شؤون العرب والخليج
الطبوبي ينسف اتفاقه مع الحكومة التونسية بفتح جبهة مطالب جديدة
مواقف متقلبة
بعد تهدئة استمرت مدة لا تتجاوز الشهر عاد نورالدين الطبوبي، الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل (أكبر منظمة عمالية في البلاد)، إلى إطلاق تصريحات تصعيدية تجاه الحكومة التونسية، في خطوة قال مراقبون إنها تنسف اتفاقا سابقا بين الطرفين وقد تقود إلى تخريب مهمة الوفد الحكومي الذي يتهيأ للقاء صندوق النقد الدولي.
وأوحى الطبوبي في خطاب له أمام اجتماع نقابي في مدينة المهدية بأن الاتحاد يستعد لخوض مواجهة قوية مع الحكومة بسبب ما قد تتوصل إليه من اتفاق مع صندوق النقد، بما من شأنه أن يفتح أمامها طريق الأمل للبدء بإصلاحات جذرية لإنقاذ الاقتصاد التونسي. ومن بين هذه الإجراءات تقليص حجم الدعم المخصص للمواد الأساسية والنفط والكهرباء وإصلاح المؤسسات الحكومية الكبرى التي تعيش وضعا صعبا تحت وقع الفساد والمحسوبية.
وقال الطبوبي الاثنين “عندما تكون هناك خيارات مؤلمة (يقصد الإصلاحات المطلوبة من صندوق النقد) سنكون مع شعبنا في الصفوف الأمامية في الشارع وكل أشكال النضال”.
وأكد الناطق باسم الاتحاد سامي الطاهري أنه يجب التجنّد لإنقاذ البلاد من الوضع الخطير الذي تعيشه حاليا، وأن “دورنا كمنظمة هو أن نكون حاضرين وجاهزين دائما لإنقاذ بلادنا في الظرف المناسب وألا نتركها تنهار”.
ويعتقد المراقبون أن هذه التصريحات القوية لا تعكس فعلا الرغبة في التصعيد، ولكنها أسلوب لدى قيادة الاتحاد للضغط بهدف تحصيل المزيد من المكاسب، وفي الوقت نفسه جعل الاتحاد وقيادته في الواجهة سياسيا، وخاصة لفت اهتمام الرئيس قيس سعيد الذي لم يحصل معه الطبوبي على الحظوة التي كان يحصل عليها مع حكومات سابقة كانت تشركه في كل التفاصيل بما في ذلك صلاحيات حكومة خاصة لا شأن للاتحاد بها.
وكان الطبوبي قد أشاد بالاتفاق الثلاثي الذي وقعه مع رئيسة الحكومة نجلاء بودن ورئيس اتحاد الأعراف سمير ماجول، وقال إن تونس لديها تجربة عريقة ورائدة في الحوار الاجتماعي. كما قدم أمين عام اتحاد الشغل في سبتمبر الماضي تفاصيل اتفاق الزيادة في الرواتب لموظفي القطاع العام واعتبر الاتفاق مُراعيًا لظروف البلاد.
وقال ناجي جلول وزير التربية السابق إن “الاتحاد يخرق الاتفاق بهذه التصريحات”، وإن قيادته “لا تملك إلا التصعيد حتى تكسب ودّ قواعدها، في المقابل الحكومة لا تملك حلولا ولا أموالا وهو ما يوحي بأنّ الطرفين سيصلان إلى مرحلة من التصادم”، معتبرا أن “البلاد في حاجة إلى أن تجلس كل الأطراف مع بعضها البعض وتنظم حوارا وطنيا حقيقيا وتجد حلولا للأزمات”.
وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن “الطبوبي لديه قواعد يسعى لإرضائها والدفاع عنها، ولا توجد سياسة واضحة، ونحن في دول لا تحترم تعهداتها (في إشارة إلى الاتفاق المبرم بين الطرفين في الشهر الماضي)”.
لكن ما يثير التساؤلات هو تزامن هذه التصريحات مع تنقل وفد حكومي إلى واشنطن للقاء صندوق النقد الدولي لأجل تأمين اتفاق يفضي إلى حصول تونس على قرض تبدأ الحكومة اعتمادا عليه إصلاحاتها العاجلة.
ومن شأن تصريح الطبوبي أن يعقّد جهود الحكومة في المفاوضات مع صندوق النقد للحصول على قرض لإنعاش المالية العامة مقابل إصلاحات صعبة من بينها خفض الدعم المخصص للطاقة والغذاء وإصلاح المؤسسات العامة التي تعاني عجزا ماليا كبيرا.
ويتخوّف صندوق النقد من ألّا يقبل الاتحاد الإصلاحات الاقتصادية، وسط إشارات وتصريحات متناقضة من قادة المنظمة بخصوص القبول بالإصلاحات أو رفضها، وهو ما أوحى بأن الاتحاد ليس جهة موثوقة يمكن الرهان عليها لبدء هذه الإصلاحات، خاصة أن الأمر لا يهم الحكومة وحدها؛ ذلك أن صندوق النقد وجميع المتدخلين يطلبون توافقا تونسيا قبل إعطاء ضوء أخضر لرعاية هذه الإصلاحات وتمكين تونس من التمويل اللازم.
واعتبر الكاتب والمحلل السياسي مراد علاّلة في تصريح لـ”العرب” أن “ليست هناك مفاجأة في تصريحات قيادات اتحاد الشغل”، لافتا إلى أن “الاتحاد يريد تفعيل الاتفاق مع الحكومة، ولكنه اليوم يجد حرجا أمام منظوريه لأن الحكومة لم تستجب، وهو الآن يعود إلى طرق عمله ويشرع في رفع سقف الخطاب تجاهها”.
وفي مطلع يوليو الماضي انطلقت مفاوضات رسمية بين صندوق النقد الدولي وتونس، من أجل التوصل إلى اتفاق للحصول على قرض بقيمة 4 مليارات دولار لاستكمال موازنتها لعام 2022.
وقال الطبوبي إنه لم يبرم أي اتفاق مع الحكومة بخصوص رفع الدعم أو إصلاح المؤسسات العامة، مضيفا أن الاتحاد يرفض بقوة كل الخيارات المؤلمة وسيكون في الصفوف الأمامية مع الشعب في الشارع ضد الحكومة.
ومن المقرر أن يتوجه محافظ البنك المركزي ووزيرة المالية ووزير الاقتصاد في العاشر من أكتوبر الجاري إلى واشنطن لعقد اجتماعات نهائية مع صندوق النقد بخصوص برنامج تمويلي.
وتأمل الحكومة الحصول على برنامج تمويلي تؤكد أنه ضروري لتفادي الانهيار المالي. وتقول إن اتفاقها مع اتحاد الشغل في الشهر الماضي على رفع الرواتب يعزز موقفها في المفاوضات الهادفة إلى التوصل لاتفاق مع صندوق النقد.
لكن الطبوبي قال إن اتفاق الشهر الماضي مع الحكومة تعلق برفع الرواتب ولم يتضمن اتفاقا على الدعم أو المؤسسات العامة.
وقال إنه يتعين أولا مضاعفة الرواتب الضعيفة والاهتمام بالعائلات المعوزة.
وفي حين يبلغ الأجر الأدنى المضمون 460 دينارا تونسيا (حوالي 140 دولارا أميركيا)، طالب الطبوبي برفعه إلى أكثر من ألف دينار على الأقل.
وأضاف “رفع الدعم في ظل الرواتب الضعيفة اليوم، هذا يعني ضحكا على الذقون وسيزيد من تأزيم الوضع أكثر فأكثر”.