اهتمام على غير العادة بتأثير التغيرات المناخية على الصحة في كوب 28

جهود لتفادي الأسوأ

دبي

شرح أحد المتخصصين الطبيين أثناء إجراء بحث في مرتفعات إثيوبيا قبل سنوات كيفية انتشار حالات الملاريا سنويا في المنطقة. ومكّن ارتفاع درجات الحرارة من تواجد البعوض الحامل للطفيليات على ارتفاعات أعلى، مما تسبب في إصابة جماعات جديدة.

وأصبح الأمر يتكرر في جميع أنحاء العالم بينما نشهد تأثير حالة الطوارئ المناخية على الصحة العالمية بشكل غير مسبوق.

وتقرّر تخصيص يوم كامل هذا الأسبوع خلال مؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغيُّر المناخ (كوب 28) في دبي لمناقشة التحديات الصحية العالمية التي تفرضها حالة الطوارئ المناخية.

ويقول الباحثان مايكل جينينغز وسنديكيشن بيورو “قد تكون هذه المرة الأولى التي تحظى فيها الصحة بهذا الاهتمام في اجتماع مؤتمر الأطراف، حيث أن الأدلة على تأثير حالة الطوارئ المناخية على الصحة واضحة ومتنامية”.

وتشير تقديرات منظمة الصحة العالمية إلى أن 250 ألف حالة وفاة إضافية ستحدث سنويا نتيجة نقص التغذية الناجم عن تغير المناخ والملاريا والإسهال والحرارة وحدها.

ويؤثر تغير المناخ على الصحة بطريقتين رئيسيتين. أولا، التأثير المباشر الناجم عن موجات الحر والعواصف والفيضانات وغيرها من الظواهر الجوية المتطرفة.

وشهدت مدينة فينيكس الأميركية على سبيل المثال زيادة بنسبة 50 في المئة في عدد الوفيات المرتبطة بالحرارة نتيجة الموجات الصيفية التي ضربت أجزاء كبيرة من الولايات المتحدة. وأصبحت العواصف أكثر كثافة وعددا، ويتوسّع نطاق حرائق الغابات ويرتفع عددها، وتُباغت الفيضانات المجتمعات مما سيزيد من الأضرار البشرية.

وثانيا، يمكن أن يفاقم تغير المناخ الأمراض الموجودة ويسهم في انتشارها. وسُجّلت حمى الضنك على سبيل المثال في تسع دول فقط خلال 1970 وهي الآن موجودة في أكثر من 100 دولة.

ويمكن أن يسهّل ارتفاع درجات الحرارة في البر والبحر انتشار الكوليرا وغيرها من الأمراض.

ويتسبّب تلوث الهواء، الذي لا يساهم في ارتفاع درجات الحرارة فقط بل يزداد سوءا بسبب هذا الارتفاع، في وفاة حوالي 6.7 مليون شخص سنويا.

وسينتشر نقص التغذية والجوع حين يتقوّض إنتاج الغذاء بسبب زيادة ملوحة التربة نتيجة ارتفاع منسوب مياه البحر أو الحرارة أو التغيّر الذي يشهده موسم الأمطار.

ولم يتحوّل الاهتمام إلى تأثير تغير المناخ على الصحة العقلية إلا مؤخرا. ومن الواضح أن المشكلة سائدة.

ويعدّ الضغط في ظل الكوارث المرتبطة بحالات الطوارئ المناخية سببا رئيسيا للاكتئاب واضطراب ما بعد الصدمة والقلق. وشهدنا صياغة مصطلح جديد لوصف الضيق الناجم عن مشاهدة التغيرات العميقة في البيئات التي نعيش فيها، وهو “السولاستالجيا”.

وأصبحت قدرة النظم الصحية على الاستجابة تواجه تحديا بسبب تدهور المناخ أيضا. وأصيب خُمس المرافق الصحية في بورتوريكو ضمن المناطق الأكثر تضررا بعد تعرضها لإعصارين بالغي الشدة ومتتابعين خلال فترة قصيرة سنة 2017.

وكانت أقل من نصف المرافق الصحية في دومينيكا المجاورة غير قادرة على المساعدة. ودمّر إعصار راي القوي الذي شهدته الفلبين خلال 2021 أكثر من 220 منشأة صحية في غضون ساعات قليلة. وتشتد الحاجة إلى تعزيز قدرة النظم الصحية على الصمود.

وتبرز الخسائر التي تكبّدتها الصحة العالمية بسبب حالة الطوارئ المناخية بالفعل. ولكنها غير متوازنة، حيث تعاني البلدان الفقيرة أكثر من غيرها على الرغم من أنها تنشر أقل قدر من الغازات الضارة في الغلاف الجوي.

ويبقى الأشخاص الأكثر عرضة لتأثيرات الصحة البدنية والعقلية هم أقل المساهمين في العمليات التي تسبب تغير المناخ. وتزداد هذه الحصيلة مع ارتفاع درجات الحرارة.

ويظل إيلاء أهمية أكبر للتأثيرات الصحية الناجمة عن حالة الطوارئ المناخية في كوب 28 أمرا تأخر كثيرا. وستركز المحادثات على ثلاثة مجالات مهمة تدرس جعل النظم الصحية أكثر مرونة، وزيادة نسبة تمويل المناخ الذي يستهدف الصحة العامة خاصة، وتضمين الصحة في السياسات المناخية.

ورغم كون هذه الأهداف جديرة بالاهتمام إلا أنها تشمل بعض الثغرات المثيرة للقلق. ويعدّ حجم الموارد المالية اللازمة لمعالجة تأثير تغير المناخ المتزايد على الصحة والنظم الصحية هائلا. ويندثر الأمل في توفير الموارد الكافية في هذه الجولة من المحادثات مع عدم وفاء الدول الأكثر ثراء بوعودها السابقة المتعلقة بتمويل الجهود المبذولة في العمل المناخي. كما أن غياب المناقشة المخطط لها خلال اليوم الصحي المدرج ضمن فعاليات كوب 28 حول الحد من استخدام الوقود الأحفوري يبدو فرصة ضائعة.

ويعتبر هذا مهما لأن الانبعاثات التي تسبب تغير المناخ تخلّف تأثيرات صحية مباشرة. وسيعني أي تأخير في الحد من الاعتماد على الوقود الأحفوري والتحول إلى الطاقة المتجددة استمرار الوفيات التي يمكن الوقاية منها بسبب الملوثات.

وقال ديارميد كامبل ليندرم، رئيس فريق منظمة الصحة العالمية المعني بتغير المناخ والصحة، “إن أي تأخير سيتسبب في الملايين من الوفيات”.

ورغم أهمية التركيز على تكيف الأنظمة الصحية مع تغير المناخ الذي أشاد به المنتقدون، يجب ألا تتجاهل مناقشة سبل التخفيف منها والتطرق إلى حلول إبطاء تغير المناخ والحد منه.

وقد يكون كوب 28 لحظة مهمة لدمج الصحة العامة العالمية في المناقشات والسياسات والتمويل المخصص لتغير المناخ.

وسيكون التخلص التدريجي من الوقود الأحفوري في النهاية ما سيحسن صحتنا جميعا، وخاصة الفقراء والفئات الأكثر ضعفا التي لم تلوّث ولكنها تواجه أسوأ آثار حالة الطوارئ المناخية.