ما يمنع الإبداع العربي من الوصول إلى العالمية؟

الروائي حمدي أبوجُليل يرى أن الجوائز العربية تسهم في ترجمة بعض الأعمال الأدبية إلى لغات أخرى غير أنها لا تتجاوز الإجراءات الآلية للترجمة.

مصطفى عبيد

احتفت مؤسسات ثقافية في كثير من الدول العربية في الثلاثين من سبتمبر الماضي باليوم العالمي للترجمة عبر مبادرات جديدة لتوسيع نطاق الأدب المترجم إلى العربية، بهدف نشر الإبداعات والعلوم الجديدة شرقا وغربا. لكن ما زالت حركة الترجمة من العربية قاصرة وهو ما سبّب غياب الآداب العربية عن القارئ مقارنة بغيرها من الآداب الأخرى.

بدا الأمر محمودا من النُخب المثقفة باعتباره إطلالة لازمة على الآخرين، واقترابا أكثر من كتاباتهم ومعارفهم، ما يُحقق قدرا من التسامح ويوسع من مدارك الإبداع والمعرفة لدى المجتمعات العربية.

وكان من الملاحظ أن مصطلح الترجمة المستخدم في تلك المبادرات بات قاصرا لدى بعض المؤسسات الرسمية على التعبير عن الترجمة من كافة لغات العالم إلى العربية، دون اهتمام بحركة ترجمة معاكسة تعرض للعالم الواسع إبداعات العرب من روايات، وقصص، ومسرحيات، وأشعار.

بصمات غائبة عالميا

أصبحت فرص الترجمة إلى اللغات الأجنبية، وخاصة الإنجليزية، مقتصرة على كبار الكُتاب والأدباء، وإلى جانبهم مَن يفوزون بجوائز لها ثقلها، إذ تتضمن الجائزة ترجمة العمل الفائز إلى عدة لغات.

أدّى ذلك إلى غياب البصمات الواضحة للأدب العربي في الساحة العالمية، وما تبعه من عدم التفات واهتمام من إدارات الجوائز العالمية المعنية بالأدب، مثل نوبل، أو البوليترز، أو مان بوكر العالمية، بالإسهامات العربية الحديثة، وشيوع تصور عام بضحالة القيمة وضعف الأفكار لدى كتاب العالم العربي.

انقسمت الأوساط الثقافية إلى فريقين، الأول يرى أن هناك بالفعل تدنيا في المستوى العام للأدب العربي، دفع العالم الغربي المهموم بالقراءة إلى مقاطعة النصوص المترجمة عن العربية، ما أدّى بدوره إلى ضعف حركة الترجمة من العربية إلى اللغات الأخرى. بينما يرى الفريق الثاني، أن ثمة إبداعات جيدة تعتمد تقنيات فنية متطورة، وتطرح رؤى جديرة بالمُتابعة، لكنها مظلومة بحرمانها من الانتقال إلى لغات أخرى عبر وسيط الترجمة.


يقول الروائي المصري حمدي أبوجُليل، لـ”العرب”، علينا أن نعترف بأننا أمة “تابعة ومتخلفة عن ركب الحضارة الإنسانية مُنذ عدة عقود، وعلينا أولا أن نركز على ترجمة النصوص العالمية من كافة لغات العالم إلى العربية، قبل أن نفكر في نقل كتاباتنا إليهم”.

ويؤكد أن الترجمة من العربية تنبع من حاجة الآخر إلينا وليس من حاجتنا نحن إليه، وبالتالي فالأجنبي سوف يسعى إلى ترجمة أعمالنا، إذا وجد في أدبنا ما يفيده، والجهد المبذول لترجمة الآداب العربية تحت زعم تعريف الآخرين بنا وبثقافتنا “عبثي انتهى إلى فشل معظم المشروعات والأفكار المطروحة في هذا الصدد”.

ويضيف، علينا أولا إيجاد الحاجة إلى قراءة الروايات والحكايات العربية لدى مواطن في السويد أو النرويج لا يعرف المنطقة العربية إلا عبر نشرات الأخبار المهتمة بحوادث العنف.

ويرى أبوجُليل، أن الجوائز العربية تسهم في ترجمة بعض الأعمال الأدبية إلى لغات أخرى، غير أنها لا تتجاوز الإجراءات الآلية للترجمة ولا تعمل على تسويق الآداب العربية في كبرى متاجر الكتب العالمية. في تصور البعض من الأدباء، إن ترجمة نصوص رديئة لكُتاب ضعيفي المستوى الفني أسهم في شيوع نظرة سلبية تجاه الأدب العربي المعاصر، ودفع مؤسسات الكُتب العالمية إلى استبعاد البحث عن روايات أو قصص لكتاب عرب.

يشير الروائي السوداني حامد الناظر، إلى أن معظم الأعمال التي تتم ترجمتها نصوص أدبية رديئة، قد تحوي لفتات سياسية، لكنها بعيدة تماما عن جمهور القراءة الغربي. ويقول لـ”العرب”، من الغريب أن العالم الغربي لا يلتفت في الآداب المترجمة حاليا سوى إلى الكتابات الكلاسيكية لجيل الرواد، مثل نجيب محفوظ والطيب صالح ويوسف إدريس وحنا مينا وجبرا إبراهيم جبرا وغيرهم، فهي وحدها في تصور المكتبات العالمية الكبرى تستحق القراءة. هناك مَن يرون أن الأزمة الحقيقية لا تكمن في الأدباء والمبدعين، وإنما في المترجمين أو الوسطاء، الذين تراجع مستواهم نتيجة تدهور التعليم.

الترجمة من العربية إلى الإنجليزية أو أي لغة أخرى تعتبر نقلة مهمة في حياة كل كاتب عربي

يؤكد أصحاب هذا الرأي، أن دخول التكنولوجيا الحديثة كوسيلة من وسائل الترجمة أدى إلى غياب المترجم المحترف القادر على ضبط النص، وازدحام أسواق الترجمة بعشوائيين وتجاريين في الأساس، ما أدّى إلى إنتاج أدبي ضعيف، بلغات من غير العربية، نتيجة سوء في الترجمة، وتراجع في مستوى المترجم أدبيا وفنيا.

ويلفت الروائي المصري سمير زكي في حوارنا معه، إلى أن الترجمة من العربية إلى الإنجليزية أو أي لغة أخرى، تعتبر نقلة مهمة في حياة كل كاتب عربي، ولا يغيب عنا أن حركة الترجمة ظلت بخير حتى نهاية الثمانينات.

ويدلل على ذلك بأن أعمال الروائي الكبير نجيب محفوظ التي وصلت إلى العالم بلغات عدة، وأثرت في القراء وأسهمت في حصوله على جائزة نوبل، كما رُشح أدباء عرب آخرون إلى الجائزة نفسها، وفاز روائي مصري آخر هو صبري موسى، بجائزة بيجاسوس العالمية عن رواية عربية.

ويشدد زكي، على أن مستوى المترجمين في الفترة من الخمسينات إلى نهاية الثمانينات من القرن الماضي، كان متميزا ومقبولا من معظم دور النشر العالمية، غير أن الأجيال التالية باتت غير ملمة بفنون الأدب، وتهتم بشكل أكبر بسوق التجارية للترجمة، ما أدّى إلى انخفاض الطلب لدى المكتبات العالمية على الكتاب العربي المترجم إلى أي لغة.

ويحتاج عالم الترجمة إلى مترجم حاذق ملم بمرادفات لغة بلاده الحالية، حيث أن عالم اللغة يخضع للتغيير، فطريقة طه حسين وتشارلز ديكنز لم تعد متداولة في الكتابة، ما يعني أنه لا بد من وجود المترجم كظل للكاتب، يؤمن بموهبته، ويعيش مشاعره، ولديه الحس الحقيقي على تذوق ما يكتبه.

 وحكى سمير زكي من واقع تجاربه الشخصية واختلاطه بدور نشر أجنبية أنه وجد بعض دور النشر الإنجليزية والأميركية والفرنسية تبحث عن أعمال أدبية من الشرق الأوسط، لكنها لا تجد كيانات كبيرة يُمكن التعامل معها، ما يجعل معظم الأعمال المترجمة حديثا اجتهادات شخصية لبعض الكتاب العرب، ولا تقدم صورة حقيقية عن إبداعات العالم العربي.

فرص متاحة


يعتقد بعض المثقفين، أن الطريق مفتوح للترجمة، والساحة الإبداعية في العالم العربي لديها إمكانات عظيمة يُمكن أن تترك بصمات وآثارا على الأدب العالمي، مثلما هو الحال في كلاسيكيات عربية شهيرة مثل “ألف ليلة وليلة”.

يتصور أصحاب هذا الطرح أن العمل الجيد يفرض نفسه محليا، فإقليميا، ثم عالميا، لكنه يحتاج إلى مثابرة وتواصل دائمين، ويدلل هؤلاء على تصورهم بأن أعمالا عدة لكتاب عرب كبار مترجمة إلى عدة لغات، وثمة روايات مترجمة أيضا إلى لغات قليلة الانتشار، مثل الكورية واليابانية.

يحتاج الموضوع إلى عمل جماعي وجهد حقيقي من المعنيين بالثقافة لمدّ جسور تواصل دائمة مع مُجتمعات مختلفة تهتم بالثقافة، وتسعى إلى التعرف على حيوات ووقائع البشر في بلدان عديدة بمختلف دول العالم.

ويحكي شريف بكر، مدير دار “العربي للنشر”، وهي إحدى الدور المعنية بثقافات الشعوب بالقاهرة، تجربته في طرح مبادرة “أصوات عربية” لترجمة اثنين وثلاثين رواية عربية إلى اللغة الإنجليزية وهو ما يتم تنفيذه حاليا.

 ويكشف، لـ”العرب”، أنه كان يتلقى أسئلة عديدة في المعارض الخارجية، وخاصة معرض فرانكفورت للكتاب، عن أهم الأعمال الأدبية المقروءة عربيا، وألوان كتابات الأجيال المعاصرة، ما دفعه إلى دراسة سوق الأدب العربي المترجم لدى الجمهور الأوروبي. مشيرا إلى أن الأزمة بدت واضحة في ارتفاع تكلفة ترجمة الكثير من الأعمال للدخول بها إلى السوق الأوروبي، وعدم وجود كيان قادر على تحمل ذلك بمفرده.

الجهد المبذول لترجمة الآداب العربية تحت زعم تعريف الآخرين بنا وبثقافتنا عبثي انتهت معظم مشروعاته إلى الفشل

ويتابع بكر قائلا “التقيت بعبير مجاهد مديرة معهد غوتة الألماني في القاهرة وكانت تعد تصورا لمشروع بشأن تقديم كتب عربية إلى اللغة الألمانية، واتفقت معها على إعادة صياغة المشروع وعرضته على اتحاد الناشرين، والمركز القومي للترجمة، وبعض الجهات المعنية بالثقافة في مصر لتنفيذه، لكن كان الجميع يشيد به، ويعتذر بسبب عدم وجود ميزانية”.

بدت الفرصة سانحة في العام الماضي عندما أتاح الاتحاد الأوروبي منحة لدعم أي مشروع ثقافي مفيد، فقدم بكر فكرته وفازت بالمنحة ليُعد قوائم وفق قواعد محددة بمعرفة لجان ثقافية لاختيار اثنين وثلاثين رواية عربية لترجمتها إلى الإنجليزية، كدفعة أولى.

وقضى الفريق العامل في المبادرة شهورا طويلة في إعداد نبذات عن كل رواية وكاتب، بما يتوافق مع القارئ الأوروبي المُهتم بالقراءة عن العرب، وقطعت الفكرة الشوط الأكبر في المشروع، وبكر الآن في مرحلة خروج المشروع إلى العلن ودراسة مدى نجاحه، بعد اكتساب خبرات عديدة، لكن الأمر يحتاج إلى الاستمرارية، وهذه خطوة أولى في تصدير الثقافة العربية.