شؤون العرب والخليج
طريق لبنان لترسيم الحدود البحرية مع سوريا ليس سالكا
حكومة ميقاتي لا تستعجل اتفاقا مع سوريا
كشف لبنان الاثنين عن تحركات من أجل ترسيم الحدود البحرية مع سوريا وقبرص، بعد اتفاق “تاريخي” جرى التوصل إليه مع إسرائيل الشهر الماضي، لكنّ متابعين يستبعدون حصول اتفاق سريع بين الأطراف الثلاثة، في ظل عدم نضج فرص التسوية بين الأطراف الثلاثة.
ويرى المتابعون أنه على الرغم من أن ملف ترسيم الحدود بين لبنان وإسرائيل أعقد، وقد ظل لسنوات جامدا، قبل أن تنجح الوساطة الأميركية في حلحلته، مستفيدة في ذلك من جملة من العوامل، لكن الطريق لا يبدو سالكا أيضا بالنسبة إلى لبنان مع سوريا.
ويقول المتابعون إن لدى سوريا تحفظات عديدة بعضها متعلق بالجانب الفني، والآخر ذو بعد سياسي، حيث أن عودة العلاقات بينهما لم تتخذ طابعا رسميا على الرغم من التواصل بينهما، وسط ترجيحات أن تحاول دمشق مساومة بيروت حول هذه المسألة.
وأعلن وزير الأشغال العامة والنقل اللبناني علي حمية، عقب لقائه رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، الاثنين، أنه سيدعو إلى اجتماع للجنة المعنية بعملية ترسيم الحدود البحرية مع قبرص وسوريا التي يرأسها، مشيرا إلى أنه ستتم معالجة الأمور بشكل هادئ.
وقال حمية “سأدعو اللجنة بكل وزاراتها المعنية بالترسيم للاجتماع، وستتم مقاربة الأمور بشكل هادئ مع قبرص وسوريا ولصالح جميع البلدان وفق القوانين العالمية ووفق القانون اللبناني.. ولن نتسرع في هذا الموضوع، بل سنأخذ وقتنا للقيام بقراءة عملية ترضي كل الأطراف”.
وزار وفد قبرصي برئاسة الموفد الرئاسي الخاص تاسوس تزيونيس لبنان الجمعة الماضي لمعالجة الموضوع العالق في ترسيم الحدود البحرية بين البلدين.
وكان من المقرّر أن يتوجه وفد لبناني إلى سوريا الأربعاء الماضي لإجراء لقاءات مع كبار المسؤولين السوريين لمناقشة الترسيم البحري بين البلدين، لكن الموعد تأجل في اللحظات الأخيرة.
ويعدّ ترسيم الحدود البحرية مع سوريا مدخلاً “أساسيًا” لترسيم الحدود مع قبرص، بحسب ما أعلن الجمعة كبير المفاوضين اللبنانيين بهذا الملف نائب رئيس مجلس النواب، إلياس بوصعب.
وعقب لقاء الوفد القبرصي بالرئيس المنتهية ولايته ميشال عون، قال بوصعب في مؤتمر صحافي إن لبنان “لن ينهي الملف مع قبرص إلا بعد التفاهم مع سوريا، لأن ذلك ما يحصل بين الدول الصديقة”.
ويوجد بين لبنان وسوريا منطقة بحرية متنازع عليها تتعدى مساحتها 900 كلم مربع، ومن شأن ترسيم الحدود بينهما أن يؤثر على الإحداثيات التي على أساسها سيجري ترسيم الحدود مع قبرص الرومية.
وكان الرئيس اللبناني المنتهية ولايته ميشال عون أعلن منتصف أكتوبر الماضي وجوب عقد “التباحث الأخوي” مع سوريا بشأن المنطقة البحرية المتنازع عليها بين البلدين.
والأسبوع الماضي أعلن عون أن لبنان سيرسل وفدًا إلى دمشق لبحث ترسيم الحدود البحرية بين البلدين، لكن الأخيرة طلبت تأجيل الزيارة بسبب “عدم توفر الوقت”.
وقال السفير السوري لدى لبنان علي عبدالكريم علي آنذاك في تصريح صحافي عقب لقائه عون إن “الموعد أُعلن من لبنان قبل مناقشته مع سوريا”، مشيرًا أن “الزيارة لم تُلغَ إنما تأجلت”.
ويعود الخلاف بشأن المساحة الواقعة عند الحدود الشمالية للبنان إلى العام 2011، حيث اعتمد كلّ طرف خطًّا حدوديًا مختلفًا عن الآخر، وهما خطّان متداخلان بينهما ما شكل منطقة متنازع عليها.
وأثير الخلاف مجددا في عام 2021، بعد أن منحت دمشق ترخيصًا لشركة طاقة روسية لبدء عمليات تنقيب في تلك المنطقة، في وقتٍ يتطلع لبنان إلى الاستفادة من ثروته النفطية كاملةً في البحر المتوسط.
وأعرب النائب اللبناني سجيع عطية رئيس لجنة “الأشغال العامة والنقل والطاقة والمياه” في البرلمان عن اعتقاده بأن “المسؤولين السوريين يريدون مزيدًا من الوقت لتجهيز ملفّ كاملٍ حول هذا الموضوع”.
وأضاف عطية “لا أعتقد أن هناك مشكلة جوهرية مع سوريا كونها دولة شقيقة وصديقة، لكن يبدو أن المباحثات تحتاج إلى بعض الوقت، لكنها ستكون أسهل بكثير ممّا كانت عليه مع العدو الإسرائيلي”.
وأردف “هم (النظام السوري) قالوا إنهم غير جاهزين لاستقبال الوفد اللبناني، لكن في الخفايا ربما هناك عراقيل مرتبطة بالوضع غير المستقرّ في سوريا بالوقت الراهن، وأعتقد أن الأمور بحاجة إلى وقت للنضوج”.
ويُعتبر التواصل الرسميّ بين بيروت ودمشق شبه معلّق منذ عام 2011، على إثر الأزمة في سوريا، رغم قيام بعض الوزراء اللبنانيين (القريبين من دمشق وطهران) في الحكومات المتعاقبة بزيارات لدمشق، لكنها لم تأخذ طابعًا حكوميًا رسميًا.
وقال البرلماني اللبناني “روسيا أعربت عن جاهزيّتها للتدخل والمساعدة للتوصل إلى حلّ، لكن لا أتوقع أن يستمرّ الخلاف طويلاً، لاسيما أن هناك معالم حدودية واضحة وفقًا للقانون الدولي، بعكس ما كان في الجنوب (مع إسرائيل)”.
وتوقع عطية “أن يكون الجو إيجابيًا وأن يكون هناك حلّ لاحقًا، لأن لا مصلحة لأحد بالعرقلة، هم بحاجة للنفط ونحن كذلك”.
في المقابل، اعتبر النائب زياد حوّاط من كتلة “الجمهورية القوية” أن ترسيم الحدود مع دمشق ليس سهلاً لأن المسؤولين السوريين لديهم أطماع في لبنان وأهدافهم كبيرة تجاهه”.
وقال حواط “كما توجد أطماع إسرائيلية في لبنان، كذلك يوجد أطماع سوريا فيه”، محمّلاً “الجانبين (إسرائيل وسوريا) مسؤولية ما وصل إليه لبنان في السنوات الأخيرة الماضية”.
ومضى حواط قائلا إنه “بالإضافة إلى الأطماع السورية البحرية ثمة أطماع برية تدفعهم (النظام) لعدم ترسيم الحدود في البر أيضاً، ما يسهّل التهريب نتيجة التداخل الجغرافي، لذلك يجب ترسيم الحدود البرية وضبطها مع سوريا”.
ومنذ استقلال البلدين عن الانتداب الفرنسي في أربعينات القرن الماضي، لم يجر أيّ ترسيم ميداني للحدود بين لبنان وسوريا سواء البرية أو البحرية، في ظل تداخل جغرافي على طول الحدود البرية بينهما البالغة حوالي 340 كيلومترا.
ويرى النائب قاسم هاشم، من كتلة “التنمية والتحرير” التي يترأسها رئيس البرلمان نبيه بري، أن “الأمر لا علاقة له بترسيم الحدود البرية إنما يهدف إلى تحديد المناطق البحرية في كل اتجاهاتها الشمالية والجنوبية والغربية تمهيدًا لاستثمار الثروات الطبيعية”.
وأضاف هاشم أنه “أمرٌ طبيعي أن يبحث لبنان في الأمر مع الشقيق السوريّ أو الجار القبرصي”، مشيرًا إلى أنه “من مصلحة الأطراف كافة أن يوضع هذا الملف على طاولة البحث”.
ولفت إلى أن “لبنان ربما يكون قد تأخر بفتح هذا الملف مع دمشق بسبب الأزمة في سوريا وابتعاد المسؤولين اللبنانيين عنها وعدم الحفاظ على العلاقة الأخوية، نتيجة عدم الجرأة في مقاربة العلاقات معها في ظل الأزمة التي تعيشها”.
والحال نفسه بالنسبة إلى الحدود البرية، وفق هاشم، الذي اعتبر أن “لبنان تأخّر كثيرًا بالتواصل مع دمشق لحلّ مثل تلك المشكلات”.
وقال “ها نحن اليوم نحصد النتائج السلبية لهذا الأمر، لأن لبنان تخلى عن هذه العلاقة مع سوريا”، متسائلاً “هل من المنطقي أن نسرّع الخطى حاليًا ونحاول إعادة التواصل بمستوى ملتوٍ لتحقيق مصالح معينة؟”.