تقارير وتحليلات
التماهي السياسي وبالتعامل مع بعض الأنظمة الحكومية..
تحليل: ثلاثة في واحد.. الحكومة اليمنية والإخوان المسلمين وتنظيم القاعدة
تصاعدت حدة اتهامات تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" في اليمن الموجهة لتنظيم القاعدة في جزيرة العرب، وطفت على سطح الإصدارات الصحفية المقروءة والمرئية لتنظيم الدولة [إصدارات موقع جريدة النبأ التابع لداعش]. في المستوى الأعلى يتهم تنظيم الدولة نظيره بالتماهي السياسي وبالتعامل مع بعض الأنظمة الحكومية، وفي المستوى الأدنى يتهمه بعدم التطبيق العملي للفكرة العقائدية الصحيحة عن الشريعة وفق منظور التنظيمين.
هذا يعرفنا بجذر الخلاف القائل، بأن لتنظيم الدولة منطق ثوري يسعى للتطبيق العملي لعقيدته الدينية ويدعو للقطيعة الكلية مع الأنظمة الحكومية، بينما لتنظيم القاعدة منطق سياسي يتصل بطرفي المعادل:
1- يقبل بالتعامل مع الأنظمة الحكومية.
2- يقبل بالتعامل مع الواقع المجتمعي الغير مطبق للشريعة الإسلامية.
يبدو أن ثورية تنظيم الدولة قد طالت نظيره تنظيم القاعدة منذ مطلع العام 2011 إبان ثورات ما يسمى بالربيع العربي، بينما سياسة الأخير طالت تنظيم الدولة مؤخرا تلميحاً وليس تصريحاً على لسان زعيم القاعدة خالد باطرفي في خطابه الرمضاني بمناسبة حلول الشهر الكريم، وهو يتضمن الإشارة إلى "المنافقين والجواسيس"[خطاب منشور في موقع تنظيم القاعدة]. هذا التلميح السياسي لتنظيم القاعدة قابله التصريح الأخير لتنظيم الدولة المذكور أعلاه في فيديو بث في 29 ابريل 2020.
يعيدنا تصريح تنظيم الدولة بجديته العقائدية إلى إعادة تعريف تنظيم القاعدة وتذكّر سيرته المؤسسية الأولى كتنظيم مرسل إلى شرق آسيا وافغانستان، قصة الجهاديين العرب وانبعاثهم من جماعات الإسلام السياسي التي لعبت دورا محوريا في ايفاد المجاهدين إلى الشرق.
من الشرق إلى الغرب
إلى اليمن عاد الجهاديون العرب من حربهم في الشرق معبأين بنشوة انتصارهم على الكفار الشيوعيين، لينخرطوا دواليك في حرب الشمال اليمني على الجنوب ذي النظام الاشتراكي "الشيوعي الكافر حد وصفهم". [فتوى القيادي الإخواني عبد الوهاب الديلمي]
في 7 يوليو 1994 انتصر الشمال اليمني على الجنوب باجتياحٍ عسكريٍ تعدى القرارات الدولية حينها، وضعت الحرب أوزارها ولم يضع الجهاديون اليمنيون والعرب أوزار فكرهم العقائدي.
نوعا ما نجحت محاولة الرئيس اليمني السابق علي صالح، ترويضهم وإعطاءهم الرتب العسكرية والمناصب السياسية في الدولة [حديث فيديو لأحد الجهاديين العرب، مصري الجنسية]، فاستطاع صالح إعادة الجهاديين اليمنيين والعرب إلى رحم جماعات الإسلام السياسي الخارجين منه، إلى أن أعادهم حدث تفجير المدمرة الأمريكية "كول" في خليج عدن في العام 2000 إلى ممارسة نشاطهم الإرهابي، بما يؤكد استمرارهم في تعاطي الفكر العقائدي المتطرف، لكن هذه المرة من موقع حكومي وعسكري محاط بهالة من الحصانة الدبلوماسية.
ليتلقى الرئيس صالح أكثر من لفت نظر دولي بتورط بعض القيادات الحكومية المنتمية لجماعة الإخوان "حزب الإصلاح اليمني" في الإرهاب [إفادة عن تلقي مؤسسة الرئاسة اليمنية برقية من فرنسا تبلغها باعتزام أممي لإدراج القيادي الإخواني عبد المجيد الزنداني على لوائح الإرهاب، يطلب الجانب الفرنسي اعلامه إذا ما كان الرئيس صالح يريد من فرنسا استخدام حق النقض "الفيتو"، إلا ان صالح غض الطرف ولم يقم بالرد على البرقية].
أتت احداث 11 سبتمبر 2001م الإرهابية التي ضربت أمريكا، وتنظيم القاعدة في جزيرة العرب كان قد تشكّل في اليمن بحماس عقائديٍ أشبه بحماسه السابق المندفع شرقا ضد الشيوعيين. الفارق فقط في اتجاهه هذه المرة غربا ضد "الصليبيين الكفار"، ليدشن الغرب حربه ضد الإرهاب التي وصفها جورج بوش الابن في أول خطاب له عقب أحداث 11 سبتمبر مباشرة ب"الحرب الصليبية" ثم عاد واعتذر عن هذا بالقول إنها "زلة لسان" ليتكفل بالرد عليه الإيراني بالقول "هذه زلة فكر وليست زلة لسان".
حدثت كل هذه التطورات والجهاديون اليمنيون يتبوؤون أعلى المناصب والرتب في الدولة اليمنية، والحديث عن تنظيم القاعدة في جزيرة العرب يشي بانبعاث آخر للإرهاب كسابقه المتجه شرقا، المنبعث من رحم جماعات الإسلام السياسي.
مازال الخلط بين العقيدة والسياسة يطل برأسه مرة أخرى، رغم المحاولات المتكررة لجماعة الإسلام السياسي في اليمن "حزب التجمع اليمني للإصلاح" التنصل من هذا، الأمر الذي دفع الجانب الأمريكي إلى وصف الفرع اليمني لتنظيم القاعدة بالأخطر.
من العام 2001 إلى العام 2011 يكون قد مر على أحداث سبتمبر عقدٌ من الزمن لتندلع ثورات الربيع العربي التي سمحت بعودة تنظيم القاعدة لمزاولة النهج السياسي وهو يبارك ويؤيد ثورات الربيع العربي التي تتصدرها جماعات الإسلام السياسي. [خطاب تأييد ومباركة لأيمن الظواهري]
المراوحة بين السياسي والعقائدي
مُنيت جماعة الاخوان المسلمين الأم في مصر بفشل ذريع في حكمها الذي لم يدم كثيرا. فعَدَلَ تنظيم القاعدة عن تعاطيه للخطاب السياسي وعاد للخطاب العقائدي المتطرف. هذه المراوحة بين السياسي والعقائدي تشبه مراوحة جماعة إخوان اليمن وخلطهم بين السياسي الحكومي والعقائدي التنظيمي.
هذا يعيدنا لما ذكرناه في البدء عن اتهام تنظيم الدولة الإسلامية "داعش"لتنظيم القاعدة في جزيرة العرب بالارتباط والتعامل مع الحكومة اليمنية وبالتحايل على التطبيق العملي للشرعية الإسلامية في مناطق سيطرة التنظيم جنوبا مطلع العام 2011، [فيديو داعش الأخير] بما يؤكد صحة الإشارات التالية:
- اعتماد تنظيم القاعدة على مبدأ التعيين السياسي في تنصيب زعيمه الحالي "خالد باطرفي" عقب مقتل سابقه "قاسم الريمي"، وتخليه عن مبدأ البيعة العلنية، المبدأ العقائدي. [بيان التعيين المنشور من قبل التنظيم]
- اشتراك عناصر تنظيم القاعدة في القتال ضد الانتقالي الجنوبي والتحالف العربي في جنوب اليمن مع القوات الحكومية. [تقرير صحفي لقناة dw الألمانية الناطقة بالعربية].
- حديث الخبير الدولي الأمريكي د.جونسون ريغوري المبعوث لليمن ضمن فريق خبراء، عن خلط دولة الإمارات في حربها ضد الإرهاب بين: جماعة الاخوان [حزب الإصلاح المسيطر على الحكومة] وتنظيم القاعدة في جزيرة العرب، وتضليلها لواشنطن [مقال لريغوري نشره مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجي].
- إشارة بعض مراكز البحوث والدراسات الدولية إلى تغير استراتيجية التنظيم من الهرم القيادي إلى التنظيم الذري بما يعزز السلوك السياسي على حساب السلوك العقائدي. [تقرير للمؤسسة الأمريكية جيمس تاون]
ثلاثة في واحد
ما سبق يضعنا أمام المواجهة المباشرة للعامل المشترك بين كل من، تنظيم القاعدة في جزيرة العرب وجماعة الإخوان "حزب الإصلاح" والحكومة اليمنية، عامل المراوحة بين السلوك السياسي والسلوك العقائدي، محقق اختلاط الثلاث معا بما يصنفهم مجتمعين "منظمة إرهابية واحدة" هي الأخطر على الإطلاق بتموضعها تارة كجماعة سياسية وتارة أخرى كحكومة شرعية
تماما هذا هو ما يبرر توجه المجتمع الدولي الداعم لخطوات المجلس الانتقالي الجنوبي السياسية منذ قيامه بطرد الحكومة اليمنية من العاصمة المؤقتة عدن في اغسطس العام المنصرم وحتى تمثيله كطرف سياسي في اتفاقية الرياض الموقعة مع الحكومة وصولاً لإعلانه عن الإدارة الذاتية للجنوب وطرده النهائي للحكومة في ال 25 من ابريل 2020.
مقابل هذا تجري الحكومة اليمنية المسيطر عليها من جماعة الإخوان "حزب الإصلاح"، محاولتها الأخيرة لنفي إدانتها بكونها هي ذاتها من يمثل "تنظيم القاعدة في جزيرة العرب". فتلوذ بالاحتماء بالخطاب الوطني عن سيادة اليمن وتختبئ تحت الشعارات الرنانة التي تلهب بها حماس الجماهير تارة وتارة أخرى بصفتها الشمالية تسعى لإلحاق الصفة الجنوبية بتنظيم القاعدة بتعيينها خالد باطرفي في الزعامة لغرضها الهادف من جانب لرفع وتيرة عمليات التنظيم لتقويض سيطرة الانتقالي الجنوبي على الجنوب ومن جانب اخر يضع بيض الإرهاب كله في السلة الجنوبية بنفس الطريقة التي تحاول من خلالها وضع الصراع المناطقي "الجنوبي-الجنوبي" في سلة الجنوب بوقفوها عن بعد وحديثها المرسل لإلهاب المشاعر الوطنية والمشاعر العقائدية معا.
الجدير بالذكر، عملها إبان سيطرة وتمدد الحوثيين في الجنوب على إحلال العنصر الشمالي في زعامة تنظيم القاعدة، العامل المساعد على خفض وتيرة عمليات التنظيم وانحسارها كليا بما يحقق الغلبة الشمالية، وفيما يحقق إحلال السلام العقائدي شمالا تلفت نظر المذهب السني في المنطقة الشمالية الوسطى وتحملهم على الاتجاه لقتال الجنوبيين السنة بدوافع وطنية ودوافع عقائدية تقدم قتال من تصفهم بعملاء العدو الغربي الصليبي كعامل مؤثر خارجي يحاول نفي آخر عامل مؤثر داخلي يتشكل في صورة صراع سني-شيعي، يمثله تغول العقيدة الشيعية للحوثيين وسيطرتهم على مناطق العقيدة السنية في الشمال اليمني الأدنى.
إلا أن طبيعة الحدث الطارئ شمالا في كل من المحافظتين الشماليتين البيضاء ومأرب يشي بحدوث العكس تماما بما يضع العقدتين التاريخيتين لهاتين المحافظتين أمام الحوثيين على وشك حدوث مؤثر داخلي ينذر بصراع طائفي شمالي شمالي مستدعى من التاريخ بمثوله القوي بما يحقق انتفاء المؤثر الخارجي لاتجاه الشمال الموحد جنوبا.
هذا الأخير يعزز القبول الشمالي بانتهاء شرعية الحكومة اليمنية والاعتراف بوجهة نظر المجتمع الدولي عن ضلوعها في الإرهاب بما يحقق وحدة جنوبية في مقابل وحدة شمالية يساعد في تحقيقهما المجتمع الدولي والطرفين معا الشمالي والجنوبي في سبيل فك العقدتين الشماليتين أمام الحوثيين وفك عقدة الحكومة اليمنية أمام المجلس الانتقالي الجنوبي، التي يبدو أنها قد فُكت أصلا بإعلان الانتقالي عن الإدارة الذاتية للجنوب.