تقارير وتحليلات
محاكمة نتنياهو قد تستمر عامين أو أكثر..
نتنياهو يخوض أشرس معركة قضائية للإفلات من تهم الفساد
رفض رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الاثنين، التوصل إلى اتفاق قضائي بشأن اتهامات بالفساد موجهة ضده، في محاكمة من المتوقع أن تستمر عامين أو أكثر.
وجاء ذلك في تصريح أدلى به نتنياهو لقناة '20' الإسرائيلية (خاصة)، غداة بدء إجراءات محاكمته بتهم فساد، أبرزها الرشوة والغش وخيانة الأمانة.
وقال نتنياهو، عقب أيام من بدء ولايته رئيسا لحكومة وحدة وطنية، إنه لن يحاول التوصل إلى صفقة قضائية مع النيابة الإسرائيلية العامة، مضيفا "لم آت إلى المحكمة للتعاطي والمتاجرة، بل للكشف عن الحقيقة"، بحسب المصدر ذاته.
والأحد بدأت المحكمة المركزية الإسرائيلية بالقدس الشرقية، النظر في لائحة اتهامات موجهة إلى نتنياهو حضرها الأخير برفقة هيئة الدفاع عنه.
وأعلن بنبرة تحدٍّ أنّه يمثل أمام المحكمة "مرفوع الرأس" وذلك عند بدء محاكمته بقضايا فساد في القدس، واصفا التهم الموجهة إليه بـ"السخيفة".
وبعد نحو عام ونصف العام من أطول جمود سياسي شهدته إسرائيل وتخللته ثلاث انتخابات غير حاسمة، قاتل خلالها بضراوة من أجل استمرار وجوده على الساحة السياسية، بات نتانياهو أول رئيس وزراء إسرائيلي يمثل أمام القضاء أثناء توليه منصبه.
قبل وصوله إلى المحكمة، التقى ناجين من المحرقة ليستمد منهم "القوة" كما قال. ومع وصوله إلى مقر المحكمة المركزية في شارع صلاح الدين في القدس الشرقية المحتلة المحاط بعناصر الشرطة وخلفه عناصر فريقه واضعين كمامات، هاجم نتانياهو الذي لم يضع كمامة، القضاء ووسائل الإعلام واتهمهما بالعمل معا من أجل إسقاطه.
وقال للصحافيين أثناء دخوله المقر "أقف أمامكم صلبا ومرفوع الرأس"، منددا بتهم وصفها بـ"سخيفة" ضده.
ويلاحق نتانياهو في ثلاث قضايا مختلفة، بينها واحدة حساسة جدا تشمل توفير امتيازات حكومية لمجموعة مقابل الحصول على تغطية إعلامية إيجابية.
وأضاف بينما اتهم قسما من الإعلام الإسرائيلي بأنه غير محايد في هذه القضية "طلبت أن تنقل الجلسات مباشرة عبر الهواء كي يتمكن الرأي العام من الاستماع إلى كل شيء (مباشرة) وليس بواسطة" صحافيين.
وداخل قاعة المحكمة، ظهر نتانياهو واضعا كمامة زرقاء، مؤكدا أنه يفهم طبيعة التهم الموجهة إليه.
وقرب المحكمة، تجمع مؤيدون له رافعين الأعلام الإسرائيلية. وأمكن مشاهدة لافتة كتب عليها "قضية دريفوس 2020"، في إشارة إلى الفضيحة الناجمة عن خطأ قضائي في فرنسا على خلفية معاداة السامية مطلع القرن العشرين.
وفي تظاهرة مقابلة مناهضة لنتانياهو، ردد مئات الأشخاص عبارات "ديمقراطية، ديمقراطية"، متهمين رئيس الوزراء بالفساد.
ووجهت لنتانياهو أيضا تهمة الاحتيال وخيانة الأمانة في الملف "1000" الذي يذكر أنه تلقى هدايا من أنواع فاخرة من السيجار والشمبانيا والمجوهرات بقيمة 700 ألف شيكل (180 ألف يورو) من أثرياء مقابل خدمات مالية أو شخصية.
ونتانياهو هو أول رئيس وزراء إسرائيلي بقي في منصبه لأطول مدة في تاريخ إسرائيل وهو أيضا أول رئيس وزراء في إسرائيل يخضع للمحاكمة وهو لا يزال في السلطة.
ويعتبر من أكثر زعماء إسرائيل يمينية ويظهر عداء شديدا لإيران. وخلال حكمه، توقفت كل المفاوضات بين الحكومة الإسرائيلية والسلطة الفلسطينية.
في عام 2009، استقال رئيس الوزراء إيهود أولمرت بعدما أوصت الشرطة بتوجيه الاتهام إليه بتهمة الفساد. وقد حوكم وأدين بتلقي رشاوى وحكم عليه بالسجن لمدة 27 شهرا، لكن تمّ الإفراج عنه بعد 16 شهرا. وينتمي أولمرت، كما نتانياهو إلى حزب ليكود اليميني.
ونتنياهو متهم كذلك بتبادل خدمات غير قانونية من أجل الحصول على تغطية إيجابية له في "يديعوت أحرونوت"، الصحيفة الإسرائيلية الأكثر مبيعا.
وقال مع دخوله المحكمة الأحد "خلال 244 عاما من الديمقراطية (منذ الثورة الأميركية) لم يحصل أبدا أن وجّهت تهمة إلى أحد لأنه حصل على تغطية إعلامية إيجابية في وسيلة إعلامية. وفي حالتي، فإنّ التغطية لم تكن حتى إيجابية".
وقال الباحث في معهد 'الديمقراطية' الإسرائيلي للدراسات أمير فوتشز "هذه التهمة هي الأكثر تعقيدا، لأنها تختلف عن قضايا الرشوة الكلاسيكية حيث يتم دفع المال".
وأضاف لصحافيين "الادعاء هو أن نتانياهو كان يحصل على تغطية إعلامية فقط"، لا على المال، معتبرا أن ذلك "أمر غير مسبوق".
وتابع "لكن في قضية بيزيك، المسألة هي أكثر من كتابة مقالات فيها إطراء له، كان في الواقع تحكما تاما بسياسة تحرير هذا الموقع، والتدخل حتى بأدق تفاصيل النشر في النصوص أو الصور".
وخلال جلسة الأحد، طلب محامو نتانياهو عدة أشهر إضافية لدراسة عناصر الأدلة المقدمة ضده، في حين طلبت النيابة العامة من المحكمة الاستماع بأسرع ما يمكن للقضية التي قد تمتد سنوات.
وأكد القضاة الثلاثة أنهم سيقومون بدراسة طلبات الطرفين ورفعوا الجلسة إلى 19 يوليو/تموز على أن يحضر المحامون فقط الجلسة المقبلة.
وبموجب القانون الإسرائيلي، لا يتمتع رئيس الوزراء الحالي بحصانة تلقائية من الملاحقة القضائية، لكنه أيضا غير ملزم بالاستقالة عند اتهامه، إلا في حال إدانته وبعد استنفاد جميع السبل القضائية.
ويقول أستاذ القانون في الجامعة العبرية في القدس يوفال شناي "هناك عدم توافق أساسي بين دور نتانياهو كرئيس للحكومة ومكانه كمتهم"، مشيرا إلى أن رئيس الوزراء "سيقاتل بشدة وربما بشكل فعال لإضعاف السلطات القضائية التي تلاحقه. هناك تضارب خطير في المصالح".
وبمجرد بدء المحاكمة، يستطيع القضاة الثلاثة الذين اختارتهم المحكمة العليا أن يطالبوا نتانياهو بأن يمثل أمام المحكمة عندما يعتبرون ذلك ضروريا.
وترأس نتانياهو الأحد قبل بدء محاكمته الجلسة الأولى لحكومة الوحدة التي تشكلت قبل أسبوع بتحالف مع خصمه السابق بيني غانتس. وكان الأخير أعلن أنه لن يتشارك الحكم مع شخص متهم بالفساد قبل أن يعيد النظر بموقفه وسط أزمة وباء كوفيد-19.
وقال للصحفيين الأحد، إن "محامين وأفراد شرطة وصحفيين من اليسار (لم يسمهم)، قرروا أن يحيكوا لي ملفات تنطوي على الهذيان، ظنا منهم أنني سأستسلم".
وفي يناير/كانون الثاني الماضي، قدم المستشار القضائي للحكومة الإسرائيلية أفيخاي ماندلبليت، لائحة اتهام إلى المحكمة المركزية بالقدس الشرقية ضد نتنياهو، بعد فشل الأخير في الحصول على حصانة برلمانية.
وبحسب القناة '12' (خاصة)، يتوقع أن تستغرق محاكمة نتنياهو عامين على الأقل وربما ثلاثة أعوام، إذ يمكن الأخذ في الحسبان مثلا زيارات دبلوماسية مهمة تم تحديد موعدها خلال جلسات المحاكمة المحددة سلفا.
وقبل أسبوع، منح الكنيست (البرلمان) الإسرائيلي الثقة للحكومة الائتلافية الجديدة بقيادة نتنياهو وأدى أعضاؤها اليمين الدستورية.
والحكومة الجديدة هي ائتلاف بين كتلة اليمين التي يتزعمها حزب الليكود برئاسة نتنياهو، وحزب 'أزرق أبيض' برئاسة وزير الدفاع بيني غانتس ويتناوب كلاهما على رئاستها.