شؤون العرب والخليج

أمولة أراضي العاصمة: تهجير لأهالي الجميزة-مار مخايل برعاية الجامعة الأميركية لبيروت

"أرشيفية"

دبي

سلّط مشهد أمولة الأراضي في العاصمة اللبنانية بيروت، وتحديداً في ملف "تضييق تقاطع مار مخايل-الجميزة"، الضوء على رسوخ منطق أن "المال أعلى شأنًا من إرادة الناس".

 
ومع الساعة الخامسة من بعد ظهر اليوم، يعتصم أهالي الجميزة"، "مار مخايل"، "الرميل" و"مار نقولا" أمام "درج غُلام" ضد مشروع "مار مخايل بيازا" الذي يجري حاليًا تنفيذه رغم اعتراض أصحاب الأرض. المشروع أيضًا، وبرعاية "الجامعة الأميركية في بيروت"، يقفل باب الأشرفية تمامًا لجهة شارع مار مخايل الذي تصله من مسلكي الجمّيزة ونزلة العكّاوي، دون تأمين بديل.

وتحت إشراف أساتذة الجامعة الأميركية في بيروت، ومتابعة حثيثة من مظلّة "Beirut Urban Labs" أو "مختبر بيروت الحضري" المؤلفة من دكاترة وخريجي الجامعة ذاتها، يتم تحويل كل التقاطع المذكور إلى رصيف كبير جدًا، وإلى شبه ساحة عامّة يخترقها مسلك صغير بالكاد يتسع لمرور سيارة صغيرة الحجم، ولشكل هندسي جميل الصورة مستوحى من أعمال الراحل حبيب دبس، لكنه يعزل المنطقة تمامًا على أهلها ويعتقلهم رهائن منازلهم، وذلك بالتعاقد مع شركة مقاولات "إيبكو بيطار" للهندسة والانشاءات التي غالبًا ما تتعاقد مع الجامعة الأميركية.

 

أما بلدية بيروت، وبالرغم من تلقي عشرات العرائض الموقعة من أبناء بيروت، المعنيين والمعنيّات بهذا الملف، نفت مرات عدّة بشخص رئيس بلديتها جمال عيتاني تلقيها أي من الشكاوى وتتجاهل كل ما صدر من تقارير صحفية حول مأساتهم.


ربط الجميزة ومحيطها بالمرفأ؟

بين جمع الأموال وأخذ الموافقات اللازمة، بدأ بناء مشروع "مار مخايل بيازا" في الأشهر الأولى من العام الحالي، إلا أن التخطيط له، فجاء من ضمن سلسلة مشاريع "ظهرت" بعد أشهر بسيطة من تفجير مرفأ بيروت، يوم الثلاثاء 4 آب/أغسطس 2020. وهو ما أكدته منى فوّاز، المديرة المشاركة لـ"مختبر بيروت الحضري" والأستاذة في الجامعة الأميركية في بيروت، في مقابلة لها مع "لوريان لوجور" في 27 آذار/مارس 2023 قائلةً "إن تركيز المختبر على الأماكن العامة جاء في أعقاب الانفجار".

وهكذا فعلًا، صارت المنطقة المنكوبة والمتضرّرة من تفجير المرفأ، وبشكل كامل تخضع لمحطّ أنظار مجموعات مدنية-محلية (لديها ارتباطات وثيقة بالخارج) وجهزت ماكينات استجداء الأموال من المغتربين باسم إعادة الإعمار ونجدة الناس. وعليه، تم تصميم منصّة تمويلية كبرى جمعت الملايين من الدولارات لهذا الهدف.

 

أول مرحلة في صرف أموال الاغتراب، كانت على أعمال المسح الميداني والجغرافي بالتعاون مع بلدية بيروت، بحيث قُسّمت المنطقة بين لائحة مقتضبة من "الجمعيات الخيريّة - NGOs" لإعادة الإعمار، نشر خرائطها "مختبر بيروت الحضري" تحت عنوان "خريطة إصلاحات المنظمات غير الحكومية" وهي منظمات محلية من الملفت أنها ومن قبل تفجير المرفأ لم تكن معنية لا من قريب ولا من بعيد بالهندسة والمقاولات والإنشاءات، ونذكر من بينها "باب وشباك"، "LIVE LOVE" و"بسمة" و"بيت البركة" و"بيتنا بيتك" وغيرها... والتي تعاقدت بدورها مع شركات مقاولات وإنشاءات لتنفيذ المشاريع التي تموّلت لتنفيذها دون الخضوع لأي تدقيق محاسباتيّ رسميّ ما يفتح المناطق المتضررة ساحة لتحقيق الأرباح.

 

ومع عودة مشهد الحياة الليلية إلى الجميزة بعد "كورونا" وتفجير المرفأ، جاءت المرحلة الثانية، والتي تتزامن مع انفتاح مرفأ بيروت على إعادة إعماره وإطلاق "الاستشارات للمخطط التوجيهي لمرفأ بيروت وقطاع المرفأ" الذي نشهده حاليًا.

 

وفي هذا الإطار تكشف المهندسة المسؤولة ذاتها عن مشروع "مار مخايل بيازا" منى فواز، أن المخطط هو ربط المرفأ مباشرة بمحيطه من بيروت-الأشرفية (بأحيائها المختلفة) وقد أشارت إلى ذلك بكل وضوح ضمن حوار أجرته في الأول من شهر آذار/مارس مع منصة "NOW" كاشفةً أنه و"في حقبة ما بعد الحرب الأهلية، تم فصل مرفأ بيروت عن المدينة. وأصبح امتداد الميناء إلى المدينة معدومًا. (أو أن مرفأ بيروت يدير ظهره للعاصمة بدل أن يتصل بها كما قبل الحرب الأهلية) وتوقفت بيروت عن الاستفادة من وجود المرفأ ونشاطاته."

 

وأعلنت فواز (Beirut Urban Lab) أي منفذة المشروع، وبكل وضوح أنه "قبل إعادة بناء مرفأ بيروت، يجدر إعادة رسم دور المرفأ المستقبلي فيما يتعلق ببيروت وسكانها".

 

من هنا، جاء مشروع تضييق تقاطع "مار مخايل – الجمّيزة" الكارثي، على مداخل الأشرفية، في إطار تجريد المنطقة من طابعها المحلّي المكتظ بسكانه، وحياته البيروتية التقليدية، وتحويلها إلى طابع تجاري-استثماري ولامتدادٍ لمرفأ بيروت القادم بحلّته الجديدة، تحت إشراف نقابة المهندسين، التي خاضوا لأجلها معركة "النقابة تنتفض"، بحيث يمكن لفريق النقيب السابق للهندسة "جاد تابت" متابعة ضم بيروت الأولى-لخطة المرفأ القادمة فرنسيًا في مشروع "البيازا".

 

لذا يتم في هذه الأثناء، وتحت رعاية جامعة عريقة، تغيير هويّة المنطقة من أحياء شعبية إلى ما يشبه ساحات المرافئ العالمية، وكمركز استثماري لا مكان لأهالي المنطقة فيه. يبدأ ذلك بفرض تضييق الطريق هذا، وتنفيذ ساحة مرصوصة بالرصيف الواسع بشكل تُصبح بيوت الأهالي لا تصل للعيش كمنازل، بل إما كأيجارات لأيام أو لمكاتب بحيث عمليًا، و"بتدخلات هندسية بديلة" تؤذي التجار الصغار ولا تؤمن لأبناء الأشرفية مكان لسياراتهم، وتقفل طريق الصليب الأحمر، وتقوم بتوسيع الأرصفة لصالح مصالح نيوليبرالية وأصحاب الحانات والمطاعم ومن سيفترش الأرصفة بالكراسي والطاولات لصالح تمريريات وأذونات لاحقة من محافظ بيروت، وبالنهاية، تحوّل المنطقة السكنية إلى محرّك رئيسي لمرفأ بيروت وتتصل به مباشرة ليكون مقصدًا يصحو 24/7 في ظلّ عدم التزام أصحاب الحانات بالقوانين والأنظمة.


نفي ومواربة!

 

وضمن فيديو نُشر على منصتهم، نفت مُنسّقة المشروع، سينتيا بوعون، أن يكون هناك أي تغيير قسري لمعالم الحيّ. إنه خبرٌ جميل، ولكنّ هذا النفي متوقّع؛ إذ من غير المعقول أن تصرّح، وهي ناطقة رسمية مُختارة من قبل الفريق الميداني لـ"مختبر بيروت الحضري "، بأن مجموعتها تُجبر أبناء الحي على الرحيل أو بالحد الأدنى تزعجهم بالمباشر. ولا يمكنها كذلك الإشارة إلى أن التضييق عليهم يأتي برعاية "خبراء" ما، لا يفقهون ما يناسب أو لا يناسب أبناء المنطقة. يجب ألا ننسى، هنا، أن هذا "المختبر" قد جمع التبرّعات لتشييد التغييرات القصرية هذه مستخدماً إسمهم ومأساتهم، واستفاد، في الوقت ذاته، مما صرفته المنظمات الدولية من أموالٍ بعد انفجار الرابع من آب، ناهيك عن التزوير التقني الجميل الذي ابتدعوه على شكل خرائط نُشرت عبر موقعهم الالكتروني أو على شكل سلسلة نقاشات إلكترونية أقاموها، عندما زعموا أنهم كمجموعة ناشطة، يأبهون لرأي المجتمع الحاضن... والذي من المفترض أن يكون "الأمر له".


تهجير ممنهج

 

"نحن اليوم أمام تهجير ممنهج لنا كأبناء المنطقة، وبإسمنا يجمعون الأموال لطردنا من بيوتنا أو إلى دفعنا للجوء الى مناطق سكنية أخرى" تقول أميلي ألبير نصّار لـ"جسور" وتتابع "نحن كلجنة الأهالي المتضررين من انفجار مرفأ بيروت سئمنا من تجاهل أصواتنا، ووصمنا بالمناطقية والتصرف معنا بطريقة مُهينة ومهمشة لنا والتعامل معنا كجهلة وأننا لا نفهم مصلحتنا، وما يناسبنا وما لا يُناسبنا... سئمنا من فتح منطقتنا أمام بازار المنح الدولية واستدراج العروض البعيدة عما نريد وتحويل شوارعنا الشعبية لمنطقة سياحية دون ملاحظة احتياجاتنا كسكان كتأمين مرآب عام، وضمانة ممر ثان بديل للوصول إلى بيوتنا غير تقاطع شارع غورو بشارع باستور وشارع أرمينيا بين منطقة العكاوي ومار مخايل وتأمين ممر آمن للصليب الأحمر ومستشفى كبارنا القريبة. أما المزعج أننا كمواطنين، انتخبنا أعضاء بلدية بيروت، وبتغييب كل هؤلاء الأعضاء، تم أخذ الموافقة من البلدية للمشروع! أي المشروع لبيروت الأولى، ولم يوقع بالموافقة عليه ولا عضو واحد من أعضاء البلدية الذي يتبعون لبيروت الأولى بينما لا نلقى من البلدية إلا مواربة وتغييب لأصواتنا بالرغم من تقديمنا عدة اعتراضات رسمية!!"

 

تابعت "تم تضليل السكان ولم يتم عقد جلسات استماع عامة تشاركية مع أبناء المنطقة قبل البدء بالمشروع. عرفنا أنهم سألوا قلة من الناس ووعدوهم بأشياء غير موجودة في الواقع. وعبر البلدية تم تمرير المشروع بأساليب ملتوية معهودة بمن حضر وبعيدا عن رأي غالبية ممثلي بيروت الأولى من الأعضاء المقاطعين للجلسات، وحتى وعندما أمر محافظ بيروت مروان عبود بإيقاف العمل، تم تسييس الموضوع، وتجاهلوا ملاحظاتنا حول تأثير حركة المرور والبنية التحتية والنقل البديل، وها هي الأعمال لا تزال قائمة رغم رفضنا، لا بل قيل لنا بصريح العبارة أن الهدف من هذا المشروع هو فرض اقفال المنطقة عملاً بتحويل السير في المنطقة إلى جحيم."

 

تضارب مصالح

 

وبالفعل، ومع تجاوز الخطابات الرسمية الصادرة عن "مختبر المدن بيروت" إلى أذرعه الإعلامية، البديل منه والتقليدي، لا نجد صدى حقيقياً لآراء أهالي "الجميزة"، "مار مخايل"، "الرميل" و"مار نقولا".

 

وبات البيارتة في "بيروت الأولى" لا يفرّقون، الآن، بوعي أو بحدس شعبي نافذ، بين الجامعة الأميركية في بيروت (بما تحمله من قيمة مجتمعية وعلميّة عريقة) والجمعيات النافذة (المتموّلين وأجهزتهم) لما فيما بينهم من تشبيكات مصالحية مُلفتة.

 

إذ يعلمون أن هناك تضارباً في المصالح بين مشرفة المشروع لجهة Beirut Urban Lab كونها أستاذة الدراسات الحضرية والتخطيط في الجامعة الأميركية وزوجها د. آلان شحادة، عميد كلية مارون سمعان للهندسة والعمارة في الجامعة الأميركية وتربطهما صلة عملانية-زواجية ناهيك عن شبكة الأسماء المطروحة في المشروع الذي يتبين منهم إحدى المرشحات المرتقبات لعضوية بلدية بيروت، ورفاق في الجامعة تربطهم علاقات سياسية ومحلية بالمنفذين، وهو ما ينطوى على فضيحة بعيار "الشبكات الاجتماعية للمطورين العقاريين" في بيروت. الأمر الذي، لطالما ساهم في انهيار الرصيد السكني فيها وأدى إلى تهجير ممنهج لأهلها.

 


وأضافت نصّار "إذا كان المختار والسكان المحليون وأصحاب الأعمال وكذلك النائبان المحليان حاصباني وترزيان و150 عائلة ساكنة، بما في ذلك لجنتنا، من بين الذين وقعوا على العريضة المسجلة في البلدية: ألسنا ممثلين بما فيه الكفاية؟ وأتساءل رأي من يؤخذ في الاعتبار حقًا؟ إنه لأمر مخيب للآمال أن نرى أن القرارات المهمة المتعلقة بمجتمعنا قد تم اتخاذها في الظل، ومن دون الشفافية اللازمة. ومن غير المقبول أن يتم تجاهل الجهات الفاعلة المحلية الحقيقية، نحن، أولئك الذين تأثروا بشكل مباشر والذين أعربوا عن مخاوفهم بشكل صارخ. نحن، كأعضاء في هذا المجتمع، لم نخسر فقط بيوتنا بعد تفجير مرفأ بيروت، بل نخسر تدريجيًا هوية الأحياء التي ترعرنا فيها. ونستحق إبلاغنا بجميع التفاصيل ذات الصلة بهذا المشروع ونستحق تعديل المشروع بما يناسبنا إسوة بأي منطقة أخرى. نطالب باحترام حقوقنا كأصحاب الأرض".


دراسات مجتزأة؟

 

وفي حديث خاص لـ"جسور" يقول النائب هاكوب ترزيان إنه "ليس ضد أي مشروع إنمائي للمنطقة" وأشار إلى "دراستين سجلّتا في إطار التحسينات هذه لبلدية بيروت وهي "Plan Vert" و "Liason 12" ولا يمكن تجزئة تطبيقهما (أي يُطبقان إما معًا أو لا يُطبقان)، وهنا لابد من الإشارة إلى أنه وفي هذا المشروع، لم يتم لحظ دراسة من الدراستين في التطبيق، ما بالتالي يُعدّ خطأ جوهريًا. وصار مشروع "البيازا" عبارة عن مشروع "عنق الزجاجة" ومنقوص. ولا يمكن الاستمرار بالمشروع على هذا النحو دون ملاحظة إرادة الناس وإشراكهم في عملية تحويل المنطقة من طابع إلى طابع، وتقديم دراسة أثر السير أو ما يسمى بدراسة مرور احترافية (مطلوبة عادةً لمثل هذا المشروع)، وكل ما يمكن من تطمينات. فالبشر أهم من الحجر"

 

ختاماً نسأل "هل تتوقف مشاريع أمولة بيروت الأولى وتهجير أبناء الأشرفية من بيوتهم، وتجهيزها كمنطقة للتكامل مع المخطط الفرنسي لإعادة بناء مرفأ بيروت؟ أم أن "مشروع مار مخايل بيازا" هو الخيط الأول لنسخة سوليدير 2؟"

26 شخصية أمريكية بارزة تدين إعدام أعضاء مجاهدي خلق وتدعو إلى منع وقوع مجزرة أخرى في إيران


الرئيس في نظام ولاية الفقيه: لاعب شطرنج بلا أحجار!


كشف شبكة إرهاب النظام الإيراني التي يديرها خامنئي مباشرة


نحو جديد في العلاقات بين بيروت وطهران: من التسامح إلى التحدي المباشر