواق العالمية.

جني الثمار أصعب من بيعها!

ياموسوكرو

يواجه منتجو الكاكاو في أفريقيا ظروفا صعبة هذه الفترة بسبب تأثيرات ظاهرة النينيو المناخية، والتي دمرت مزارعهم وجعلت الأشجار مصابة بالعفن إلى درجة أن معظمها تدمر جراء الضرر الكبير التي تعرضت له، مما سيؤدي إلى تقلص الإنتاج.

وتتجلى هذه الأزمة في ساحل العاج وغانا، الدولتين صاحبتي الثقل في إنتاج الكاكاو عالميا، مع ما يترتب على ذلك من عواقب على تضخم الأسعار وما سينجر عنه من تكاليف إضافية على مصنعي الشوكولاتة.

ولا يستطيع نيستور نجيسان، صاحب مزرعة في ساحل العاج، إنقاذ الأشجار من مرض القرون السوداء، وقد ركز جهوده على عزل ما تبقى لديه من أشجار صالحة، حيث يدعم بعضها حفنة فقط من براعم الكاكاو.

وقال أثناء قيامه بتقليم الأشجار “كان عليّ إنشاء حدود لمنع تلوث بقية المزرعة”. وأكد أن “العائدات منخفضة والطقس لم يساعدنا”.

وتتزامن منغصات تغيرات المناخ مع عمليات الإنتاج الزراعي عموما، بينما يناقش قادة الدول وقطاع الأعمال والخبراء سبل تخفيف وقع الاحتباس الحراري على كوكب الأرض في مؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ (كوب 28)، الذي تحتضنه دبي حاليا.

وتؤدي الأمطار الغزيرة بسبب النينيو إلى انخفاض الإنتاج وتأخير الحصاد، كما يؤدي النقص الناتج عن ذلك إلى دفع أسعار الجملة في نيويورك إلى أعلى مستوياتها منذ 46 عاما.

ووفقا لشركة ماكسار تكنولوجيز، فقد بلغ إجمالي هطول الأمطار في غرب أفريقيا منذ بدء موسم الأمطار في مايو الماضي أكثر من ضعف المتوسط خلال ثلاثة عقود.

ويتفاقم الضرر الذي يلحق بالعائدات بسبب صراع المزارعين الطويل مع السلطات من أجل الأجور، مما لا يترك لهم سوى القليل من المال لضخه.

وهذه هي فترة الحصاد الرئيسية، حيث يحول الطوفان المستمر الطرق الترابية إلى مستنقعات غير سالكة، ويقتلع الزهور قبل أن تتفتح، ويعزز تكاثر العدوى الفطرية التي تحول قرون الكاكاو بحجم كرة الرغبي إلى هريسة سوداء.

ومن المتوقع أن يكون إنتاج غانا الأدنى منذ 13 عاما، وفي ساحل العاج سيكون في أقل مستوى منذ سبعة أعوام، استنادا إلى الإجمالي المقدم من التجار والمصدرين.

وينتج البلدان معا حوالي 60 في المئة من حبوب الكاكاو سنويا، وفقا للمنظمة الدولية للكاكاو.

ويتم تداول العقود الآجلة الأكثر نشاطا عند أعلى مستوياتها منذ 1977 في بورصة نيويورك، فقد ارتفعت إلى أكثر من 4200 دولار للطن، حيث يعادل هذا السعر 50 برميلا من النفط.

وقال فؤاد أبوبكر، الرئيس التنفيذي لشركة غانا لتسويق الكاكاو المحدودة التابعة للحكومة، والتي تبيع وتصدر الكاكاو الفاخر، لوكالة بلومبرغ إن “هذه سوق صاعدة، ولم تبلغ ذروتها بعد والمزيد من المخاطر تنتظرنا”.

ومع وصول السكر أيضا إلى أعلى مستوى له منذ عقد من المرجح أن ينفق المستهلكون المزيد لشراء ألواح الشوكولاتة والبسكويت والكاكاو الساخن مع اقتراب أعياد الميلاد.

وتتوقع وزارة الزراعة الأميركية أن ترتفع أسعار السكر والحلويات بنسبة 8.9 في المئة هذا العام وبنسبة 5.6 في المئة أخرى في العام المقبل، وهو ما يتجاوز إجمالي التضخم في أسعار الغذاء.

وبسبب ارتفاع التكاليف ستزيد مونديليز إنترناشيونال، صانعة ألواح توبليرون وبسكويت أوريو، الأسعار خلال 2024، حسب ما صرح به رئيس الشركة ديرك فان دي بوت لتلفزيون بلومبرغ في نوفمبر الماضي. وقالت شركة كواليتي ستريت للحلويات إنها ستفعل الشيء نفسه.

وسيكون من المنطقي استنتاج أن المزارعين يستفيدون من المكافأة، لكنهم في الواقع ليسوا كذلك حتى مع إضافة علاوة قدرها 400 دولار للطن إلى سعر السوق باعتبارها فارق الدخل المعيشي.

وتخضع أسواق الكاكاو في ساحل العاج وغانا لرقابة صارمة من قبل حكومتي البلدين، وعادة ما يبيع المنظمون الحبوب للمشترين الأجانب قبل 12 شهرا على الأقل.

ويعني هذا أن الأموال التي يتم دفعها للمزارعين مقابل محصول الموسم الحالي تم حجزها منذ عام تقريبا، عندما كانت العقود الآجلة عند 2500 دولار للطن.

وقال محمود خياط، كبير التجار في شركة آيفوري كاكاو برودكتس، إنه “بأسعار باب المزرعة الحالية لا يتم تحفيز المزارعين على الذهاب إلى المزارع”. وأضاف أنه لو كانت الأسعار مرتفعة لكان يسبح ليحصل على الكاكاو.

وينتظر المزارعون نتائج مفاوضات حكومة ساحل العاج للموسم المقبل مع كبار المشترين مثل باري كاليبو أي.جي وكارغيل وأولما إنترناشيونال.

ودخل الطرفان في مواجهة بالفعل. وذكرت مصادر مطلعة لبلومبرغ أن العديد من الموردين قاموا بتأجيل مشترياتهم من الكاكاو لأنهم يريدون تخفيضا.

وعادة ما يكون هناك دافع إلى زراعة المزيد من الشتلات للاستفادة من الطفرة، لكن العديد من المزارعين أسرى المطر ولا يستطيعون استئجار المزيد من الأيدي العاملة، أو استخدام المزيد من الأسمدة، أو شراء المواد الكيميائية اللازمة لدرء قرون الكاكاو السوداء.

وتتميز التربة الموجودة في قطعة أرض صامويل أدو، التي تبلغ مساحتها 12 فدانا في منطقة سوهوم بغانا على بعد حوالي 65 كيلومترا شمال العاصمة أكرا، بقوام رملي؛ وهو ما يجعل زراعة الكاكاو أكثر صعوبة حتى في أفضل الظروف.

وبعد هطول أمطار غزيرة أثمرت كل شجرة تقريبا قرون كاكاو كانت إما متعفنة أو تتحول إلى اللون الأسود.

والطريقة الوحيدة لترويض انتشار المرض هي أن يقوم أدو برش براعم الكاكاو كل أسبوعين، لكن التكاليف الباهظة تمنعه من ذلك.

وقال أدو “لم يسبق أن تعرضت مزرعتي لهجوم بهذا السوء منذ أن بدأت زراعة الكاكاو، وما أكسبه لا يكفي لإعادة الاستثمار في المزرعة”.

وسيؤدي نمط الطقس الناجم عن النينيو إلى المزيد من الصعوبات مستقبلا مع انتشار الجفاف عادة في جميع أنحاء غرب أفريقيا.

وقال أبوبكر إن “الإنتاج العالمي لم يلبّ الطلب خلال الموسمين الماضيين، ومن المتوقع أن يظل على هذا النحو لعدة سنوات أخرى”.

وأضاف أن “استجابة العرض لن تكون فورية وسيستغرق ارتفاع الأسعار بعض الوقت لتعزيز الإنتاج”.

وفضلا عن ذلك من المرجح أن تؤدي لوائح إزالة الغابات الصادرة عن الاتحاد الأوروبي، وهو مركز رئيسي لمحاصيل غرب أفريقيا، إلى تصاعد التكاليف حيث يتم تتبع الحبوب عبر سلسلة التوريد.

وفي هذا الوقت من العام يجب أن تعمل مصانع المعالجة في سان بيدرو، مركز التصدير الرئيسي لساحل العاج، بكامل طاقتها لتنظيف الحبوب وتبخيرها وتعبئتها في أكياس تزن 65 كيلوغراما وجاهزة للشحن.

ومع ذلك بلغ إجمالي الشحنات في الموسم الذي بدأ مطلع أكتوبر الماضي 479.4 طن، مقارنة بما يقدر بنحو 707.2 طن في العام الماضي، أي انخفاض بنسبة 32 في المئة.

وأجبرت ندرة الإمدادات شركة تحويل المنتجات الزراعية في ساحل العاج، التي يمكنها معالجة أكثر من 1500 طن يوميا، على إيقاف تشغيل أحد أجهزتها مؤخرا.

وأصبحت الشركة الآن تستقبل 20 شاحنة يوميا قياسا بنحو 26 شاحنة قبل عام، وبات الشريان المؤدي إلى سلة الكاكاو أكثر صعوبة مع غزارة الأمطار.

وقال الاتحاد الوطني لعمال الرصيف، الذي يمثل العمال في الموانئ الرئيسية في ساحل العاج، إن “هذا الموسم غير طبيعي”.

وخلال الأسبوع الماضي أحصى الاتحاد 29 شاحنة في سان بيدرو و32 شاحنة في أبيدجان، مقارنة بنحو 70 و61 شاحنة تواليا قبل عام.

وأوضح الاتحاد لبلومبرغ في بيان أن “تدفق وصول محصول الكاكاو منخفض للغاية وتمت إعادة توزيع الأعضاء، الذين عادة ما يكونون منشغلين جدا بتفريغ أكياس الكاكاو من الشاحنات، على وظائف أخرى”.

وتدفع الظروف المناخية الصعبة والأجور المنخفضة بعض المزارعين إلى التخلي عن حبوبهم لصالح سلع أخرى، لاسيما المطاط والذهب.