حرس النظام الإيراني يقود قمعًا أشد: فصل جديد من القمع

حرس النظام الإيراني يقود قمعًا أشد: فصل جديد من القمع

موسى أفشار

في خطوة جديدة تثير قلقاً بالغاً بشأن نوايا النظام الإيراني لتعزيز قبضته القمعية على المجتمع، أعلنت وسائل الإعلام الحكومية في 3 يونيو/حزيران 2025 عن تشكيل “اجتماع لدراسة نموذج الإدارة المجتمعية المرتكزة على الأحياء

حرس النظام الإيراني يقود قمعًا أشد: فصل جديد من القمع

الخلیج بوست

في خطوة جديدة تثير قلقاً بالغاً بشأن نوايا النظام الإيراني لتعزيز قبضته القمعية على المجتمع، أعلنت وسائل الإعلام الحكومية في 3 يونيو/حزيران 2025 عن تشكيل “اجتماع لدراسة نموذج الإدارة المجتمعية المرتكزة على الأحياء”. ويهدف هذا الطرح، بحسب الزعم الرسمي، إلى إيجاد “أرضية آمنة لتقليل عدم المساواة، وتعزيز رأس المال الاجتماعي، وزيادة صمود المجتمع في مواجهة التهديدات”. لكن نظرة فاحصة على تركيبة المشاركين في هذا الاجتماع، والأهداف الحقيقية المعلنة والمبطنة، تكشف عن أن هذه “الإدارة المجتمعية” ليست سوى ستار جديد لمشروع قمعي أعمق وأكثر شمولاً، يهدف إلى تحويل المدن إلى خلايا مراقبة تحت السيطرة المطلقة لأجهزة النظام الأمنية والعسكرية، وفي مقدمتها حرس النظام الإيراني.

إن تركيبة المشاركين في هذا الاجتماع التأسيسي تكشف بوضوح عن طبيعة الأهداف الحقيقية وراء هذا الطرح، أكثر من أي عبارات منمقة. فقد ضم الاجتماع كلاً من: مسعود بزشكيان، وحسين سلامي القائد العام لحرس النظام الإيراني، ووزير الداخلية، ووزير الإرشاد، وقادة الباسيج. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا: ما علاقة قادة عسكريين وأمنيين مثل سلامي وقادة الباسيج بقضايا يفترض أنها مدنية واجتماعية بحتة مثل “تقليل عدم المساواة، وتعزيز رأس المال الاجتماعي، وإحداث تحول عميق في طريقة تقديم الخدمات”؟

ففي العرف السياسي الكلاسيكي، يُقصد بـ”عدم المساواة” الفجوة الطبقية، ويُقصد بـ”رأس المال الاجتماعي” أفراد المجتمع، ويُقصد بـ”تقديم الخدمات” مهام القوى الميدانية والإدارية للحكومة. هذه المفاهيم تقع ضمن مسؤوليات وزارات مثل الاقتصاد والطاقة والصناعة، وليس وزير الداخلية أو قائد حرس النظام الإيراني أو قادة الباسيج. إن هذه التركيبة الأمنية بامتياز لا تترك مجالاً للشك في أن الهدف الحقيقي ليس خدمة المواطنين، بل إحكام السيطرة عليهم ومراقبتهم بشكل لصيق.

إن العبارات العامة والمبهمة التي استخدمتها وسائل الإعلام الحكومية لوصف أهداف هذا الطرح، تخفي كالعادة، وراء واجهة “خدمة الشعب”، “كأساً مسمومة” موجهة ضده. فالرسالة الحقيقية التي يبعث بها هذا الاجتماع وهذه التركيبة من المسؤولين هي رسالة أمنية بحتة، هدفها فرض السيطرة المطلقة على أحياء المدن. وتصريحات حسين سلامي، قائد حرس النظام الإيراني، حول جاهزية 64 ألف قاعدة للباسيج للمشاركة في هذا الطرح، تكشف بوضوح عن الأبعاد العسكرية والأمنية والاستخباراتية لهذا المشروع، الذي يتم تسويقه بغطاء مزيف هو “تقديم الخدمات وتقليل عدم المساواة وتعزيز رأس المال الاجتماعي”. ومما يؤكد هذه الحقيقة هو ما جاء في العرض الأولي لهذا الطرح من تأكيد على “الإجراءات المتمحورة حول الباسيج”، حيث قيل: “الإدارة المجتمعية المرتكزة على الأحياء هي رؤية جديدة للحكم المحلي وتجميع للإجراءات الداعمة حول محور الباسيج، وتمنع التشتت” (تلفزيون شبكة خبر، 3 يونيو/حزيران 2025).

ليست هذه هي المرة الأولى التي يلجأ فيها النظام الإيراني إلى مثل هذه المشاريع القمعية تحت مسميات خادعة. فالشعب الإيراني يحمل ذكريات مريرة ودامية من مخططات مشابهة على مدى العقود الماضية، مثل “الباسيج المجتمعي المرتكز على الأحياء” الذي كانت وظيفته الأساسية التجسس على المواطنين، واصطياد معارضي النظام، وفي كثير من الحالات اعتقالهم وقتلهم، وهي ممارسات لا تزال مستمرة.

كما تجرع طلاب المدارس في إيران مرارة الأذى النفسي العميق جراء ما يسمى “بدائرة التوجيه العقائدي والسياسي” في المدارس، تلك الدوائر التي لم تكن سوى ستار لتحويل المؤسسات التعليمية إلى أوكار للتجسس عليهم وعلى عائلاتهم، وزرع بذور الفرقة والخوف بينهم. ولم يسلم طلاب الجامعات من هذا القمع الممنهج، حيث ذاقوا الأمرين على يد ما يسمى “بالباسيج الطلابي”، تلك الأداة القمعية التي نشرت ثقافة الكراهية والعنف في أروقة الجامعات، وحولتها إلى ساحات لملاحقة الفكر الحر وقمع أي صوت معارض.

وبالنظر إلى التركيبة الأمنية والعسكرية لإدارة هذا الطرح الجديد، وبالنظر إلى جميع التجارب المريرة والدامية للشعب الإيراني مع هذه النماذج، يتضح أن الهدف من “الإدارة المجتمعية المرتكزة على الأحياء” ليس سوى تحويل المدن إلى “خلايا مجتمعية” تخضع للسيطرة المطلقة لعملاء النظام، ولا شيء غير ذلك. ومما لا شك فيه أن أحد الأهداف الرئيسية لهذا الطرح هو مواجهة جيل الشباب المنتفض والمتمرد الذي يرفض الخضوع لإملاءات النظام، والذي يتجلى نشاطه في وحدات الانتفاضة.

إن المشكلة الأساسية للمجتمع الإيراني مع نظام الملالي تنبع من محورين رئيسيين: الفجوة الطبقية الهائلة والقمع السياسي. وفي كلا المحورين، يواجه النظام موجات عارمة من الاحتجاجات والإضرابات والمقاطعة الاجتماعية والثقافية والسياسية من قبل غالبية الشعب الإيراني. وفي ظل هذه الإمكانات الانفجارية الهائلة في المجتمع الإيراني، وتكاثر وحدات الانتفاضة، يجب اعتبار طرح “الإدارة المجتمعية المرتكزة على الأحياء” مشروعاً للسيطرة والقمع يتمحور حول حرس النظام الإيراني.

ومن المفارقات أن هذا الطرح، الذي يهدف إلى إحكام القبضة الأمنية، سيصطدم حتماً بجدار الرفض والكراهية العميقة التي يكنها غالبية الشعب الإيراني لنظام الولي الفقيه بشكل عام، ولحرس النظام الإيراني “القاتل” بشكل خاص. وكما حدث مع مشروع “العفاف والحجاب” اللاإنساني، فإن الآثار العكسية لهذا الطرح الجديد ستزيد من اضطراب هيكل وجسد النظام المتهالك، وستعجل بسقوطه الحتمي.