شؤون العرب والخليج
إنجازات مستفزة: هل تخرج ذكرى انفجار مرفأ بيروت من إطار الفلكلور؟
"أرشيفية"
ثلاث سنوات مرّت على الانفجار التاريخي الذي هزّ العاصمة اللبنانية بيروت في الرابع من أغسطس/آب 2020، ولا جديد يُذكر على مستوى المحاسبة. أما الحكومة اللبنانية فأعلنت تحويل يوم الذكرى الأليمة إلى عطلة رسمية سنوية بالتزامن مع إصدار طابع بريدي تذكاري.
وفيما لم يُسجَّل أي تقدم في التحقيق المحلّي، تسلم وزير الخارجية اللبنانية عبد الله بوحبيب قبل ثلاث أيام (الثلاثاء)، رسالة من 15 سفيرًا وقائمًا بالأعمال من الدول الموقعة على البيان المشترك الخاص بانفجار مرفأ بيروت في مجلس حقوق الإنسان تحث لبنان على الإسراع في التحقيقات بانفجار المرفأ، أعربوا فيها عن قلقهم العميق إزاء استمرار العراقيل والمعوقات التي تحول دون تحقيق العدالة.
وفي إطار مواجهة تحويل ملف انفجار المرفأ إلى نوع من "الفلكور السنوي" أصرّ ناشطون على تصويب البوصلة، فكان لهم تحرّكان الأول أقدموا فيه على رشّ طلاء أحمر في محيط مجلس النواب والثاني رصّوا فيه صور المتهمين والفارين من العدالة على أرض "قصر العدل".
وبينما ينشغل معظم اللبنانيين بالتحضير لتحركات للمطالبة بالعدالة اليوم، علمت "جسور" من مواطنين، أنه يتم تفتيش على "حاجز المدفون"، كلّ من هو متوجّه نحو بيروت من الشمال اللبناني للمشاركة في هذه التحركات، والتحقيق شفهيًا مع كل شخص يلبس اللون أسود، أو يحمل العلم اللبناني، وذلك لمدة تتراوح بين والنصف ساعة والساعة".
وتأتي هذه الحركة إستكمالاً لمسلسل القمع والمضايقات التي تمارسه السلطة بحق المواطنين، وكل معترض على أدائها البوليسي وتسترها على تفاصيل الجريمة.
ودعت جمعية أهالي ضحايا انفجار بيروت، أبرز المجموعات الممثلة لعائلات الضحايا، اللبنانيين إلى ارتداء اللون الأسود، والمشاركة في مسيرة بعنوان "العدالة رغماً عنهم، من أجل العدالة والمحاسبة... مستمرون".
وتنطلق المسيرة عند الرابعة عصراً من أمام مقر فوج إطفاء بيروت في الكرنتينا وصولاً الى المرفأ عند الخامسة والنصف بعد الظهر.
"عدالة ضائعة"
وقالت ريما الزاهد التي خسرت شقيقها أمين، الموظف في شركة داخل المرفأ، لوكالة "فرانس برس": "هذا اليوم هو ذكرى وحداد واحتجاج ضد الدولة اللبنانية التي تسيّس قضيتنا وتتدخّل في عمل القضاء".
وأضافت "إحساسنا بشع للغاية لأنه بعد ثلاث سنوات من تفجير مرفأ بيروت، لا يوجد مطلوب واحد في السجن"، بينما "القضاء مكبل والعدالة ضائعة والحقيقة مخبأة".
وقالت الزاهد "تعبنا ويزعجنا أنه بعد ثلاث سنوات، لم نتمكن من أن نفعل شيئاً لمحاسبة هؤلاء المجرمين"، لكن في الوقت ذاته "مؤمنون بأننا سنصل الى الحقيقة، لان الحق لا يموت".
ومنذ اليوم الأول، عزت السلطات الانفجار إلى تخزين كميات ضخمة من نيترات الأمونيوم داخل المرفأ من دون إجراءات وقاية إثر اندلاع حريق لم تُعرف أسبابه. وتبيّن لاحقاً أن مسؤولين على مستويات عدة كانوا على دراية بمخاطر تخزين المادة ولم يحركوا ساكناً.
وإثر الانفجار، عينت السلطات القاضي فادي صوان محققاً عدلياً، لكن سرعان ما تمت تنحيته في فبراير/شباط 2021، إثر ادعائه على رئيس الحكومة حينها حسان دياب وثلاثة وزراء سابقين بتهمة "الإهمال والتقصير والتسبّب بوفاة" وجرح مئات الأشخاص.
واصطدم خلفه القاضي طارق بيطار بالعراقيل نفسها مع إعلان عزمه استجواب دياب، تزامناً مع إطلاقه مسار الادّعاء على عدد من الوزراء السابقين، بينهم نواب، وعلى مسؤولين أمنيين وعسكريين.
وامتنع البرلمان السابق عن رفع الحصانة عن النواب المذكورين، ورفضت وزارة الداخلية منحه إذناً لاستجواب قادة أمنيين ورفضت قوى الأمن كذلك تنفيذ مذكرات توقيف أصدرها. وغرق التحقيق بعدها في متاهات السياسة ثم في فوضى قضائية بعدما حاصرت بيطار عشرات الدعاوى لكف يده، تقدم بغالبيتها مسؤولون مُدّعى عليهم.
أزمة غير مسبوقة
وخلال عامين ونصف العام، تمكّن بيطار من العمل رسمياً لقرابة ستة أشهر فقط، تعرّض خلالها لضغوط أنذرت بأزمة غير مسبوقة في الجسم القضائي، خصوصاً بعدما أحبط مدعي عام التمييز غسان عويدات محاولته استئناف التحقيقات مطلع العام الحالي.
وكان بيطار استأنف تحقيقاته في 23 يناير/كانون الثاني 2023 بعد 13 شهراً من تعليقها، وقرّر الادّعاء على ثمانية أشخاص جدد بينهم عويدات، وحدّد مواعيد لاستجواب 13 شخصاً مدعى عليهم.
لكن عويدات جاوبه بالادعاء عليه بـ"التمرد على القضاء واغتصاب السلطة"، وأصدر منع سفر في حقه، وأطلق سراح جميع الموقوفين.
ومن بين جملة الإجراءات الصادمة التي اتخذها عويدات، جاء منع جميع الأجهزة الأمنية من تنفيذ قرارات القاضي البيطار. كما ترتبط هذه الإجراءات بفضيحة إخلاء سبيل رئيس مصلحة الأمن والسلامة في مرفأ بيروت، محمد زياد العوف، الذي يحمل الجنسية الأميركية. وقد غادر العوف إلى الولايات المتحدة فور إخلاء سبيله عبر مطار بيروت الدولي.
وقد عيّن مجلس القضاء الأعلى القاضي حبيب رزق الله للنظر في شكوى عويدات ضد البيطار، في حين قدّم مكتب الادعاء في نقابة المحامين في بيروت شكوى جزائية وتأديبية ضد عويدات.
وقال مصدر قانوني مواكب للملف لوكالة "فرانس برس"، من دون الكشف عن هويته، إن ملف التحقيق "قيد المتابعة" من بيطار، رغم الدعاوى التي تلاحقه وتعلّق عمله رسمياً.
وأوضح أن رغم غيابه عن أروقة قصر العدل، يُصر بيطار على استكمال مهمته حتى اصدار قراره الظني كما وعد عائلات الضحايا التي تعقد آمالها عليه من أجل بلوغ العدالة.
واصطدمت مطالبة أهالي الضحايا الذين تظاهروا مراراً، بتحقيق دولي، برفض رسمي في لبنان.
وانفجار مرفأ بيروت هو أحد أكبر الانفجارات غير النووية في العالم. في الرابع من أغسطس/آب 2020، عند الساعة السادسة وسبع دقائق، دوى انفجار ضخم في بيروت، حصد أكثر من 220 قتيلاً وتسبّب بإصابة أكثر من 6500 شخص بجروح، وتسبب بدمار واسع في المرفأ وعدد من أحياء العاصمة.