حضور فكري متميز
عربيات يتصدرن لائحة أقوى نساء العالم
تحقق النساء العربيات نجاحات وإنجازات باهرة في جميع الميادين والمجالات، لكن أحد الفروق المهمة التي ما زالت تمنعهن من البروز مثل أقرانهن من الرجال، هو عدم تسليط الضوء على إنجازاتهن، وهذا ما يجعل القليل منهنّ فقط يظهرن كنماذج يمكن الاقتداء بها في المنطقة العربية.
لم يمض وقت طويل على فكرة أن تمكين المرأة تعتبر فكرة سخيفة، حيث كانت معظم المجتمعات تعتقد أن ما تطالب به النساء ليس سوى ضرب من الهراء. أما في العقود الحالية فقد تغيرت العقلية التي تقف خلف تلك الفكرة وذلك المعتقد بسرعة كبيرة، وأظهرت الخبرات المتزايدة للحركات النسوية أن تمكين المرأة جعل العالم يسير نحو الأفضل.
وهذا التغيير الذي عرفه واقع المرأة يعتبر أمرا نافعا لكل دول العالم، إذ يمكن من خلاله النظر بطرق مختلفة إلى المشاكل التي تعاني منها المجتمعات، وإيجاد حلول متنوعة. وقد يعمل ذلك على توسيع الآفاق وإذكاء عملية التفكير لنصفي المجتمع، وهي عملية ضرورية من أجل التقدم والازدهار وتحقيق الاستقرار والأمان.
ويرجع سبب ذلك ببساطة إلى أن النساء يتعاملن مع مستجدات الحياة بطرق مختلفة، وتؤثر خبراتهن في الحياة على الطريقة التي يطرقن بها المشكلات ويعملن على إيجاد حلول لها.
وبمناسبة الذكرى المئوية لمرور التعديل التاسع عشر لدستور الولايات المتحدة الذي يمنع حرمان مواطني البلاد من حق التصويت على أساس الجنس، سلطت مجلة “نيوزويك” الأميركية الأضواء على التطورات الأخرى التي غيّرت القواعد التي كانت تقيّد النساء في العالم خلال الفترة الممتدة من مرور التعديل إلى اليوم.
ناجحات رغم التغييب
نوهت المجلة بالبصمة التي تركتها المرأة في العالم الغربي على غرار أميليا إيرهارت كأول امرأة تطير بمفردها عبر المحيط الأطلسي، والأيسلندية فيغديس فينبوغادوتير كأول امرأة تُنتخب لرئاسة البلاد، والناشطة البيئية الكينية، وانجاري ماثاي، كأول امرأة أفريقية تفوز بجائزة نوبل للسلام، وغيرهن من السيدات اللاتي كن فاعلات في مجتمعاتهن.
وغابت الأسماء العربية عن مجلة نيوزويك رغم أن التاريخ يحفل بنماذج الكثير من النساء العربيات الرائدات في مجالات كثيرة، ولكنهن أيضا مغيبات في مجتمعاتهن ونادرا ما تحتفي بلدانهن بما قدمنه من إسهامات بقيت بصماتها خالدة في الكثير من الحضارات.
ويبدو الحكم على إنجازات المرأة العربية أكثر صرامة مما هو عليه في بقية الدول الغربية، ما يجعل الكثير من النساء الناجحات غير معروفات، ويوجهن اهتمامهن إلى العناية بأسرهن بدلا من الإعلان عن نجاحهن في وسائل الإعلام والحوارات التلفزيونية والمؤتمرات.
وتفسر الباحثة التونسية في تحليل الخطاب الديني، زينب التوجاني، بأن السبب في ذلك عائد إلى أن “مجتمعاتنا العربية تعاني من الذكوريّة العليلة، والذكوريّة لا تعني سلطة الرّجال على النّساء بل تعني بنية الثقافة التي تميز الرجال على النساء والتي تحملها في الأغلب الأعم النساء ويمررنها لأبنائهنّ وبناتهن. فالمرأة تكاد مهما تميزت وأبدعت لا ترتبط في ذهنية المجتمع سوى بالإغراء والجنس وهي تتحمل مسؤولية الشرف والعرض”.
21 وجها جديدا تنضاف لقائمة أقوى سيدات الأعمال في الشرق الأوسط لهذا العام
وأضافت التوجاني لـ “العرب” أن “المجتمع يتعامل مع نجاح النساء بعداوة في حين أن النساء يمثلن أغلبيته المطلقة وهذا يكشف التناقض الذي نعيش فيه وأن النساء هن اللواتي يساهمن في تكريس التمييز ضدهن ويكشف أيضا أن الحل كامن في التضامن النسوي”. ولفتت إلى أن “هذا التضامن يبدو صعبا لأسباب عديدة تتعلق ببنية النفسية العربية وببنية العلاقات الاجتماعية والصراعات والتنافس حول المصالح ولذلك يتصدع الصف النسوي لصالح الثقافة التي تحجبهن وتقصيهن من الضوء”.
وتابعت “المرأة التي تحاول أن تفلت من العتمة لتبرز للعيان، تواجه اضطهادا إن لم يكن من أهلها المقربين فإنه يكون من أحكام المجتمع المحقرة لها والمستنقصة من شأنها والمشككة فيها وفي عرضها وشرفها، وإذا نجت المرأة المبدعة من هذه الأحكام المسبقة فإنها توضع طي النسيان وكم من شاعرة نسي ذكرها وكم من مقاومة لم تذكرها كتب التاريخ، ولنأخذ مثالا على ذلك الأميرة نازلي التي كان لها الفضل في جعل قاسم أمين يمسي حساسا لموضوع النساء والتي استقبلته في صالونها وأثرت فيه هو وثلة من المصلحين أبرزهم الإمام محمد عبده وسعد زغلول الذين ناصروا حرية المرأة وتعليمها فهؤلاء اللواتي أثّرن نسين وأما التاريخ فقد احتفظ باسم الرجال من المصلحين. وفي ذلك مكر عظيم بتاريخ النساء”.
والأمر ذاته في تونس، إذ نسي الجميع تقريبا وجود مقاومات إلى جانب المقاومين، ونسي التاريخ ذكر أسماء النساء اللواتي ساهمن في الاحتجاج على أوضاعهن المتردية، في حين كتب أسماء الرجال واحتفظ بذكرهم. وتجد في السعودية أيضا كاتبات مبدعات وجامعيات بارعات بدأن منذ الثلاثينات مع لطيفة الخطيب وغيرها ولكن أين هن من الذاكرة العربية ومن المشهد الإعلامي العربي؟ إنهن وراء الحجب الرمزية وهي أشد وطأة من الحجب المرئية. إن هذا الوضع متشابه في كل البلدان العربية حيث تحجب النساء وراء الصمت والتجاهل والنسيان رغم ارتفاع أصواتهن المطالبة بحقوقهن إلا أن واقع الحال يكشف عمق مأساتهن والتمييز الذي يعانينه”.
إلا أن ذلك لم يمنع نماذج لنساء حققن العديد من النجاحات في مختلف المجالات، وكسرن حواجز التقاليد والنواميس المجتمعية الرافضة للاعتراف بفضلهن في الارتقاء بمجتمعاتهن.
إذ تعد المرأة السعودية -على إيقاع الاحتفال باليوم الدولي للمرأة والفتاة في ميدان العلوم الموافق لـ11 من فبراير الحالي- من بين الرائدات في العلوم.
وغادة المطيري خير دليل على ذلك، فهي باحثة سعودية تحمل أكثر من 10 براءات اختراع في مجال طب النانو، وهي أستاذة في الكيمياء الصيدلية وعضو في هيئة التدريس بجامعة كاليفورنيا منذ عام 2008.
وتمكنت المطيري من اكتشاف معدن يُمكّن أشعة الضوء من الدخول إلى جسم الإنسان في رقائق تسمى “الفوتون” بما يسهل معه الدخول إلى الخلايا ويساعد على التحكم بأعضاء داخل الجسم دون الاضطرار لإجراء جراحة.
وهناك لفتة قام بها نادي الرياض الأدبي، مؤخرا، يمكن اعتبارها تنضوي تحت لواء بوادر التغيير التي ارتبطت بالسعوديات منذ تولّى العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز العرش، حيث أطلق النادي كتاب معجم أعلام النساء في المملكة، الذي قدم تراجم وسير 338 سيدة سعودية ذوات اختصاصات مختلفة وقصص كفاح متنوعة.
وقالت مؤلفة الكتاب غريد الشيخ إنها “عملت مع فريق من الباحثين والجامعين لتوفير معجم يوثق مسيرة وجهود سيدات سعوديات رائدات في الطب والعلوم والتكنولوجيا ومخترعات وعالمات وروائيات وشاعرات وفنانات تشكيليات، وأميرات تركن بصمة في العلم والأعمال الخيرية والمساهمات الإنسانية”. وكشفت أن الكتاب جاء ليكون مشجعا على دراسة تاريخ المملكة من خلال دراسة عطاءات المرأة وكفاحها وعملها وعلمها ومساهماتها الوطنية.
النساء في جل البلدان العربية بحاجة لمثل هذه الإضاءة على إنجازاتهن ومساهماتهن في النهوض بمجتمعاتهن، إلا أنهن في المقابل يعانين من عدة عقبات من بينها أن معظم المضامين التي تمررها وسائل الإعلام أو ما دونته وتدونه كتب التاريخ أو ما تكتبه الدراسات الميدانية لا تعكس دور المرأة في عملية التنمية، بل تغيّبها كليا عن عملية الإنتاج والنشاط الاقتصادي، وتقصيها من عملية الإبداع في أي مجال من المجالات.
وهذا ما لفتت إليه التوجاني قائلة إن “خلاصة الموضوع تتعلق بأن الذي يكتب التاريخ ينتقي زاوية النظر إليه وقد كتب التاريخ مؤسسات ذكورية لذلك فإن هذا التاريخ أسقط أسماء المبدعات والفاعلات وتم تجاهلهن. أما المرأة المعاصرة فإنها تفتك حقها في التعليم وتجد بعد ذلك نفسها -مع أن نسب نجاح الفتيات أعلى من نسب نجاح الذكور- عاطلة عن العمل حيث ترتفع نسبة تشغيل الذكور عن الإناث إلى جانب التمييز في الأجور”.
ورغم الاعتقاد السائد في أغلب البلدان العربية بأن المرأة أقل إنتاجية من الرجل وأقل قدرة على القيام بالأعمال الإدارية، فإن الواقع أثبت العكس ودحض تلك النظريات، التي ما زالت ترى المرأة على أنها عضو قاصر في المجتمع.
وتؤكد الأبحاث الغربية أن عدد النساء الرائدات في المشاريع التقنية في الشرق الأوسط هو الأعلى نسبيا من أي مكان آخر في العالم. ويكتسب دور المرأة العربية في الحياة المهنية أهمية يوما بعد يوم مع توليها مراكز متقدمة في مختلف القطاعات رغم أن النسبة الأكبر يحتكرها الرجال.
ووفقا لتقرير نشرته مجلة “فوربس”، مؤخرا، عن أقوى سيدات الأعمال في الشرق الأوسط لعام 2020، فإن العديد من السيدات يتربعن على قمة مؤسسات حكومية مهمة مثل البورصات وأسواق المال، تمثلهن في القائمة 13 سيدة.
وتضم قائمة العام الحالي 21 وجها جديدا وتشمل 23 جنسية مختلفة عبر 28 قطاعا متنوعا. وتشكل السيدات العصاميات الجزء الأكبر من القائمة، بواقع 79 سيدة، من بينهن 16 سيدة أنشأن شركاتهن بأنفسهن. و21 سيدة يعملن في شركات عائلية، وبدأت الكثيرات منهن مسيرتهن المهنية في الوقت الذي كانت تندر فيه رؤية النساء في مكان العمل.
وتهيمن الإمارات على القائمة برصيد 22 سيدة، تليها مصر بواقع 9 سيدات، ثم 8 سيدات في كلّ من لبنان وسلطنة عمان.
وتجلت القيادة النسائية المبهرة من الشرق الأوسط على الصعيد العالمي العام الماضي، عندما صنفت فوربس الأميركية ثلاث سيدات طموحات من المنطقة ضمن قائمتها لأقوى مئة سيدة في العالم. وتصدرت سيدة الأعمال الإماراتية رجاء عيسى القرق، التي تدير المجموعة العائلية الضخمة التي أسسها والدها، والتي احتلت المرتبة 84 في القائمة العالمية.
لا تتجلى نجاحات النساء العربيات في مجال المال والأعمال فحسب، بل أثبتن جدارتهن في الكثير من الميادين وحصلن على مراكز متقدمة في مسابقات عالمية، حيث أصبحت لاعبة التنس التونسية، أنس جابر المصنفة 78 على العالم، على سبيل المثال، يناير الماضي، أول لاعبة عربية تصل إلى الدور ربع النهائي وكذلك دور الثمانية ببطولات غراند سلام.
وتتطلع نجمة التنس التونسية لأن تكون مصدر إلهام للشباب في بلادها والمنطقة العربية بعد مسيرتها التاريخية في بطولة أستراليا المفتوحة للتنس، أولى بطولات الغراند سلام الأربع الكبرى.
كما أكدت هنادي الهاشمي، وهي أول إماراتية ترفع علم بلادها فوق أعلى عشر قمم جبلية حول العالم، أن هدفها من هذه المغامرات الصعبة هو كسر الصورة النمطية عن المرأة الخليجية والعربية عموما، وتأكيد قدرتها على الوصول إلى مناطق جغرافية صعبة.
وأصبحت جوخة الحارثي أول شخصية عربية تفوز بجائزة مان بوكر الدولية عن روايتها سيدات القمر، وهي أول مؤلفة من الخليج العربى يتم ترشيحها لهذه الجائزة.
لكن للأسف هناك عربيات وجدن في الفضاء الغربي حاضنة لكفاءاتهن العلمية والعملية، أفضل مما يمكن لبلدانهن الأم أن توفرها لهن.
ويرى الأستاذ المغربي في الفكر الإسلامي والفلسفة، بادوي مصطفى، أن “تمكن المرأة من إثبات وجودها العلمي والتحصيلي والقيادي في المجتمعات الغربية يعكس أمرين اثنين، الأول أن البيئة الحقوقية في المجتمعات الغربية تجاه المرأة هي غير تمييزية مع الأخذ بالاعتبار جنسها وعرقها العربي داخل مجتمع غربي، والأمر الثاني، يعكس لنا التراجع الحقوقي في مكتسبات المرأة العربية في المجتمعات العربية”.
وأضاف مصطفى لـ “العرب” إن “المجتمعات العربية عادة ما تنظر للمرأة نظرة تمييزية، إذ ينظر إليها ككائن ‘ناقص عقل’ أو ككائن رديف في مستوى الشغل الإنساني أو في مستوى القدرة على الإبداع الفكري والعلمي، ومن هذه الخلفية، يصبح عمل المرأة بالنسبة لها، مسيرة نضال ضد عقلية تمييزية بطريركية، لا تسلم منها في الأسرة والمجتمع وكل قطاعات العمل، بعكس المجتمعات الغربية التي ترى في الإنسان بغض النظر عن البعد البيولوجي، إنسانا له فاعليته وله القدرة على الإبداع”.
وتابع “في العالم العربي، ينظر للمرأة في المجمل نظرة قيمية، وغالبا ما تكون المرأة في هذه النظرة القيمية، شيئا لا إنسانا، بحيث أن التعامل معها غالبا ما يكون محددا بالإنجاب والزواج”.
وهذه العقلية يترتب عليها حصر قدرات المرأة في أشغال بسيطة غير منتجة، بحسب الباحث المغربي، مشيرا إلى أن هذه النظرة القيمية للمرأة العربية تنظر للمرأة ككائن مزاحم للرجل في قطاعات الإنتاج أو حتى قطاعات التحصيل والبحث العلمي.
وشدد مصطفى في خاتمة حديثه قائلا “وهذا خطأ لأن الواقع الاقتصادي والعلمي يظهر المرأة مثلا في الصحافة، ‘كأول امرأة ربان طائرة’ أو ‘أول طبيبة في تخصص معين’، هذه الصورة في الحقيقة بقدر ما تعكس تفوق المرأة في تخصصات علمية بقدر ما هي مهينة جدا لها، لأن التقارير الصحافية والإعلامية التي تحتفي بالمرأة العربية قد تعكس الصورة الحقيقية لكون أن حالات نادرة جدا هي التي تبرز فيها المرأة علو كعبها، وهذا كفيل لنفهم من الإعلام والصحافة بشكل عكسي مدى عدم احتضان المجتمعات العربية لعقل المرأة العربية بعكس المجتمعات الغربية”.
وترى التوجاني أنه “في المناخ الغربي لا توجد ثقافة مختلفة في جوهرها عن الثقافة العربية بل إن الذكورية مرض منتشر في كل مكان لكن المؤسسات التي ترعى وتدعم النساء وحقوقهن هي التي تحدث الفرق، إضافة إلى ذلك فإن طبيعة العلاقات القائمة على الكفاءة لا الولاء والتي تخضع لمعيار الجدارة والنجاعة هي التي تجعل المرأة الغربية تبدو أكثر بروزا وفاعلية.
وتعد ظاهرة التمييز ضد النساء وتحقيرهن وحجبهن والخوف من نجاحهن أمرا شائعا في الشرق والغرب، لكن الفارق أن القوانين الغربية تحفظ حقوق المواطنين وتقوم الدولة باحترام المواطنة أما في بلداننا العربية فلا تزال المرأة تحمل على أكتافها عبء القبيلة والعلاقات القبلية المعقدة المثقلة بالسلاسل التي تكبلها وتجعلها عاجزة عن تحقيق ذاتها في بيئة تشدها إلى الماضي، وفقا للباحثة التونسية.
وتعتبر التوجاني أن الوسائل الحديثة مكنت أصوات النساء من الانفلات، وأنها سلاح جديد في معركة افتكاك النساء حقوقهن، آملة أن تتمكن كل امرأة مبدعة من أن تفرض عبر إنجازها وعملها ذاتها. في انتظار المهمة العاجلة المتمثلة أولا في إعادة كتابة التاريخ من وجهة نظر نسائية لتحقيق التوازن المطلوب الذي ينصف النساء ويعيد لهن ما سرقته منهن الثقافة الذكورية. وثانيا في مأسسة جهود النساء ضمن شبكات تضمن لهن التضامن لافتكاك مساحة لهن تحت النور”.