شؤون العرب والخليج
الأزمة الليبية
مساعي عقيلة صالح وخالد المشري لإزاحة الصديق الكبير يعوزها التأثير
هل يجرؤ على تغيير الرجل القوي
تلقى إزاحة رئيس المصرف المركزي الليبي الصديق الكبير إجماعا من كل من رئيس مجلس النواب عقيلة صالح، ورئيس المجلس الأعلى للدولة خالد المشري، وسط شكوك في قدرة الطرفين فعلا على تغيير الرجل القوي، والذي ينظر إليه على أنه الحاكم الفعلي في ليبيا، بحكم سيطرته على المؤسسة النقدية في البلاد.
ويرى مراقبون أن مساعي إزاحة الكبير ليست بالجديدة، حيث سبق وأن خاض مجلس النواب، ومقره طبرق، محاولات فاشلة لعزله بدعم وإسناد من قائد الجيش المشير خليفة حفتر، لكن المستجد هو إبداء المشري المحسوب على جماعة الإخوان، تماهيا مع رغبة صالح هذه المرة، وهو ما لم يكن موجودا في السابق.
ويربط المراقبون هذا التغير في موقف المشري برفض رئيس المصرف المركزي الليبي صرف ميزانية للحكومة الموازية برئاسة فتحي باشاغا، وإبداءه انحيازا لحكومة الوحدة الوطنية المنتهية ولايتها التي يترأسها عبدالحميد الدبيبة من خلال استمراره في تمويل هذه الحكومة ودعمها ماليا.
وأكد رئيس المجلس الأعلى للدولة أنه ورئيس مجلس النواب في ليبيا لن يتراجعا من أجل تغيير كافة المناصب السيادية في البلاد، بما في ذلك رئيس المصرف المركزي الصديق الكبير، داعيا في ذات الوقت إلى حكومة جديدة تكون بديلا لحكومتي عبدالحميد الدبيبة وفتحي باشاغا.
وقال المشري، في مقابلة عبر قناة "الحدث" الليبية مساء السبت، "إن الانتخابات تتطلب توحيد الأجسام والمؤسسات السيادية ولا نعني بها شخصا معينا لمعاقبته أو مكافأته”، مشددا على أن "تغيير كل المناصب السيادية أمر حتمي ولا رجوع عنه". وأضاف المشري "إذا كان الصديق الكبير شخصا جيدا فالبلد انتفعت به 11 سنة، وإن كان غير جيد فيكفيه 11 سنة”.
وعلى غرار باقي المؤسسات الليبية يعاني مصرف ليبيا المركزي من انقسام منذ عام 2014، نتيجة الصراع على السلطة بين الأطراف السياسية المتنافسة.
وأدت الخصومات السياسية التي أعقبت سقوط نظام معمر القذافي عام 2011 إلى توسع الهوة بين غرب البلاد، حيث المقر الرئيس لمصرف ليبيا المركزي الذي يدير بشكل خاص إيرادات النفط، وشرقها حيث يقع الفرع الآخر برئاسة علي الحبري.
واتهم الحبري في وقت سابق الصديق الكبير بـ"تعليق" مسار توحيد المصرف من طرف واحد "دون سبب أو مبرّر"، مشددا على ضرورة تفعيل مجلس إدارة المصرف.
وقال الحبري خلال مؤتمر صحافي الخميس الماضي إن المصرف المركزي بات "شبه ميت ولا يؤدي مهامه على الشكل الأكمل"، مرجعا ذلك إلى إصرار الكبير على “القيادة بمفرده"، وأضاف موضحا "قيادة الرجل الواحد دكتاتورية غير مجدية، ولن تؤدي بنا إلى شيء. لا بد من تفعيل مجلس إدارة المصرف".
ويعد الكبير من أكثر الشخصيات في ليبيا إثارة للجدل، حيث يُتهم بدعم الميليشيات في غرب ليبيا ماليا للدفاع عنه وبقائه على سدة حكم النظام المالي في البلاد، وهو المنصب الذي يشغله منذ 11 عاما.
ويحظى الكبير بغطاء غربي لاسيما من الولايات المتحدة وبريطانيا وأيضا بدعم مطلق من قبل تركيا، الأمر الذي يجعل من الصعوبة بمكان الإطاحة به، إلا في حال تحققت تسوية شاملة في ليبيا، برعاية دولية، وهو الأمر الذي لا يبدو متاحا على المدى المنظور، على الرغم من التحركات التي يجريها المبعوث الأممي الجديد عبدالله باتيلي.
وعقد المشري وعقيلة صالح الخميس الماضي محادثات في المغرب توصلت إلى الاتفاق على تغيير بعض المناصب السيادية، فيما قالت مصادر إن الطرفين اتفقا على تشكيل حكومة جديدة.
وأعلن الطرفان في مؤتمر صحافي عقداه الجمعة الماضية، أنهما اتفقا على تسمية منصبين من المناصب السيادية، واستكمال المشاورات للاتفاق على باقي المناصب، وتشكيل حكومة موحدة قبل يناير المقبل.
وتطرق رئيس المجلس الأعلى للدولة في المقابلة التلفزيونية إلى الحكومتين المتنافستين في ليبيا، الأولى الوحدة الوطنية برئاسة عبدالحميد الدبيبة، والثانية برئاسة فتحي باشاغا وتعمل من مدينتي سرت (وسط) وبنغازي (شرق).
وانتقد المشري حكومة الدبيبة قائلا إنها "لا تستطيع إجراء الانتخابات ولا تسيطر على كل البلاد"، مضيفا "هناك شبهات كثيرة جدا تحوم حولها، وعدد كبير من وزرائها إما استقالوا أو في السجون ولديهم مشاكل".
واعتبر حكومة باشاغا غير توافقية، قائلا "لم تمر من وجهة نظرنا بالشفافية المطلوبة لإنجاز الحكومة". وأضاف “نعتقد أن حكومة باشاغا فيها نوع من المغالبة، فبغض النظر عن باشاغا نفسه، فإن حكومته غير متوازنة”، داعيا في الوقت ذاته إلى اختيار حكومة جديدة قادرة على إنجاز الاستحقاق الانتخابي.
وإثر تكليف حكومة باشاغا من مجلس النواب أعلن المشري في البداية عن دعمه لها، لكنه سرعان ما تراجع، وقيل إن الرفض كان بتأثير من الدبيبة قبل أن تتوتر العلاقات بينهما مؤخرا.
وتشهد ليبيا منذ مارس الماضي صراعا بين حكومتين، الأولى يقودها الدبيبة وتسيطر على العاصمة ومؤسسات الدولة السيادية والمالية، وترفض تسليم السلطة إلا بعد إجراء الانتخابات، والثانية يقودها وزير الداخلية السابق فتحي باشاغا وتحوز على دعم من البرلمان الليبي.
وتعثرت جهود ترعاها الأمم المتحدة لتحقيق توافق ليبي حول قاعدة دستورية تجرى وفقا لها انتخابات برلمانية ورئاسية، يأمل الليبيون في أن تقود إلى نقل السلطة وإنهاء نزاع مسلح يعاني منه منذ سنوات بلدهم الغني بالنفط.