شؤون العرب والخليج
السلطة الجزائرية تسوق لإنجاز شكلي في الانتخابات المحلية بالقبائل
لا جديد في المواقف
سجلت الانتخابات الجزئية التي جرت في ست بلديات بمحافظتي بجاية وتيزي وزو في منطقة القبائل الجزائرية نسبة مشاركة فاقت الثلاثين في المئة، وهو ما يعتبر إنجازا سياسيا للسلطة، لأنه أنهى قطيعة شعبية كبيرة في المنطقة للاستحقاقات الانتخابية الماضية، لكن مراقبين يرون أن ذلك يبقى غير كاف لتطبيع بين الطرفين بسبب إرث العقود الماضية.
وكشف رئيس اللجنة الوطنية المستقلة العليا لتنظيم الانتخابات محمد شرفي أن نسبة المشاركة في الانتخابات الجزئية المنظمة في ست بلديات بمحافظتي تيز وزو وبجاية بلغت أكثر من 30 في المئة، وهو ما سيفرز مجالس محلية لتسيير تلك البلديات، ليطوى ملف الانتخابات المحلية نهائيا.
وكانت السلطة قد قررت إلغاء الانتخابات في البلديات المعنية خلال الاستحقاق المنتظم نهاية شهر نوفمبر من العام الماضي بسبب وجود شبه إجماع شعبي على المقاطعة، وقامت بتعيين هيئات إدارية لتسييرها مؤقتا، على أمل تنظيم انتخابات جزئية بعد امتصاص موجة الغضب الشعبي التي سادت الشارع الجزائري لاسيما منطقة القبائل.
وحسب الهيئة المنظمة، فإن خمسة أحزاب سياسية وبعض القوائم المستقلة شاركت في الانتخابات المذكورة، ويتعلق الأمر بحزبي السلطة العريقين جبهة التحرير الوطني والتجمع الوطني الديمقراطي، إلى جانب جبهة المستقبل وحركة الشباب الجزائري، إضافة إلى جبهة القوى الاشتراكية المحسوبة على المعارضة.
وبغض النظر عن النتائج المعلنة من طرف اللجنة المستقلة لتنظيم الانتخابات، وشبهات تضخيم النتائج، فإن نسبة المشاركة تبقى ضعيفة ولا تعكس إرادة الشارع في البلديات المعنية، ولو أنها اخترقت حاجز القطيعة بين المنطقة والسلطة مقارنة بالاستحقاقات السابقة، أين لم تتجاوز نسبة المشاركة حدود الثلاثة في المئة في أحسن الأحوال.
وكان حزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية المعارض قد قاطع الاستحقاق المذكور، وبرر ذلك بكون العملية “لا تعدو إلا مجرد ذر للرماد في العيون، ومحاولة يائسة من السلطة لطي مسار الانتخابات المحلية التي قاطعها الجزائريون، كما قاطعوا الانتخابات التشريعية والرئاسية واستفتاء تعديل الدستور”.
والانتخابات الجزئية في عدد محدود جدا من البلديات، كان بالإمكان ألا تثير أي اهتمام لولا الدلالات السياسية التي تحملها العملية، فتمرير الانتخابات هناك يمثل بالنسبة إلى السلطة مكسبا سياسيا يرفع عنها الحرج، كون خياراتها السياسية قد أفضت إلى غياب جهة مهمة من البلاد عن المؤسسات المنتخبة الجديدة، وطعن في شرعيتها الشعبية.
وقوبلت الاستحقاقات الانتخابية السابقة برفض شعبي كبير، حيث لم تتجاوز نسبة المشاركة حدود الخمس والعشرين في المئة في عموم البلاد، وأقل من ثلاثة في المئة في المنطقة المذكورة، الأمر الذي شكل إحراجا كبيرا للسلطة، وقد صرح حينها الرئيس عبدالمجيد تبون بأن “نسبة المشاركة لا تهم، بقدر ما يهم الانتخابات النظيفة والنزيهة والبعيدة عن تغلغل المال السياسي”.
وقد وصف رئيس اللجنة المستقلة محمد شرفي نتائج الاستحقاقات السابقة بـ”الحلال”، في تلميح إلى التزوير الذي كان يطال تلك الاستحقاقات خلال حقبة الرئيس الراحل عبدالعزيز بوتفليقة، ولدور المال السياسي في تحديد مخرجات تلك الانتخابات.
ومنذ وصول الرئيس تبون إلى قصر المرادية نهاية العام 2019، تسعى السلطة إلى كسر حاجز القطيعة بينها وبين الشارع الأمازيغي، بتقريب بعض الوجوه منها وجعلها في مناصب رسمية في مؤسسات الدولة، كما هو الشأن بالنسبة إلى حميد لوناوسي، الذي كان قياديا في حزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية المعارض، وعين كمستشار في رئاسة الجمهورية للمجتمع المدني.
وساهمت الحرائق المهولة والخسائر البشرية والمادية التي عرفتها المنطقة خلال صائفة العام الماضي في خلق صدمة لدى الشارع القبائلي، أدت إلى تراجع منسوب الاحتجاج السياسي على السلطة، خاصة مع دخول حركة “ماك” الانفصالية على خط الأزمة، وإدراجها من طرف السلطة كتنظيم إرهابي.
وعكس الاستحقاقات السابقة التي كانت تلقى رفضا شعبيا مطلقا في المنطقة، وعادة ما يتم إغلاق مكاتب الاقتراع أو إتلاف الوسائل اللوجستية قبل بداية العملية، كتعبير من أصحابها عن رفضهم لخيارات السلطة، فإن الانتخابات الجزئية الأخيرة مرت في هدوء ودون حوادث تذكر في هذا السياق.
ومع ذلك يبقى النجاح الشكلي للسلطة في اختراق جدار الصمت، بعيدا عن إمكانية التطبيع أو التقارب بينها وبين المنطقة بفعل تراكمات تكدست على مر العقود الماضية، حيث ظلت المنطقة مركز صداع سياسي للسلطة، بداية من التمرد المسلح الذي قاده المناضل التاريخي الراحل حسين آيت أحمد، ثم أحداث الربيع الأمازيغي في العام 1980 والربيع الأسود في يونيو 2001، فالحرائق المهولة صيف 2021 التي أدت إلى مقتل حوالي 200 شخص.
ويبقى رهان السلطة على رموز الـ”كا دي أس”، وهي تسمية تطلق على الأشخاص المتعاونين أو المقربين من السلطة، من أجل أداء دور الوساطة بينها وبين سكان المنطقة، كورقة للتخفيف من حدة القطيعة الشعبية والسياسية، وقد يكون الترخيص الذي حظي به مشروع رجل الأعمال يسعد ربراب لإنتاج الزيوت بمحافظة بجاية، بعد سنوات من التعطيل من طرف حكومات الرئيس الراحل عبدالعزيز بوتفليقة، رسالة غزل من تبون لأهالي المنطقة، واستغلالا لنفوذ رجل الأعمال في أوساط الشارع القبائلي، تمهيدا للتطبيع بين الطرفين.
وكانت مصادر مقربة من الرئيس تبون قد تحدثت بعد انتخابه على أن أول زيارة داخلية له ستكون لمحافظة تيزي وزو، لكن حدة الغضب والرفض قد تكون حتمت على مستشاريه نصحه بعدم المغامرة، وهو الرأي الذي قد يكون دفعه إلى عدم القيام بأي زيارة داخلية رغم مرور قرابة ثلاث سنوات على انتخابه، باستثناء زيارتين مقتضبتين إلى العاصمة ووهران.