شؤون العرب والخليج
صحف..
تقرير: ماذا يحدث في مدينة الطارمية شمال بغداد؟
الطارمية تقع شمال بغداد وتتبع إدارياً العاصمة.. وتبعد عنها بمسافة 50 كم
يتعرَّض قضاء الطارمية الواقع شمال بغداد، إلى حملات اعتقالاتٍ تعسفية، وتفجير لعشرات المنازل، فضلاً عن تجريف البساتين والمزارع، وغالباً ما تقع هذه الانتهاكات عقب كل عملية تستهدف ميليشيات الحشد الشعبي أو القوات الأمنية، كعقوبةٍ جماعية للسكان الذين يُتهمون من قِبل الفصائل المسلحة المرتبطة بإيران بأنهم أصبحوا حواضن لتنظيم داعش.
وتحدث سكان محليون مع “كيوبوست”، إلا أنهم رفضوا الإفصاح عن أسمائهم؛ خشية الاعتقال والتنكيل بهم، لافتين إلى أن عدداً ممن تم اعتقالهم من أهالي المنطقة على يد جماعة مسلحة شبه عسكرية تطلق على نفسها اسم “ميليشيا النجباء”، تمت دون أوامر قبض قضائية؛ إذ تعرضوا إلى الضرب والإهانة والشتائم والتعذيب، وانتزاع اعترافات بالإكراه، وأكدوا أن الميليشيا مارست انتهاكات غير إنسانية خلال عملية اقتحام المنازل؛ منها تحطيم أبواب وتكسير أثاث والتلفظ بعبارات خادشة للحياء، وأخرى طائفية.
وحسب المصادر الشهود المفرج عنهم لـ”كيوبوست”، فإن حملات الاعتقال شملت عدة مناطق تُعرف بقرية ثائر 1، وثائر 2، وتل طاسة، والبوخلف الشبلي، والبو فراس، وهذه القرى والمناطق تقع ضمن قاطع بلدة المشاهدة في الطارمية التي لا تزال تشهد طوقاً محكماً.
تضاريس صعبة
وتمتاز طبيعة بلدة الطارمية بالتضاريس الجغرافية الصعبة، والبساتين الزراعية الكثيفة المليئة بأشجار النخيل والحمضيات والأنهار المائية الممتدة والمنفتحة على ثلاث محافظات؛ هي الأنبار، وصلاح الدين، وديالى، وهي بلدة صعب السيطرة عليها أمنياً؛ مما جعلها ملاذاً آمناً لتنظيم القاعدة سابقاً، و”داعش” حالياً.
ومما يزيد ويعقِّد من صعوبة السيطرة على الطارمية أمنياً، وجعلها نقطة يتكرر منها الهجوم على الجيش العراقي، وميليشيات الحشد، هو إبعاد السكان وعدم مشاركتهم في الملف الأمني، وتقابلها الدعوات الطائفية المتواصلة للميليشيات، وإطلاق التهديدات باقتحام البلدة، وتهجير الأهالي، وإحداث تغيير ديموغرافي، في سيناريو يشبه ما حدث في “جرف الصخر”.
رئيس مركز توثيق جرائم الحرب عمر الفرحان، علَّق لـ”كيوبوست” قائلاً: لا تزال مناطق حزام بغداد الشمالي مهددة بانتهاكاتٍ فظيعة لحقوق الإنسان، إثر سيطرة ميليشيات مسلحة على تلك المناطق، والطارمية واحدة من ضمن مخططات الميليشيات، وهناك دعوات طائفية مستمرة من قِبل قادة الميليشيات وسياسيين في البرلمان العراقي، يحرِّضون باستمرار على اقتحام البلدة بالقوة وتطهيرها بذريعة وجود عناصر من تنظيم داعش يختبئون بين البساتين، حتى لو كلف ذلك تهجير العائلات وتجريف المزارع.
عمر الفرحان
وبدوره علَّق المحلل السياسي والخبير بالشؤون العراقية عبدالقادر النايل، لـ”كيوبوست” قائلاً: إن ما يحدث في بلدة الطارمية الهدف منه هو تطبيق سيناريو جرف الصخر، وذلك من خلال أن تكون البلدة منزوعة السكان، لتنفيذ أجندات إيرانية خارجية وإنشاء محافظة جديدة تُسمى “المحافظة المقدسة” تمتد من مدينة الكاظمية وصولاً إلى بلدة سامراء؛ هذا المشروع الخطير أوكل تنفيذه إلى هذه الميليشيات الولائية، وبالتالي فهناك مَن يعمل على افتعال الأزمات الأمنية؛ لإدامة الصراع وخلق الفوضى.
ويضيف النايل: إن أهالي القضاء يتعرضون إلى التهميش والظلم والإقصاء المتعمد؛ فهم غير مشاركين بالقرار الأمني، ولا يُسمح لهم بالدفاع عن مدينتهم من هجمات الغرباء؛ لذلك فإن المسؤول عن أي خرق أمني هو القوات الممسكة بهذا الملف.
عبدالقادر النايل
وأشار المحلل السياسي إلى أن الصراع في قضاء الطارمية بين ثلاث جهات مسلحة؛ أولاً الحشد، وثانياً الأجهزة الأمنية، وثالثاً مسلحي “داعش”، وأساس هذا الصراع هو على الموارد المالية والاقتصادية داخل القضاء؛ فكل من هؤلاء الثلاثة يريد الاستحواذ على البلدة، وإحكام السيطرة عليها، لما تمتلكه من بحيرات أسماك وبساتين؛ لكن تبقى الميليشيات الشيعية هي الطامع الأول في الاستيلاء على البساتين والاستفادة من خيراتها، فالطارمية هي سلة بغداد الغذائية.
ووثَّق مرصد أفاد، على مدار الأيام الثلاثة الماضية، عدداً من الانتهاكات الإنسانية والمخالفات القانونية التي رافقت الانتشار المسلح لوحدات “الحشد الشعبي” وسط الطارمية.
مدير المرصد حسين دلي المحمدي، علق لـ”كيوبوست”، قائلاً: في الوقت الذي نؤكد فيه أهمية الخطوات الحكومية الأخيرة في ملاحقة منفذي الاعتداءات الإرهابية، وضمان سيادة القانون والعدالة، فإننا نملك معلوماتٍ توثق جملة من الانتهاكات الخطيرة التي وقعت بقضاء الطارمية، وقرى ومناطق تابعة لها، على يد جماعات شبه عسكرية؛ أبرزها ميليشيا “حركة النجباء”، وميليشيا “عصائب أهل الحق”؛ بعضها ارتكب خلال وجود رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، في المدينة، وعقده لقاءات مع جنرالات الجيش وقيادات أمنية وشخصيات محلية من أهالي المنطقة.
حسين دلي
ودعا دلي السلطات العراقية إلى أخذ دورها في فرض القانون، ومنع التعدي على حرمة المنازل والمواطنين، ووقف الاعتقالات العشوائية، والعمل على معرفة مصير من تم اعتقالهم على يد ميليشيا “النجباء”، والتحقيق بالانتهاكات الخطيرة التي حصلت في الأيام الماضية.
كما طالب الحكومة بالسماح لوسائل الإعلام والصحفيين والحقوقيين والمنظمات المعنية بالدخول وإجراء المقابلات مع الأهالي؛ إذ تفرض قيادة عمليات بغداد حصاراً مشدداً، ولا تمنح التراخيص إلا لجهاتٍ محدودة؛ وهو خلاف ما تظهره الحكومة والسلطات الأمنية حول تعاملهم بشفافية مع وسائل الإعلام.