شؤون العرب والخليج
أيمن بن عبدالرحمن يزور أنقرة بعد أسابيع من زيارة فؤاد أوقطاي إلى الجزائر
حراك سياسي لافت بين تركيا والجزائر
رهان جزائري متصاعد على تركيا
يؤدي رئيس الوزراء الجزائري أيمن بن عبدالرحمن زيارة إلى تركيا بمناسبة انطلاق ألعاب التضامن الإسلامي التي تستضيفها مدينة قونية التركية من التاسع إلى الثامن عشر أغسطس الحالي. وتأتي الزيارة تباعا لمسلسل التقارب المسجل بين البلدين، خاصة منذ الزيارة التي أداها الرئيس عبدالمجيد تبون إلى أنقرة في مايو الماضي والتي تبعتها زيارة لنائب الرئيس التركي فؤاد أوقطاي إلى الجزائر.
وستكون الزيارة فرصة جديدة للتقارب بين القيادتين السياسيتين في البلدين، وبحث ملفات التعاون الثنائي والقضايا الإقليمية، خاصة في ظل المراجعة الدبلوماسية التي أجرتها أنقرة على توجهاتها السابقة. ولأن الزيارة تحمل وصف "العمل" والطبيعة التكنوقراطية لشخص رئيس الوزراء الجزائري، فإنها ستراجع مختلف الملفات المطروحة بين البلدين في المجالين الاقتصادي والاستثماري، خاصة وأن زيارة تبون إلى تركيا توجت بإبرام العديد من الاتفاقيات في مختلف المجالات يعول عليها لتعزيز الشراكة الثنائية.
وكان أوقطاي قد زار الجزائر نهاية يونيو وقال خلال زيارة إلى أحد مصانع الصلب التركية بوهران إن الاستثمارات التركية في الجزائر وصلت إلى 5 مليارات دولار. وأعرب عن رغبة أنقرة في توقيع اتفاقية تجارة حرة أو اتفاقية تجارة تفضيلية مع الجزائر. وبيّن أوقطاي أن أكثر من 1400 شركة تركية تنشط في الجزائر، وتوفر وظائف لما يفوق 30 ألف جزائري.
وشدد على أن العلاقات التركية – الجزائرية تحمل أهمية كبيرة لسلام واستقرار المنطقة، مبينا أن علاقات البلدين تواصل الارتقاء بجهود الرئيسين رجب طيب أردوغان وعبدالمجيد تبون. وقال تبون الأحد إن سعي بلاده لتطوير العلاقات مع تركيا “طبيعي بحكم التاريخ العريق بين البلدين وكونها من أكبر المستثمرين” في الجزائر.
وفي رده على سؤال بشأن زيارته إلى تركيا منتصف مايو الماضي، قال “لو نبتعد عن العاطفة ونستعمل المنطق نرى أن تركيا من أكبر المستثمرين في الجزائر". وأضاف تبون أن “إنتاج الحديد في وهران (شركة توسيالي التركية) أصبح ضعف ما كنا ننتجه، والآن نحن نصدره وهناك استثمارات تركية في النسيج وأخرى قادمة بالنسبة إلى الصناعة الخفيفة والمتوسطة". وتابع “من الطبيعي أن نعمل على تنمية وتقوية هذه العلاقة من أجل مصلحة البلدين (..) يربطنا بتركيا تاريخ عريق وليست لدينا أي مشاكل معها".
ويرجح متابعون لشؤون المنطقة أن تكون الزيارة التي يؤديها بن عبدالرحمن إلى تركيا بمناسبة انطلاق ألعاب التضامن الإسلامي فرصة لإبلاغ المسؤولين الأتراك نظراءهم الجزائريين بمخرجات اللقاء الذي جمع مسؤولين ليبيين بالقيادة السياسية التركية، وذلك على اعتبار أن أي مقاربة للأزمة الليبية تستدعي تنسيقا مع الجزائر، خاصة وأن البلدين تربطهما علاقات وثيقة ويحملان نفس التوجه حيال الأزمة.
ويبدو أن المخارج التي طرحت مؤخرا في تركيا من طرف القيادة السياسية التركية ومسؤولين ليبيين، على غرار رئيس مجلس النواب عقيلة صالح، ونائب رئيس المجلس الرئاسي عبدالله اللافي، وخالد المشري، تكون في حاجة إلى دعم إقليمي.
وكانت الجزائر قد تبنت في الآونة الأخيرة موقفا مؤيدا لحكومة عبدالحميد الدبيبة بدعوى احترام الشرعية ودعم جهود المجموعة الدولية في الملف الليبي، حيث صرح تبون في آخر ظهور إعلامي له بأن "الجزائر اختارت دعم حكومة الدبيبة لأنه يمثل الشرعية الدولية، وأن المسار الانتخابي هو الملاذ الوحيد لحل الأزمة الليبية".
وكانت تقارير عربية قد تحدثت عن طرح مخارج جديدة للأزمة في اللقاءات التي جمعت مسؤولين ليبيين بنظرائهم في تركيا تتمثل في حل الحكومتين المتصارعتين في ليبيا (حكومتا فتحي باشاغا وعبدالحميد الدبيبة)، والذهاب إلى تشكيل حكومة جديدة.
لكن الطرح لم يحقق الإجماع بين الأقطاب الثلاثة، حيث تمسك عقيلة صالح بمناقشة الوثيقة الدستورية، ورفض رفضا قاطعا الذهاب إلى حكومة ثالثة، لأنه يعتبر حكومة فتحي باشاغا هي المخولة والقادرة على تنظيم انتخابات عامة في ليبيا.
وفي جميع الحالات يبدو أن تركيا لا تريد تجاوز دور شريكها في المنطقة، لما يجمعهما من علاقات وثيقة ولتقاسمهما نفس الرؤية سابقا في حلحلة الأزمة الليبية، ولذلك ستكون زيارة رئيس الوزراء الجزائري فرصة لطرح الأفكار الجديدة في الملف، وبحث إمكانيات مساهمة الجزائر في بلورتها، خاصة وأنها باتت قريبة جدا من الجناح الذي تمثله حكومة الدبيبة.
ويبدو أن تركيا التي استطاعت كسر الجمود المترسب بينها وبين طرف النزاع الثاني في الأزمة الليبية (البرلمان)، بعد سنوات من الانحياز لصالح فواعل الإسلام السياسي، تريد تغيير رؤية شاملة للملف بما فيها الأطراف الإقليمية المؤثرة في الأزمة، في مقدمتها الجزائر التي روجت في السابق للموقف المحايد والوقوف على مسافة واحدة بين الجميع، قبل أن يعلن تبون أن بلاده رسمت خطا أحمر خلال حرب طرابلس حال دون سيطرة قائد الجيش المشير خليفة حفتر على العاصمة.