تقارير وتحليلات
بينما تواجه عمان والعالم أزمة كورونا، سيتعيّن على السلطان هيثم اتخاذ قرارات صعبة..
كورونا يدفع إلى تقارب عماني أكثر مع جيرانها الخليجيين
كشفت الأزمة الاقتصادية الحادة الناتجة عن مخلّفات وباء كورونا والهبوط الحاد لأسعار النفط أن سلطنة عمان غير قادرة على تجاوز محنتها دون دعم من العمق الخليجي في شكل حزمة إصلاحات عاجلة على شاكلة خطة الإنقاذ التي تم اعتمادها لدعم اقتصاد البحرين في 2018.
وتقول أوساط خليجية إن الظروف باتت مهيأة الآن أمام سلطنة عمان لجسر الهوة مع أشقائها في ظل حكم السلطان هيثم بن طارق الذي أكد منذ الخطاب الأول لمباشرة مهامه على أولوية العمق الخليجي، وهو ما من شأنه أن يرفع الالتباس الذي طبع مواقف السلطنة في مرحلة سابقة بانفتاح مبالغ فيه على إيران بدا أكثر في خدمتها.
ويمارس الارتفاع في حالات الإصابة بفايروس كورونا مزيداً من الضغط على الاقتصاد العماني في الوقت الذي يواجه فيه السلطان هيثم بن طارق “عاصفة” من انخفاض الإيرادات وارتفاع مستويات الديون.
وكلما طالت مدة الوباء زاد الضرر على الاقتصاد الهش بالفعل. ومن المتوقع أن يتقلص الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 3.5 في المئة مع ارتفاع الدين العام الذي بلغ الآن 70 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي. وعلى الرغم من ارتفاع أسعار النفط إلى 40 دولارا أميركيا، بعد أن انخفض إلى 20 دولارا في منتصف أبريل الماضي، فإن السلطنة تأمل أن يبلغ السعر 97 دولارا أميركيا.
وفي ظل موجة انتشار الفايروس الثانية في دول أخرى، بما في ذلك الصين، هناك احتمال كبير أن ينخفض سعر النفط بشكل كبير مرة أخرى. وكما أشارت سينزيا بيانكو من المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، فإن مسقط “تعتمد بشكل كبير على عائدات النفط، مثلها مثل دول مجلس التعاون الخليجي الأخرى، على الرغم من أنها تمتلك أصولا نفطية وغازا أقل. وبما أن الأصول المالية التي من المفترض أن تساعد على تخفيف بعض هذه الأوقات الصعبة قليلة، لذلك تواجه عمان هنا أزمة معقدة من الناحية المالية”.
ويعتقد خبراء اقتصاديون أن سلطنة عمان يمكن أن تلجأ إلى الإمارات والسعودية والكويت للحصول على خطة إنقاذ مشابهة لما فعلته البحرين عضو مجلس التعاون الخليجي في عام 2018 عندما تم الاتفاق على حزمة بقيمة 10 مليارات دولار أميركي.
وتقول بيانكو “تأتي المساعدة المالية دائمًا مرفقة بشروط سياسية. وبالنسبة إلى سلطنة عمان، فإن الخيارين هما: أولا اللجوء إلى صندوق النقد الدولي الذي يرتبط بسلسلة من الإصلاحات الهيكلية التي يمكن أن تزعزع الاستقرار من وجهة نظر سياسية داخلية؛ والخيار الثاني هو التواصل مع لاعبين إقليميين مثل السعودية والإمارات، وبالطبع ستكون هناك قيود سياسية مرتبطة بهذه المساعدة أيضًا”.
وبينما تواجه عمان والعالم أزمة كورونا سيتعين على السلطان هيثم اتخاذ قرارات صعبة.
ويمارس صندوق النقد الدولي ضغطا على سلطنة عمان لاعتماد إصلاحات صعبة من الناحية الاجتماعية كانت غير قابلة للتنفيذ حتى في الأوقات المزدهرة. لكن الظروف الحالية ستجعل من الصعب على عمان، على سبيل المثال، إدخال ضريبة القيمة المضافة وخفض الدعم بشكل أكبر.
ولأجل هذا يبدو خيار الرهان على الدعم الخليجي هو الأقرب بالنسبة إلى سياسات مسقط التي تعطي الأولوية للسلم الاجتماعي وتعزيز الثقة بالتغيير السياسي في البلاد، خاصة أن الخيار الخليجي لا يثير أيّ إحراج للسلطان هيثم الذي بدأ منذ خطاب العرش بترميم ما بدا أنه برود في العلاقات الخليجية لبلاده والحد من الانفتاح على إيران كان العمانيون يدرجونه ضمن أساسيات دور الوساطة والتهدئة في المنطقة، فيما استثمره الإيرانيون لإظهار قدرتهم على اختراق وحدة مجلس التعاون. تماما مثلما استثمره القطريون في إرباك العلاقة بين مسقط والرياض.
ويعتقد متابعون للشأن الخليجي أن إيران استفادت من سماحة العمانيين الذين استضافوا مفاوضات ملفها النووي وكان لهم دور في تليين مواقف الأميركيين والأوروبيين وتعبيد طريق الحوار.
كما أن مسقط كانت ممرّا للمتمردين الحوثيين في اليمن ورتبت لهم لقاءات مع شخصيات غربية، وفيما كان العمانيون يفعلون ذلك لأجل تنشيط مناخات الحوار اليمني كان الحوثيون، ومن ورائهم إيران، يستثمرون الأمر في البحث عن “اعتراف خارجي” يتناقض مع خطط السعودية في الدفع إلى حل يمني يعود بالأوضاع إلى ما قبل سقوط صنعاء.
وبالنتيجة لم يربح العمانيون من الاقتراب المبالغ فيه من إيران، وهو ما يجعل تصويب الموقف العماني من طهران أمرا دون خسائر. وعلى العكس، فمن المرجح أن يجلب الخيار الخليجي منافع ومزايا لمسقط لعل أهمها عودة قوية للعلاقات مع السعودية والإمارات، والاعتماد على الدعم الخليجي في خطط السلطان هيثم للخروج من الأزمة الاقتصادية.
وعندما ينظر السلطان هيثم حوله بحثا عن أصدقاء وحلفاء آخرين موثوقين سيجد أن الوحيدين هم الجيران الخليجيون. وبسبب المساعدة على تأمين الاتفاق النووي الإيراني تعامل الرئيسي الأميركي دونالد ترامب مع عمان بمزيج من الاستياء والغضب، تجسّد في غياب أيّ من كبار المسؤولين الأميركيين في جنازة السلطان قابوس في يناير الماضي.
وقد مثّل بريطانيا، من جهة أخرى، في جنازة السلطان قابوس كل من رئيس الوزراء بوريس جونسون والأمير تشارلز، وهي علامة على تقدير المملكة المتحدة الكبير للسلطان الراحل والعلاقة طويلة الأمد بين الدولتين.
وعندما التقى وزير الخارجية البريطاني دومينيك راب مع السلطان هيثم بن طارق، بمسقط في أبريل الماضي، دار الحديث حول اليمن وحول التجارة، حيث قدمت بريطانيا ما يقرب من نصف الاستثمار الأجنبي المباشر في عمان العام الماضي.
ولكن ذلك كان في الماضي حيث أن الضرر الذي لحق بالاقتصاد البريطاني بشكل كبير مثله مثل الاقتصاديات في جميع أنحاء العالم بسبب أزمة انتشار الوباء ومغادرة الاتحاد الأوروبي لن يسمحا لها بتقديم مساعدة لمسقط في مثل هذه الظروف.