وبعيدا عن الخلاف حول البعد الديني يعود رفض التونسيين لمشروع صندوق الزكاة إلى منع النهضة من بناء كيانات موازية للدولة تستطيع من خلالها في المستقبل أن تنافسها بها وتلتف عليها، خاصة أنها تعمل على إضفاء شرعية قانونية على هذه الكيانات مثلما هو الأمر مع الجمعيات الخيرية التي تستثمر أموالا طائلة في أنشطتها دون أي رقابة.
وقال بن حليمة إنه استنادا "للفصل 14 من الدستور فإن الدولة تدعم اللامركزية في كامل التراب الوطني وفي إطار وحدة الدولة وعليه فإن الجماعات المحلية لا يمكن أن تصبح إمارة وتتمرد على السلطة المركزية التي تبقى هي الماسكة بمكونات وحدة الدولة".
واعتبر ما قام به رئيس بلدية الكرم "تحيلا باستعمال الدين واللعب على مشاعر الناس لإعطاء تقديم الإعانة المالية للبلدية مسحة دينية"، ولم يستبعد أن يعتبر العويني "من لا يقدم ذلك الدعم متخلفا عن أداء فرض ديني وبالتالي يعتبر من الخوارج".
وحذر المحامي التونسي من "هذه العينة من فيروس إخواني يحاول الانتشار في جسد الدولة لتفتيته وإنشاء إمارة تقطع مع وحدة الدولة التي يضمنها الدستور" .
وأصبحت النهضة تعول في البرلمان على تحالفها مع إئتلاف الكرامة الذي يركز نوابه المتشددون على نشر فوضى خلال جلسات المجلس، لدعم مقترحاتها ومشاريع قوانين مثيرة للجدل تقدمها خدمة لمصالحها ولتمكين مسؤوليها في الدولة، معتمدة في ذلك على بعض المحامين المواليين لها لمساعدتها في الاستفادة من الحيل القانونية لتمريرها.
واعتبر المرصد التونسي للدفاع عن مدنية الدولة في بيان أن افتتاح "صندوق للزكاة" تحت شعار "إحياء شعيرة الزكاة" يعد مؤشّرا خطيرا على استخفاف بلدية الكرم بمؤسسات الدولة، حكومة ومجلسا تشريعيا" خاصة وأنّ مجلس نواب الشعب رفض المصادقة على إنشاء صندوق للزكاة.
واعتبر المرصد أن هذه البادرة التي وصفها بالخطيرة "تُمثّل تحديا صارخا لمنطوق الدستور في تنصيصه على مدنية الدولة ومحاولة واضحة ومفضوحة للشروع، خطوة خطوة، في بناء الدولة التيوقراطية الدينية، دولة الخلافة، التي تنسف مبادئ الدولة المدنية الحديثة".
وأضاف المرصد أن عبارة "الزكاة" هي "مفهوم ديني بحت وفريضة يقوم بها المسلم بمفرده، واستعمالها مغالطة للمواطنين قصد اقناعهم بأن المساهمة في الصندوق واجب ديني وليس مبادرة تضامنيّة، كما أنها تُكرّس التفرقة بين المسلمين وغيرهم من المواطنين التونسيين، وفي مخالفة صريحة لنص الدستور وروحه".
اعتبر المرصد أن "ربط مفهوم الزكاة بالشؤون السياسية والاقتصادية والاجتماعية هو محاولة لتمرير إيديولوجيّة سياسية. ذلك أن مساهمة المواطنين في التنمية وفي حل المشاكل الاقتصادية والاجتماعية تمرّ عبر الضرائب والأداءات، أي عبر المؤسسات الرسمية للدولة التي هي وحدها المسؤولة عن تلبية الاستحقاقات الاجتماعية للمواطنين، وليس عبر صناديق مشبوهة يُراد بها الشروع في تعويض البنك المركزي ووزارة الماليّة لترك الماليّة العموميّة بين أيدي طرف سياسي دون غيره".
وقال مرصد الدفاع عن مدنية الدولة إن تجارب التونسيين مع مثل هذه الصناديق تركت أسوأ الذكريات لديهم بسبب ما حام حولها من شبهات الفساد وسوء التصرّف، في إشارة إلى صناديق التبرع التي كانت تحوم حولها شبهات فساد خلال فترة حكم زين العابدين بن علي
ودعا المرصد السلطات السياسية العليا بالتدخل العاجل لمنع هذا التوظيف السياسي للدين وهذه التجاوزات الخطيرة التي تُمثّل تمرّدا على مؤسسات الدولة وعلى دستورها ومدنيّتها.
من جهته استنكر الحزب الدستوري ما قام به رئيس بلدية الكرم و"تركيز لافتات بالشوارع للترويج لصندوق الزكاة رغم رفض البرلمان المصادقة على مشروع إحداث هذا الصندوق وبالتالي غياب أي سند قانوني لإحداثه".
وقال الحزب في بيان إن "هذا التصرف يمثل تمردا صريحا على قوانين البلاد وقرارات البرلمان وتجاهلا لموقف السلطة الجهوية التي رفضت المصادقة على قرار المجلس البلدي بالكرم"، داعيا إلى ضرورة التصدي لكل محاولات ضرب وحدة الدولة المدنية و"الاعتداء على دستور البلاد وتوظيف صلاحيات رئيس البلدية صلاحياته لخدمة مخطط تقويض أسس الدولة المدنية الحداثية".
وأشار الحزب الدستوري الحر نوابه عن جهة تونس 2 وتونس 1 طلبوا من والي الجهة الدعوة لعقد جلسة استثنائية استعجالية للمجلس الجهوي بمحافظة تونس سعيا لإصدار موقف رافض لهذا الاعتداء والتباحث في إجراءات إلغاء وإيقاف تنفيذه.
من جهته عبر حزب آفاق تونس عن رفضه لما قام به رئيس بلدية الكرم مستنكرا الخرق الخطير للدستور عبر فرض إحداث صندوق الزكاة رغم رفض مجلس نواب الشعب المصادقة على مشروع قانون في هذا الشأن.
وطالب الحزب "رئيس الدولة بصفته راعي الدستور والحكومة باعتبارها مؤتمنة على تطبيق القانون وكافة الأحزاب والمنظمات أن تتحرك لإيقاف هذه التجاوزات التي تهدد ديمقراطيتنا الناشئة والتصدي لكل ما من شأنه أن يعرض وحدة البلاد واستقرارها للخطر".