شؤون العرب والخليج
القتال في السودان يتسع إلى مدينة الأبيض الإستراتيجية
لا أفق لإسكات صوت البنادق
شهدت الخرطوم ومدينة الأُبيّض الإستراتيجية الواقعة على بُعد 350 كيلومترا جنوب العاصمة السودانية الخميس قصفاً صاروخياً ومدفعيا، فيما لا تلوح في الأفق نهاية قريبة للاقتتال والعودة إلى طاولة المفاوضات رغم تعدد مبادرات التسوية.
وقال أحد سكان الأبيّض إنّ “قصفاً مدفعياً استهدف قواعد لقوات الدعم السريع” في المدينة. وقال آخر إنّ “سلاح الجوّ قصف قوات الدعم السريع التي ردّت بنيران مضادات الطائرات”.
وفي جنوب الخرطوم أفاد سكّان بوقوع ثلاث غارات جوية في الصباح الباكر. وقال أحد هؤلاء السكّان إنّ “الانفجارات مرعبة”.
ومنذ اندلاعها في 15 أبريل الفائت، أسفرت الحرب بين قائد الجيش عبدالفتاح البرهان ونائبه السابق قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو المعروف بـ”حميدتي” عن مقتل ثلاثة آلاف شخص على الأقلّ وتهجير أكثر من ثلاثة ملايين شخص.
وظهر البرهان الثلاثاء في مقطع فيديو نادر، بعد وقت قصير من تسجيل صوتي لمنافسه دقلو. وفي هذا المقطع القصير (مدّته أقلّ من دقيقة) حيّا البرهان قواته من غرفة في مقرّ الجيش، وقد تمنطق مسدسًا وتدلّى رشّاس على كتفه.
ويشهد مقرّ القيادة العامة للجيش في وسط الخرطوم اشتباكات، ولم يؤكد أيّ من الطرفين سيطرته الكاملة عليه بعد.
وشوهد دقلو لبضع ثوان فقط في مقطع فيديو صوّره أحد أفراد قواته في بداية النزاع. ومنذ ذلك الحين ينشر حميدتي تسجيلات صوتية فقط.
ومساء الاثنين تحدّث دقلو بشكل خاص عن دارفور، الإقليم الواقع في غرب البلاد والذي دمرته حرب أهلية دامية في العقد الأول من القرن الحالي.
ويشهد الإقليم في الحرب الراهنة فظائع جديدة. وأكّدت تقارير عديدة من منظمات إغاثة وأخرى أممية وقوع فظائع في دارفور، بما فيها العنف الجنسي، ما دفع بالمحكمة الجنائية الدولية إلى فتح تحقيق في جرائم حرب محتملة.
ودعا المدّعي العام للمحكمة الجنائية الدولية كريم خان إلى عدم السماح لـ”التاريخ بأن يُعيد نفسه”.
وأصبح المشهد في السودان متشابها ويتكرر يوميا على وقع المعارك المستمرة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، وعلى وقع التصريحات التي يؤكد فيها كل طرف تقدمه على الآخر.
وتبادل الجيش وقوات الدعم السريع إطلاق النار بالمدفعية الثقيلة، في حين قصف الطيران الحربي للجيش مناطق متفرقة شرقي العاصمة.
وأكد شهود عيان سماع دوي انفجارات شرقي وجنوبي الخرطوم جراء قصف مدفعي متبادل بين الطرفين، وفي جنوب مدينة أم درمان تجددت الاشتباكات العنيفة بينهما.
ويتبادل الطرفان الحديث عن سيطرة كل طرف على مواقع إستراتيجية هامة في العاصمة مثل الطريق المؤدي إلى منطقة جبل أولياء وشارع النيل بمنطقة بري، وذلك في ظل تأزم الأوضاع الحياتية والإنسانية في البلاد.
ومع دخول المعارك بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع شهرها الرابع، تستمر الاشتباكات بين الطرفين بالأسلحة الثقيلة والخفيفة والقصف المدفعي وقصف الطيران في العاصمة الخرطوم وولايات كردفان (جنوب) ودارفور (غرب)، مع غياب تام لحل الأزمة في الأفق المنظور.
وفي ظل إصرار الطرفين على تحقيق الانتصار وإيمان كل منهما بقدرته على سحق الطرف الآخر، تبدو مسألة إيجاد حل للأزمة بعيدة المنال، كما أن غياب إرادة الطرفين لتحقيق وقف دائم لإطلاق النار يعقد المشهد أكثر، حسبما يراه مراقبون. وفي ظل غياب رؤية واضحة لمستقبل المعارك في السودان، تطفو إلى السطح عدة سيناريوهات لتوقف المعارك.
ويحمل استمرار الحرب لفترة أطول تعقيدات كبيرة قد تؤدي إلى انهيار الدولة، حيث يرى مراقبون أن “الحروب حاليا لا تحسم سريعا، كما حدث في عدة دول، آخرها الحرب الروسية – الأوكرانية” المستمرة منذ 24 فبراير 2022. وعليه، يبقى سيناريو استمرار الحرب وتوسعها إلى مناطق أخرى ودخول أطراف أخرى فيها أحد سيناريوهات الأزمة السودانية.
ويعد هذا السيناريو هو الأسوأ، حيث لا منتصر فيه مع توسع المعارك إلى مناطق أخرى فر إليها نحو 2.2 مليون نازح داخلي، ما يمثل أساسا لتحول الصراع إلى حرب أهلية في بلد هش يعاني من نزاعات قبلية بين مكوناته شرقا وغربا وجنوبا. وخلال الأعوام الأخيرة، اشتعل الصراع القبلي في عدة مناطق بالسودان شرقا وغربا، راح ضحيته المئات وأدى إلى نزوح عشرات الآلاف.
كما أن طول مدة المعارك في الخرطوم يمكن أن يدفع بقوات الدعم السريع إلى محاولة تشتيت جهود الجيش السوداني بفتح بؤر للحرب في ولايات تعد آمنة نسبيا، خاصة في ولايات الجزيرة (وسط) والنيل الأبيض (جنوب) ونهر النيل (شمال).
وأما انتصار الجيش في الخرطوم فلا يعني أن المعركة ستنتهي، بل من المحتمل أن يكون ذلك بداية لزحف الحرب إلى أطراف البلاد، عطفا على تجارب سابقة من القتال بين الجيش وحركات التمرد في الولايات الطرفية شرقا وغربا وجنوبا خلال 40 عاما مضت.
وفي حال انهيار الجيش في الخرطوم وسيطرة الدعم السريع على العاصمة، سيكون سيناريو حرب الولايات هو السائد. وبحسب مراقبين، سيترك سقوط الخرطوم قوات الجيش في ولايات البلاد الـ18 أمام خيارين؛ إما التسليم للدعم السريع أو خوض حرب أوسع في الولايات.
وفي حال رفض وحدات الجيش في الولايات الانصياع للمسيطر على العاصمة، حينها ستكون ولايات البلاد الأخرى في الشمال والشرق والوسط ساحة لمعركة أوسع، لأن الدعم السريع ستحاول إخضاعها بالقوة.
ويمثل الحراك الشعبي لإيقاف الحرب إحدى أدوات الضغط على طرفي الصراع لإيقاف الحرب، وهو ما يتطلب جهدا سياسيا وشعبيا واسعا لرفض استمرار الحرب في الخرطوم وامتدادها إلى بقية ولايات البلاد.
ومن الممكن ممارسة الضغط الشعبي بالتظاهر والاعتصامات في الولايات الآمنة، ما يتطلب إجماعا شعبيا داخل الولايات أولا، ثم التحرك بشكل أوسع للضغط على الجيش والدعم السريع لدفعهما إلى التفاوض وإيقاف الحرب. وربما يكون ما شهدته مدن بورتسودان ومدني والقضارف من وقفات احتجاجية خلال الأسابيع الماضية، شرارة حراك شعبي للمطالبة بوقف الحرب.