شؤون العرب والخليج
رئيس الوزراء يعتذر للشعب بعد عجز حكومته عن توفير المواد الأساسية
السلطات الجزائرية تلجأ إلى الردع القضائي للتحكم في الأسواق المحلية
المواطن يتحمل تبعات فشل الحكومة في توفير المواد الأساسية
كيّف القضاء الجزائري قضايا المضاربة والاحتكار ضمن جرائم الإرهاب، في خطوة لمحاربة الندرة التي عادت إلى الأسواق في الآونة الأخيرة، ومست بعض المواد الأساسية كالزيت والحليب والسميد، بينما بدت الحكومة عاجزة من جانب آخر عن تبرير التذبذب المسجل في بعض القطاعات، واكتفت بالاعتذار للجزائريين بدل تقديم حلول فعالة.
وأعلن وكيل الجمهورية لدى محكمة سيدي امحمد بالجزائر العاصمة، المختصة في قضايا الإرهاب، أنه طلب من نيابات الجمهورية المحلية إيفاءها بالقضايا المتعلقة بالمضاربة في السلع والرفع غير المبرر للأسعار، لمعالجتها على مستوى قسم مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة.
وذكر بيان صادر عن المحكمة أنه “عملا بأحكام المادة 11 من قانون الإجراءات الجزائية، يعلم وكيل الجمهورية (قسم مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة عبر الوطنية) الرأي العام أنه أمام تنامي ظاهرة المضاربة غير المشروعة في السلع خاصة بعض المواد الأساسية ذات الاستهلاك الواسع والرفع غير المبرر للأسعار بشكل يمس بالقدرة الشرائية للمواطن في ظل المجهودات المستمرة التي تقوم بها الدولة لتوفير هذه المواد، فإن هذه الأفعال الإجرامية تعتبر ضربا للاقتصاد الوطني وإجراما منظما متعمدا يقتضي التصدي له بسلطان القانون وصرامته”.
وأضافت “بالنظر إلى خطورة هذه الوقائع المرتكبة خلال نفس الفترة الزمنية بمناطق مختلفة عبر الوطن ووجود قرائن قوية على طابعها التخريبي والمس بالاقتصاد الوطني، وكذلك الظروف التي ارتكبت فيها تلك الأفعال من جماعات إجرامية منظمة عابرة للحدود، فإن نيابة الجمهورية المذكورة أعلاه طالبت بهذه القضايا من نيابات الجمهورية المحلية من أجل معالجتها القضائية على مستوى هذا القسم المتخصص، وأن النيابة ستقدم التماسات بتسليط عقوبات مشددة ضد كل الأشخاص المتورطين وفقا للقانون”.
وتأتي الخطوة في سياق سعي الحكومة إلى مواجهة أزمة المضاربة والندرة في بعض المواد الأساسية التي باتت تتجدد دوريا، دون الوصول إلى حلول اقتصادية وتجارية فعالة، وقد تم اللجوء إلى القضاء لردع الظاهرة، وسط تساؤلات عن شرعية تكييف الأفعال المذكورة ضمن الأفعال الإرهابية، التي عرفها الرأي العام بالأعمال المسلحة والتخريبية ضد المصالح العمومية والخاصة، لاسيما خلال تسعينات القرن الماضي.
ويبدو أن السلطة القضائية تستند في قرارها إلى محتوى البند المثير للجدل (87 مكرر) من قانون العقوبات الذي استحدث في العام الماضي، عقب موجة الحرائق التي استهدفت منطقة القبائل، وصنفت ضمن الأعمال التخريبية التي تستهدف أمن واستقرار البلاد، بينما وجهت دوائر حقوقية انتقادات للبند المذكور، بسبب بتوظيفه في “قمع الحريات والتضييق على الحقوق الأساسية”.
وما زالت الروايات متضاربة في الجزائر حول أزمتي الندرة والمضاربة المتجددة، بين الحكومة التي تدرجهما ضمن مخطط لتأليب الشارع على السلط العمومية، وتستدل على ذلك بتوصلها إلى معطيات تتحدث عن شبكات منظمة تشتغل على تهريب المواد الأساسية المدعمة من طرف الخزينة العمومية، واستغلال الأوضاع الاقتصادية العالمية لضرب استقرار البلاد، حسب ما ورد على لسان وزير العدل عبدالرشيد طبي، في تصريح أدلى به للتلفزيون الحكومي، وبين خبراء اقتصاديين يرون أن المسألة ترتبط بفشل الحكومة في تسيير القطاع التجاري ونشاط التوزيع، والتقليص المتزايد للاستيراد على حساب الحاجيات الأساسية للسكان، مما يولد حالة من الندرة ثم المضاربة وارتفاع الأسعار.
وفي أول تعليق لرئيس المنظمة الجزائرية لحماية المستهلك مصطفى زبدي، ذكر أن “نقل معالجة قضايا المضاربة إلى قسم مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة، قرار مهم من شأنه المساهمة في ضبط السوق لحد ما”.
ويوحي التصريح وفق مراقبين بأن المنظمة غير مقتنعة تماما بالقرار، فقد ذكر المتحدث أن “قانون المضاربة دخل حيز التنفيذ منذ أشهر، حيث كانت هناك عدة قضايا دقت أبواب العدالة وتم اتخاذ إجراءات في هذا الأمر، وأن الحديث عن هذا القانون مرة ثانية يعود إلى الأزمة التي يشهدها السوق بندرة بعض المنتوجات الأساسية وخاصة منها المُدعمة ورفع أسعارها واحتكارها وتخزينها بحجة زيادة هامش الربح”.
وأكد على أن “قانون مكافحة المضاربة سيمكن من ضبط السوق لكن لا يكفي وحده، لأن المضاربة ليست العامل الوحيد في اختلال السوق وندرة المنتوجات وارتفاع الأسعار، هناك أيضا تنظيم الأسواق ووفرة المنتوج والقضاء على التهريب، والذي يعتبر ظاهرة خطيرة لا تقل خطورة عن المضاربة”.
ولفت إلى أن “استنفار مصالح وزارة التجارة والمصالح الأمنية وتحرك الجهات القضائية، هو رسالة واضحة للضرب بيد من حديد لكل مضارب، ونعتقد أننا في مرحلة جديدة من مرحلة تشديد العقوبات والصرامة في معالجة هذه الوضعية، وأن المضاربة لا تعني بالضرورة أصحاب الاستيراد وأصحاب القاطرات المحمولة، فالمضارب يمكن أن يكون تاجرا صغيرا يخزن بعض صفائح الزيت ويقوم بزيادة أسعارها”.
في المقابل تتحدث بعض المصادر عن أن الندرة المسجلة تسبب فيها تقليص الاستيراد دون مراعاة الحاجيات الأساسية، كما هو الشأن بالنسبة إلى غبرة الحليب، مما أدى بمصنع “كونديا” إلى الإعلان عن وقف الإنتاج، وهو ما أسهم في ندرة مادة الحليب في الأسواق المحلية.
وجاء اعتذار رئيس الوزراء أيمن بن عبدالرحمن للجزائريين عن عدم توفير بعض الحاجيات الأساسية خلال جلسة الرد على مداخلات نواب البرلمان حول مشروع بيان السياسة العامة للحكومة، ليؤكد عجزها عن التحكم في الظاهرة التي باتت تؤرق الشارع الجزائري وتزيد من حالة الاحتقان والغضب.
وقال رئيس الوزراء “الحاجيات الأساسية متوفرة بشكل كاف مع وجود مخزون إستراتيجي هام لكل المواد، وأعتذر لكل رب بيت وربة بيت وجدوا صعوبة في الحصول على بعض المواد واسعة الاستهلاك، وأعدهم بأن الدولة ستضرب بيد من حديد كل من تسول له نفسه اللعب بقوت الجزائريين”.
وأضاف “هذه المواد يتم تهريبها لخلق جو من البلبلة ودفع الدولة إلى فتح الباب على مصراعيه للعودة إلى الاستيراد الوحشي الذي كان موجودا من قبل”.