ماكرون يبحث عن دور تحت الأضواء من بوابة الحرب في غزة

لقاءات على هامش كوب 28

دبي

كان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يأمل في البناء على “ديناميكيات” الهدنة بين إسرائيل وحماس للترويج لمواقف بلاده وبدء رسم مشهد ما بعد الحرب، لكنّ وصوله إلى مؤتمر الأمم المتحدة للمناخ المنعقد في دبي تزامن مع استئناف القتال في غزة.

وجاء انتهاء الهدنة التي تمّ التوصل إليها بوساطة قطرية مدعومة من مصر والولايات المتحدة وأتاحت الإفراج عن رهائن لدى حماس، ليعيق جهوده خلال رحلة جسّدت الصعوبة التي يواجهها الرئيس الفرنسي، لإيجاد طريقة للتأثير على هذه الأزمة الدولية الكبرى.

أجرى ماكرون الجمعة لقاءات على هامش مؤتمر المناخ (كوب 28) مع عدد من القادة المعنيين بالنزاع الذي اندلع إثر هجوم غير مسبوق شنّته حركة حماس في السابع من أكتوبر على إسرائيل التي ردّت بقصف عنيف ومتواصل على غزة حتى إعلان الهدنة في 24 نوفمبر.

فخلال لقائه نظيره الإسرائيلي إسحق هرتسوغ، دعا ماكرون إلى استئناف الهدنة في أسرع وقت ممكن على أمل أن يؤدي ذلك إلى وقف دائم لإطلاق النار.

وقالت وزير الخارجية الفرنسية كاترين كولونا الجمعة “نطالب باستئناف الهدنة. لا بد من ذلك. إنه لأمر ضروري للاستمرار في الإفراج عن الرهائن… وكذلك لإدخال المزيد من المساعدات الإنسانية” إلى غزة.

وأضافت أمام الصحافيين أن استئناف الهدنة ضروري أيضًا “لمواصلة التفكير في ما سيأتي لاحقًا… لاستعادة الأفق السياسي وإعادة النقاشات الملموسة إلى الطاولة حول كيفية تعزيز السلطة الفلسطينية” كي تتمكن من تولي إدارة قطاع غزة في المستقبل “وتحقيق حل الدولتين” باعتباره الوحيد “القابل للتطبيق”، وفق قولها.

وخلال لقاءاته مع الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي ورئيس الإمارات الشيخ محمد بن زايد آل نهيان والعاهل الأردني الملك عبدالله الثاني، وتحت ضغط الرأي العام أمام مقتل الآلاف من المدنيين الفلسطينيين، شدّد ماكرون رغم ذلك على ضرورة إدانة أفعال حماس بوضوح، وحاول تنسيق العمليات الإنسانية.

وأخيرًا، أبلغ ماكرون رئيس الوزراء اللبناني نجيب ميقاتي أن من مصلحة حزب الله ضبط النفس لتجنب تصعيد إقليمي، وفق ما أفادت أوساط الرئيس الفرنسي.

وكان يُفترض أن يقوم ماكرون بجولة أوسع نطاقًا في الشرق الأوسط لكن في نهاية المطاف اعتبر الإليزيه أن حضور عدد كبير من المعنيين بالنزاع بين إسرائيل وحماس إلى دبي سيجعل من المؤتمر لقاءً مناخيًا دبلوماسيًا في آن.

لكن التوقعات من الزيارة أُحبطت جزئياً. فلم يحضر ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان الذي كان من المقرر أن يلتقيه ماكرون خلال المؤتمر. ولم يتسنَّ عقد اجتماع بين ماكرون وعدد من القادة العرب في الوقت نفسه، علمًا أن الرئيس الفرنسي كان يأمل بذلك إذ أن لقاء من هذا النوع يتيح له إيصال رسالته بشكل أقوى.

أما رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو والرئيس الفلسطيني محمود عباس فلم يحضرا إلى دبي. ولا يتضمن برنامج ماكرون زيارة إلى إسرائيل أو رام الله.

وترى أنييس لوفالوا من معهد الأبحاث والدراسات بشأن المتوسط والشرق الأوسط أن “فرنسا، وماكرون، غير قادرَين على إيجاد مكانتهما فعليًا في هذه الأزمة”.

وتشير إلى أن الرئيس الفرنسي فقد بعضًا من مصداقيته عندما أطلق نهاية أكتوبر من القدس، دون أن يمهد الطريق لذلك، فكرة ضمّ دول عربية إلى تحالف دولي لمحاربة حماس. وتلفت إلى أنه، وبعد تعرضه لانتقادات بسبب انحيازه الواضح لإسرائيل، قد تكون دعوته إلى “التوقف” عن قصف المدنيين قد أدت إلى توتير علاقته بنتنياهو.

وأثار انحياز ماكرون لإسرائيل خلافات داخل الدبلوماسية الفرنسية نفسها، حيث حرر عدد من السفراء رسالة وأرسلوها إلى وزارة الخارجية وإلى قصر الإليزيه معلنين فيها عن شعورهم بالإحباط بسبب موقف بلادهم من الحرب، وحذّروا من أن ذلك قد يفقد فرنسا مصداقيتها وتأثيرها في العالم العربي.

ونقلت صحيفة “لوفيغارو” الفرنسية واسعة الانتشار عن مصادر دبلوماسية قولها إن عددًا من سفراء فرنسا في العالم العربي وقّعوا وثيقة انتقدوا فيها سياسة ماكرون وموقفه من الحرب وقالوا “إن موقفنا الداعم لإسرائيل لم يكن مفهومًا في الشرق الأوسط منذ البداية”.

وعارض الموقعون (عددهم عشرة) ما سمّوه “انحراف” الموقف المؤيد للدولة العبرية، مؤكدين أن ما قام به الرئيس أحدث قطيعة مع موقف فرنسا السابق من الصراع في الشرق الأوسط، وهو موقف “تقليدي متوازن بين الإسرائيليين والفلسطينيين”.

وأظهر الرئيس الفرنسي خلال جولته في المنطقة خلال الأيام الأولى للحرب انحيازا واضحا لإسرائيل. وعقب لقائه الرئيس المصري قال ماكرون إنه يريد أن يذكّر الجميع بـ”حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها”.

وتابع قائلا للصحافيين في مصر “تعترف فرنسا بحق إسرائيل في الدفاع عن نفسها. وفي ما يتعلق بالتدخل البري، إذا كان يستهدف بالكامل الجماعات الإرهابية فإن هذا خيار مطروح أمامها، ولكن إذا كانت عملية واسعة النطاق من شأنها أن تعرض السكان المدنيين للخطر، ففي هذه الحالة أعتقد أن ذلك سيكون خطأ من قِبل إسرائيل”. وشدد في مستهل جولته التي بدأها بزيارة تل أبيب أن فرنسا وإسرائيل تعتبران الإرهاب “عدوهما المشترك”.

وقال مشيرا إلى رغبته في توسيع التحالف ضد داعش ليشمل حماس “فرنسا مستعدة لأن يحارب التحالف الدولي ضد داعش، والذي نشارك فيه ضمن عمليات في العراق وسوريا، (ومستعدة لمحاربة) حماس أيضا”، مشددا على أن القتال ضد حماس “يجب أن يكون بلا رحمة ولكن ليس دون قواعد”. وتعتبر لوفالوا أن البحث عن التوازن “بناءً على ردود الفعل” يربك إستراتيجيته.

ويواجه إيمانويل ماكرون راهنًا صعوبتين؛ فعلى الجانب الإسرائيلي، لا يخفي دبلوماسيون فرنسيون قلقهم إزاء العمليات العسكرية التي تستهدف أيضًا مناطق جنوب قطاع غزة، خلافًا لتعهّد تل أبيب بأن تكون هذه مناطق “آمنة” للمدنيين. كما يطرحون أسئلة بشأن توعد السلطات الإسرائيلية “بالقضاء” على حماس، خشية من أن يؤدي ذلك، دون عملية محددة الهدف، إلى سقوط المزيد من الضحايا المدنيين.

وتوازيًا، تبحث فرنسا عن صيغة لتعزيز السلطة الفلسطينية المتعثرة. لكن في كلتا الحالتين، لا تملك باريس وسائل ضغط. أما بالنسبة إلى حلّ الدولتين الذي دافعت عنه بشدة، فلا أحد يرى فعليًا الطريق الذي يؤدي إلى تحقيقه.

وتؤكد لوفالوا أن “إيمانويل ماكرون لا يستطيع تحقيق ذلك بمفرده”. وتضيف “في المقابل، لدى أوروبا وسائل تأثير قوية، وهناك ورقة حقيقية بيد أوروبا يمكن أن تطرحها”، معربةً عن أسفها لعدم استخدامها في هذه المرحلة.