شؤون العرب والخليج
توريث المقاعد النيابية يعمق الفجوة بين الشارع والحكومة
بوادر برلمان عائلي يحبط آمال التغيير في الجزائر
الحكومة لا تكترث لمطالب الشارع
تتجه الانتخابات النيابية المبكرة في الجزائر إلى فرز برلمان عائلي يتم التداول فيه على المقاعد البرلمانية والسياسية بين الحرس القديم وجيل جديد، بعدما ظهر أن قادة أحزاب سياسية ومسؤولين كبارا قد قدموا أبناءهم لخوض التجربة النيابية لأول مرة، تماهيا مع فهمهم الخاص لخطاب التغيير السياسي الذي تروج له السلطة منذ تنحي الرئيس السابق عبدالعزيز بوتفليقة.
وقدم قادة سياسيون ومسؤولون كبار في أحزاب سياسية توصف بـ”الكبرى” تنتمي في الغالب إلى التيارين الإسلامي والوطني (القومي) أبناءهم لخوض غمار الانتخابات التشريعية المقررة في الـ12 من يونيو القادم، وهو تحول لافت في مسار اللعبة السياسية في الجزائر قد يؤدي إلى أي شيء إلا صناعة التغيير.
ويبدو أن الحرس القديم الذي تدرج على مناصب المسؤولية والامتيازات في مفاصل الدولة يريد الاحتفاظ بحصرية المكانة الاجتماعية وحجبها عن الآخرين.
وكشفت العملية الأولية لإيداع لوائح المرشحين للانتخابات النيابية عن وجود أسماء مرشحين من عائلات قادة أحزاب سياسية أو مسؤولين كبار في قوى سياسية كبرى على غرار حزب جبهة التحرير الوطني الحاكم سابقا، والتجمع الوطني الديمقراطي، ويتعلق الأمر ببراء بن قرينة ابن رئيس حركة البناء الوطني المنحدرة من التيار الإخواني، وتم خلق التوازن في لائحة الحركة بالعاصمة بتقديم اسمين بارزين في المجال الأكاديمي لأجل تمرير الوافد الجديد على السباق البرلماني.
كما يبدو أن القطيعة بين أبوجرة سلطاني وحركة مجتمع السلم الإخوانية أيضا لا أمل في إصلاحها رغم مساعي تذليل الصعوبات بين الطرفين، ويتجلى ذلك من خلال تقدم محمد إقبال سلطاني في لائحة مستقلة بالعاصمة من أجل نيل مقعد نيابي رغم أن العائلة تنحدر في الأصل من ولاية تبسة في أقصى شرق البلاد.
ويبدو أن أبوجرة سلطاني لا يريد تسليم المشعل لأي شاب في حركة “حمس” أو في أي تنظيم سياسي آخر، وإنما لابنه فقط من أجل إبقاء مزايا وامتيازات المنصب النيابي في حدود العائلة رغم خطاب رموز الإخوان الداعي إلى تسليم مشعل السلطة للشباب والتداول بين الأجيال على المسؤولية.
وتتجلى موضة التوريث النيابي في الاستحقاق الانتخابي القادم بشكل لافت في حزب جبهة التحرير الوطني الحاكم سابقا.
ورغم وعود وتعهدات القيادة الجديدة للحزب التي قطعت التزاما على نفسها بضرورة انفتاح الحزب على جميع الكفاءات الشابة، إلا أن اللوائح أظهرت هيمنة بعض الرموز الذين فرضوا أبناءهم وأقاربهم في لوائح الحزب.
وتحدثت مصادر مطلعة عن زكريا بوقطاية وفتيحة بومهدي وهما على التوالي ابن وبنت القياديين الصادق بوقطابة وأحمد بومهدي اللذين اضطلعا بعدة مهام خلال السنوات الأخيرة من عمر الحزب، ويبدو أنهما يريدان الاطمئنان على تسليم المشعل من الحرس القديم لأبنائهم وأقاربهم فقط وليس للآخرين.
كما تقدم لخوض المعترك السياسي المقبل ابنا مصطفى معزوزي والعياشي دعدوعة في ولاية بسكرة في شمال الصحراء، مستفيدين في ذلك من ثقل والديهما في قيادة الحزب، الأمر الذي ضمن لهما التواجد في اللائحة عكس أسماء أخرى من كوادر الحزب يجري تهميشها.
ونفس الشيء بالنسبة إلى القيادي السابق في حزب التجمع الوطني الديمقراطي صديق شهاب الذي ظهر ابنه مرشحا في لائحة مستقلة بالعاصمة، إلى جانب نائب سابق عن تجمع أمل الجزائر عبدالغني ويشر.
وفيما ينتظر أن تكشف اللوائح التي تم إيداعها لدى فروع ومكاتب السلطة الوطنية المستقلة لتنظيم الانتخابات عن أشياء غير متوقعة في ظل الهندسة العميقة للخارطة السياسية في البلاد، يبدو أن الاستحقاق النيابي الباحث عن صدقية مهزوزة مسبقا وعن قشة شرعية يتمسك بها، سيكون أول امتحان يجتازه هو توريث البرلمان في بلد يعتمد النظام الجمهوري.
وتتواصل الاستعدادات لترتيب أوراق الاستحقاق الانتخابي على قدم وساق من طرف القوى السياسية والمستقلين المؤمنين بالمسار الانتخابي، ومن طرف الإدارة وسلطة التنظيم من أجل إقناع الرأي العام الداخلي وحتى الخارجي بجدوى الانتخابات المذكورة في تحقيق التغيير السياسي الذي طالب به الحراك الشعبي، وتعكف السلطة السياسية الجديدة على تنفيذه.
ومع ذلك يبدو أن أمر التحضيرات للاستحقاق ليس على ما يرام بعد اضطرار الرجل الأول في الدولة عبدالمجيد تبون إلى توقيع مرسوم رئاسي يمدد في مهلة إيداع اللوائح لأسبوع آخر، ولا يستبعد أن يكون العزوف قد بدأ من مرحلة الإيداع، وأن الطامحين والمقتنعين بالمسار الانتخابي اصطدموا بأولى سلوكات الرفض الانتخابي المتمثلة في عدم التوقيع الشخصي لأي مرشح.
وذكر تقرير محلي أن “16 حزبا سياسيا تمكنت من اجتياز عتبة التوقيعات المطلوبة لدخول غمار الانتخابات التشريعية، وجاءت حركة مجتمع السلم الإخوانية في المرتبة الأولى من حيث عدد التوقيعات بـ65.453 توقيعا عبر 52 ولاية، وتأتي جبهة المستقبل ثانية بـ64.651 توقيعا على مستوى 54 ولاية، أما حركة البناء الوطني فحلت في المرتبة الثالثة بـ62.866 توقيعا في 55 ولاية، والتجمع الوطني الديمقراطي في 57 ولاية بـ58.101 توقيع، وجبهة التحرير الوطني جمع 53.033 توقيعا على مستوى 57 ولاية وهي أكبر حصة من الولايات غطتها التشكيلات السياسية المتنافسة، وحزب صوت الشعب الذي جمع في 49 ولاية 50.277 توقيعا”.
ووفق هذه المعطيات فإن المؤشرات الأولية تذهب إلى هيمنة الإخوان على الانتخابات التشريعية مقابل تراجع القوى الوطنية التقليدية، لكن كل الاحتمالات تبقى واردة مع الدخول القوي للمستقلين الذين لا يحتاجون إلا للتوقيعات اللازمة لتمرير لوائحهم فقط.