شؤون العرب والخليج
اتهامات للإخوان بالعمل على تخريب الاقتصاد والإخلال بالأمن تمهيداً لانقلاب
السودان: حكومة حمدوك أمام مطبات الانتقال
يربط مراقبون وسياسيون سودانيون بين الانخفاض الكبير والمفاجئ في سعر صرف الجنيه السوداني، وتمرّد قوات هيئة العمليات التابعة لجهاز المخابرات، واحتجاجات أنصار نظام المعزول عمر البشير، في عدد من مدن البلاد، ويصفونها بأنها مخطط إخواني شرير، يسعى لزعزعة الأمن وإثارة الفتنة لترتيب المسرح لعودتهم لحكم البلاد من جديد، ويعتبرون الانخفاض المفاجئ في سعر صرف الجنيه «مضاربة سياسية».
وتواجه الحكومة الانتقالية السودانية، برئاسة الدكتور عبد الله حمدوك، تحديات ومطبات كثيرة، عرفت بين مكوناتها بـ«مطلوبات الانتقال»، وعلى رأسها تحقيق السلام، ووقف الحرب، وتوفير الأمن والاستقرار، وإعادة بناء الاقتصاد ووقف انهياره ومترتباته الممثلة في الضائقة المعيشية الخانقة، فضلاً عن مهمة تصفية وتفكيك نظام الإنقاذ واسترداد الدولة.
وقال رئيس الوزراء عبد الله حمدوك في حوار بثَّه التلفزيون الرسمي، يوم الثلاثاء، إن حكومته تملك خططاً وبرامج لمعالجة الأزمات التي تواجه البلاد، بيد أنه أشار إلى ما سمّاه «ارتفاع سقف التوقعات»، من قبل المواطنين، وتعهّد بتقديم تجربة سودانية لإعادة البناء تلفت نظر العالم، مثلما لفتت نظره ثورة الشعب السلمية، ورأى في حسم تمرد هيئة العمليات الأخير تأكيداً للعمل المشترك بين مكوني الحكومة المدني والعسكري والثقة المتبادلة بينها.
وشهدت البلاد «هزة اقتصادية مباغتة» أدَّت لانخفاض سعر صرف الجنيه السوداني بصورة غير منطقية، انخفض بموجبها سعر صرفه من نحو 90 جنيهاً للدولار إلى مائة جنيه للدولار الواحد في بحر أيام، وهو ما وصفه عضو اللجنة الاقتصادية للحرية والتغيير، المتحدث باسم «حزب البعث العربي الاشتراكي» عادل خلف الله بأنه «مضاربة سياسية» في العملات الأجنبية تهدف لزعزعة الأوضاع في البلاد.
وقبلها شهدت الخرطوم ومدن أخرى في البلاد هزّة أمنية عنيفة، بسبب تمرد مسلحين تابعين لهيئة العمليات التابعة لجهاز المخابرات السابق، الذين أطلقوا الرصاص العشوائي من مقرات الهيئة، ما تسبب في حالة من الزعر بين المدنيين، واضطرت القوات المسلحة وقوات الدعم السريع لاقتحام تلك المواقع مستخدمة الأسلحة الثقيلة التي روعت أمسية وصباح المدينة المبكر. وأوضح خلف الله لـ«الشرق الأوسط»، أن معركة شعب السودان الذي أسقط أحد أشرس الديكتاتوريات في التاريخ تبدأ بعد مرحلة الإسقاط، وقال: «هذا التشخيص ينبع من طبيعة الوعي بالنظام الذي استولى على السلطة بالانقلاب في 1989، لقطع الطريق أمام تنفيذ اتفاق السلام».
وأضاف: «النظام الذي أسقطه الشعب كان مسنوداً بقوة عقائدية تعبر عن مصالح محدودة اجتماعياً واقتصادياً تتمثل في الرأسمالية الطفيلية وبرنامجها في السيطرة والهيمنة على مقدرات البلاد، تحت برنامجها الذي أطلقت عليه (المشروع الحضاري)، والذي حصنته بما أطلقت عليه (إجراءات التمكين)».
ويقطع خلف بأن الحكومة الانتقالية لا تملك عصاً سحرية لمعالجة مطلوبات الانتقال، بقوله: «لا البرهان ولا حمدوك يملك عصا موسى، لأن الانتقال من الهيمنة العقائدية ليس هيناً»، واستدرك: «لكنه ليس بالعصي بالنسبة للشعب السوداني وجسارته في مواجهة المعضلات».
ويرى خلف الله أن تحدي الاقتصاد والسلام، هي أبرز تحديات السلطة الانتقالية الحالية، ويقول: «كان للتحدي الاقتصادي دور حاسم في نجاح الانتفاضة الشعبية، لأن الرأسمالية الطفيلية أوغلت تبعية اقتصادية دمرت مقومات الاقتصاد السوداني، ونهبت مقدراته، وأكملت تصفيته لمصلحة نافذين، أوصل البلاد لمعدل نمو سالب».
وقال خلف الله إن نظام «الإخوان» أثقل البلاد بدين داخلي وخارجي، لم يتم توظيفه في مشروعات تنموية، وأهدر عائدات «الفترة النفطية» دون وضع صندوق سيادي للأجيال أو تسخير عائداتها الضخمة في إنعاش الاقتصاد وإقامة البني التحتية.
ورأى أن الأوضاع الاقتصادية في البلاد تمثل تحدياً يتطلب جملة إجراءات، بينها العاجل والبديل، وأن المخرج من الأزمة الاقتصادية يمر عبر تفكيك الركائز المادية والقانونية والمؤسسية ومصالح وامتيازات النظام القديم التي تكرست خلال حكمه البالغ 30 عاماً.
ويعتبر خلف التصدي لـ«التمكين»، واسترداد الأموال المنهوبة وملاحقتها في الداخل والخارج، ومراجعة أصول الدولة واسترداد مقدراتها، واحدة من البوابات الكبرى لاستعادة الاقتصاد والنهوض به، ويقول: «كل شركات ومؤسسات القطاع العام تم تحويلها لمصلحة النافذين في النظام السابق، عبر الخصخصة والتخلص من مؤسسات القطاع العام».
ويطالب بإحداث قطيعة بين النهج الذي أدى لما سماه بـ«النتائج الكارثية»، المتمثل في نهج التبعية والرضوخ لسياسات، ووصفات «صندوق النقد الدولي» و«البنك الدولي»، ويقول: «المدخل الصحيح للإصلاح يتمثل في الرهان على مقدرات اقتصاد البلاد، والاعتماد على ثرواتها المتعددة، لتعظيم مصادر النقد الأجنبي».
ويدعو خلف الله لتوظيف «الميزات التنافسية النسبية للصادرات السودانية، بإضافة قيمة لها بتصنيعها، وللتوسع في زراعة المحاصيل لتحقيق الاكتفاء الذاتي وتنويع الصادر»، ويقول: «هناك ضرورة لإنشاء بورصة للمحاصيل وبورصة للذهب والمعادن، وتأهيل شركات القطاع العام، وفي مقدمتها شركة الصمغ العربي، وشركة المحاصيل الزيتية، وشركة الأقطان، وتكوين شركة مساهمة عامة للعمل في مجال التعدين، مع تشجيع القطاع الخاص بعد تحريره مما أحدثته سياسات الرأسمالية الطفيلية فيه».
وشهدت موازنة عام 2020 التي أجيزت، الشهر الماضي، عملية شد وجذب بين وزير المالية إبراهيم البدوي الذي أعد موازنة تقوم على «رفع الدعم» عن المحروقات والخبز، والاستعاضة عنها بما أطلق عليه «دعم مباشر للمستحقين»، و«قوى إعلان الحرية والتغيير» الحاضنة السياسية للحكومة الانتقالية، التي لم يلقَ مشروع الموازنة القبول منها، فتم التوصل لتوافق على موازنة لثلاثة أشهر، ويتم إعادة النظر في موازنة التسعة أشهر المتبقية من العام.
ويقول خلف الله: «في أغلب مناقشاتنا مع وزير المالية طرحنا هذه الأفكار، لكن مشروع الموازنة ركز على رفع الدعم»، بيد أنه يجد العذر له مستطرداً: «فيما يبدو أن ضيق وقت إعداد الموازنة، وعدم اتخاذ الوزارة نفسها لإجراءات محددة، قدمت موازنة بمنهجية ما قبل الثورة»، ويتابع: «تم الاتفاق على اعتماد موازنة خالية من الوصفة التقليدية لسياسات التحرير حتى مارس (آذار) المقبل، والتحضير لمؤتمر اقتصادي تحشد له الكفاءات للخروج بتصور يشكل مدخلاً لإكمال التسعة أشهر المتبقية، وسياسات بديلة للسنتين المتبقيتين من عمر الفترة الانتقالية».
وفي سياق تحديات المرحلة الانتقالية، روعت الخرطوم ومدن أخرى في البلاد 14 يناير (كانون الثاني) الحالي، بأصوات الرصاص والقذائف التي أطلقتها قوات «هيئة العمليات» التي كانت تتبع لجهاز المخابرات العامة، احتجاجاً على عدم كفاية الحقوق التي منحت لأفراد القوة بعد تسريحها.
وقبل أشهر، تقرر حل هيئة العمليات إثر هيكلة جهاز المخابرات وتحويله لجهاز لجمع المعلومات وتحليلها، وخير أفرادها بين الانضمام للجيش أو قوات الدعم السريع أو التسريح، واختارت الغالبية العظمى منهم التسريح، بيد أنهم تمردوا، تحت ذريعة عدم كفاية الحقوق الممنوحة لهم، ما أثار موجة من الرعب والاضطراب الأمني في البلاد.
وصف وزير الإعلام المتحدث باسم الحكومة فيصل محمد صالح أحداث التمرّد بأنها «مؤسفة»، لكنه أكد أنها «غير مفاجئة»، بقوله: «موضوع هيئة العمليات كانت متصاعداً منذ فترة، بسبب تقصير جهاز المخابرات العامة في حسم الملف في وقت مبكر، وبأقل الخسائر».
وأوضح صالح في حديث لـ«الشرق الأوسط» أن التمرُّد برغم الخسائر التي صحبت القضاء عليه، كانت له جوانب إيجابية، تتمثل في حسم الملف تماماً بالمواجهة العسكرية، بما قطع الطريق أمام أي حوار أو نقاش حول الملف بصورة نهائية.
وأشار صالح إلى أن المواجهة والتمرد فتحت العيون ونبهت لخطورة وجود وحدات قتالية في أجهزة ذات طابع يفترض ألا يكون مسلحاً، وأهمية إسناد المهام القتالية على القوات المسلحة وحدها، وإلى ما سماه «تغييراً إيجابياً» في قيادة جهاز المخابرات العامة، أنها في الوقت ذاته أظهرت تماسك ووحدة المكون العسكري والمدني في الحكومة الانتقالية.
ولا يستبعد صالح وقوف جهات تستهدف الحكومة الانتقالية خلف العملية، ويرى أنه واحد من الأشياء المحتملة، ويقول: «لا يُستبعد أن يكون قد تم استغلال المطالب سياسياً، وتم تحريضهم من قبل جهات معادية للحكومة وللوضع الانتقالي الجديد».
غير بعيد عما ذهب إليه صالح، فإن خلف الله يصف تمرّد قوات هيئة العمليات بأنه «محاولة انقلابية» كاملة مرتبطة بما سماه «المضاربة السياسية»، التي أدّت لتدنٍّ مفاجئ في سعر صرف العملة الوطنية (الجنيه)، وأنها مرتبطة بمظاهرات الإخوان المسلمين التي أُطلق عليها «الزحف الأخضر»، وبافتعال أزمة الطلب المتعاظم للعملات الأجنبية، بهدف قطع الطريق أمام الفترة الانتقالية.
وقريباً من الربط بين الأحداث الذي أوضحه خلف، فإن وسائط التواصل الاجتماعي السودانية وصفت ما يحدث بأنه «مؤامرة مخطّطة من فلول نظام الإخوان»، لتهيئة الأجواء لفتنة سياسية، ويقول نشطاء إن الاحتجاجات التي شهدتها مدينة ود مدني وسط البلاد، وما صاحبها من عنف، والفتنة القبلية في شرق السودان (بورتسودان)، وغربه (الجنينة)، التي خلفت عشرات القتلى والجرحى، كلها تعمل في تناغم مع «تمرد قوات هيئة العمليات».
ويوضح النشطاء أن العمليات المنسقة تهدف جميعها لإجهاض الثورة السودانية، وإعداد المسرح لانقلاب تقوم به جماعة الإخوان، الذي لمح إليه نائب رئيس مجلس السيادة محمد حمدان دقلو «حميدتي»، عشية الأحداث بتحميل مدير المخابرات المقال أبو بكر دمبلاب بالوقوف المسؤولية عن التمرد، ومدير الجهاز الأسبق «صلاح قوش» الهارب والمطلوب بالبوليس الدولي (الإنتربول).